رمز الخبر: ۲۲۹۸۲
تأريخ النشر: 13:33 - 19 May 2010
الشرق الاوسط - إذا كان سفرك عبر خطوط طيران ومواصلات داخلية من النوع الجيد فلن تشعر بالتعب حين تقصد منطقة تخت جمشيد، إحدى أهم المناطق الأثرية والسياحية في إيران. وإذا مررت بكل المزارات الشهيرة هناك دون تخت جمشيد فكأنك لم تزُر بلاد فارس.

تتكون جدران معابد وقصور هذه المنطقة التي يبلغ عمرها نحو ألفين وخمسمائة سنة من صخور بيضاء وسوداء ما بين كل منها فواصل صغيرة كأنها تذكر الإنسان بضرورة الفصل بين حدود الخير والشر. نعم، فقد كان الناس يعبدون النار التي تحرق من يعبث بالخطوط المقدسة، وحيث كل شيء واضح تحت ضوء الشمس الناصع هنا بين الجبال قرب مدينة مرودشت على بُعد نحو ستين كيلومترا شمال شرقي مدينة شيراز التابعة لمحافظة فارس الإيرانية.

ومع استمرار فرض العقوبات الاقتصادية على إيران وإظهارها في الغرب كدولة مارقة بسبب برنامجها النووي، أصبح في الإمكان ملاحظة العدد المتزايد من السياح الآسيويين الذين يحلون محل السياح الغربيين. فقبل هذه العقوبات كانت منطقة تخت جمشيد الأثرية يفد إليها آلاف السياح من أوروبا والولايات المتحدة، لكن في الوقت الحالي أصبح هذا العدد في تراجع، وبات في الإمكان رؤية المزيد من السياح القادمين من اليابان والهند والصين وماليزيا وإندونيسيا وغيرها.

تقول محماديه وهي تصفّ كؤوس الشاي أمام خمسة سياح يابانيين: «نعم، السياح الإنجليز والفرنسيون في تراجع، لكن يفد بدلا منهم يابانيون وهنود». ويقع محل محماديه ضمن مجموعة محال صغيرة لكنها حديثة التصميم وسط حديقة ضخمة تضم آلاف الأشجار والأزهار والورود من كل نوع. وملحق بها باحة كبيرة مخصصة كمكان لانتظار السيارات وحافلات السياح.. ويمكن أن تستريح بعض الشيء وتلتقط أنفاسك في محل من محال المشروبات والهدايا وسط هذا الفيء الظليل. وحتى إذا جلست إلى طاولة من الطاولات هنا فلا أحد يسألك إن كنت تريد أن تطلب شراء مشروب أو تذكارات أو أسطوانة من أسطوانات الموسيقى الإيرانية القديمة أو العصرية، إلا إذا طلبت أنت بنفسك ذلك. وبعد الجلوس في هذه الاستراحة العامرة تقطع نحو خمسمائة متر شمالا لتجد نفسك قد دخلت بين أطلال تعود إلى زمن القرن الرابع قبل الميلاد.

هنا تخت جمشيد، مقر الأسرة الأخمينية التي حكمت البلاد المعروفة اليوم باسم إيران. كان السكان القدامى في هذه الأراضي يؤمنون بالله، لكنهم كانوا يعبدون النار لاعتقادهم أنها مصدر النقاء. ولم يقِهم هذا من الاجتياح الكبير الذي شنه عليهم الإسكندر المقدوني، فاحتل بلادهم وغيّر اسم مقر حكمهم من «تخت جمشيد» إلى «برسيبوليس». ويقول المرشد السياحي، صادق، وهو يستمع إلى أهازيج أغانٍ وموسيقى فارسية تصدح من محل لبيع التذكارات أمام بوابة المدينة القديمة: «إن الإسكندر دمّرها ولم يترك فيها إلا بقايا قصور للحكام الغابرين، كان آخرهم الملك الأخميني داريوس الثالث الذي حكم لمدة خمس سنوات، بداية من عام 335 قبل الميلاد، قبل أن يفر بعد ذلك إلى شرق البلاد، ومن خلفه كانت ألسنة اللهب تشتعل في أركان قصوره وقصور أجداده».

ومن بين رؤوس مئات السياح الآسيويين الذين يترددون على المكان، إلى جانب السياح المحليين القادمين من المدن الإيرانية الأخرى، يروي صادق ترجيحات المؤرخين التي يذهبون فيها إلى أن اليونانيين هم من أحرق قصور برسيبوليس («تخت جمشيد» بالفارسية) حين احتلوها بقيادة الإسكندر عام 330 قبل الميلاد، أخذا بثأر مدينتهم أثينا التي أحرقها الملك الأخميني زركزيس الأول عام 480 قبل الميلاد. وتشير شواهد ما تبقى من برسيبوليس إلى أن هذه البقعة التي تتوسط عدة جبال كانت تضم مجموعة قصور ملكية يبدأ الوصول إليها من المدخل الرئيسي للمنطقة عبر درجات صخرية ملساء تشبه سلالم المراكز التجارية الحديثة، إلا أنها مكسوة في الوقت الحالي بدرجات من الخشب لحماية سطحها الصخري من كثرة تردد الأقدام عليه.

يوجد بعد ذلك ثلاثة بوابات كبيرة منحوت عليها زخارف بديعة ومنحوتة من الصخور، وتعرف باسم «ممر جميع الملل»، أو «معبر كل الشعوب»، ويفضي إلى قاعة الاستقبالات الملكية والاجتماعات رفيعة المستوى. تُعرف هذه المنطقة باسم «عَبَدَانا»، وهي عبارة عن مبانٍ مربعة تشبه المساطب الكبيرة المنصوب عليها أبراج تشبه المسلات في الطول، إلا أنها خالية من الكتابة ومزودة بتيجان من أعلى، على هيئة رؤوس حيوانية وأوراق نبات.

وتركز الرسومات والتصاوير الباقية على جدران تخت جمشيد على حب الحكام الأخمينيين للحصول على طاعة الشعوب الأخرى لسلطانهم. هنا أحد الملوك يتسلم العطايا والهدايا القادمة من حاكم أمة من الأمم الأخرى التي تسكن وراء البحار. وهنا رسم للإله «أهورا مازدا» ينظر إلى المشهد راضيا عن حاكم الأخمينيين وسؤدده. على كل جدار وفي كل ركن من أركان الصخور الباقية في هذا الموقع تجد رسوما منحوتة على الحجارة مغرقة في التفاصيل، ما بين كتابات بالخط البابلي والفارسي القديم وأوراق شجر وخطوط.. حتى المكعبات الصخرية المصفوفة هنا وهناك، تحمل تفاصيل خاصة بها.. في كل جانب من المدخل، على سبيل المثال، توجد ستة مربعات صخرية تشبه القوالب المربعة بحجم علب الهدايا. كل ستة قوالب تشكل معادلة رقمية ذات مغزى ديني. ثلاثة قوالب فوقها قالبان، ثم قالب في الأعلى. وتمتد على طول أسوار مدخل المنطقة.

ويقول موظف من وزارة الثقافة الإيرانية يدعى رضائي، إن أطلال موقع برسيبوليس (Perspolis) أصبحت من التراث الإنساني وفقا لمنظمة اليونسكو بداية من عام 1979. وحين تنتهي من الاستماع إلى شروح الإيرانيين المغرمين بهذا الموقع يمكنك أن تستكشف الباقي وحدك.. فبعد أن ترتقي مجموعة من درجات المدخل تصل مباشرة إلى قصور الحكام الأخمينيين، وأولها قصر داريوس بقاعته ذات الجدران اللامعة، وقصر زركزيس بأعمدته الكثيرة التي ما زالت شاهدة على الزمن الغابر للدولة الأخمينية التي سيطرت إلى حين على خطوط الطرق التجارية في آسيا والشرق الأوسط آنذاك، خصوصا في عهد قمبيز الثاني.

ويفد إلى هذا المكان المئات من تلاميذ وطلاب المدارس الإيرانية وعدد من الباحثين المحللين والأجانب.. وإذا كنت تتحدث الفارسية أو الإنجليزية فستتمكن من عقد صداقات سريعة وتترجل مع أحد الأصدقاء الجدد عبر درجات تأخذك من مجمع القصور إلى القاعة الرئيسية التي كان ملوك ذلك العصر يقيمون فيها اجتماعاتهم، واسمها «قاعة العرش»، وتوجد على مسطح يقف عليه ما لا يقل عن مائة عمود بتيجان بديعة، وربما لهذا السبب أصبحت تحمل اسم قاعة الأعمدة المائة.

وعلى مسافة ليست بالبعيدة توجد قاعة أخرى على مساحة مسطحة وتقف عليها عشرات الأعمدة أيضا، كان عددها يصل في السابق إلى تسعة وتسعين عمودا، قبل أن يتعرض كثير منها للدمار، وكانت تحوي مقر الخزينة أو البنك المركزي للدولة الأخمينية. وترى فوق بعض الأعمدة نحتا لطائر العنقاء. وبجوارها توجد مكتبة مجمع القصور، وبعدها مكان دفن الموتى من أفراد الأسرة الحاكمة، في قبور ذات درجات يشبه بعضها الأهرامات الصغيرة برأس مسطح من أعلى.

يوضح رضائي أن المواقع الأثرية حول منطقة تخت جمشيد أو (Perspolis) التي استمر بناؤها نحو 200 سنة، تنتشر على مساحة تبلغ نحو 7 آلاف كيلومتر مربع. ويعتقد أن هناك الكثير من المعالم التاريخية القديمة التي لم تكتشف بعد. ومن خلال جولة سياحية في تلك المنطقة يمكن أن تشاهد، بعد تخت جمشيد بنحو 87 كم، مدينة باسار غادا التي كانت أول عاصمة للأخمينيين في أيام الملك كورش الكبير. كما أن بالقرب من هذا الموقع معالم تاريخية محفورة في جبال زاجروس، منها نقش رستم، نقش رجب، إذ تعبّر هذه الآثار عن مراحل تاريخية تشمل الحقبة الأخمينية والساسانية، وفيها ضريح الملك أرتاكسريس الأول.

وتزخر إيران بالكثير من المواقع التي يمكن للسائح زيارتها، كما يقول صادق، مثل برج توغرول الذي بناه ملك السلاجقة في القرن الثاني عشر وقصر وحدائق غولستان التي بناها حاكم قاجار ناصر الدين شاه ومتحف الجواهر الوطني الذي يضم مجموعة واسعة من الجواهر والحلي ومتحف البريد ومتحف الزجاج والسيراميك، إضافة إلى الكثير من المزارات الدينية والثقافية والترفيهية مثل مقار الشعراء التاريخيين، خصوصا في مدينة شيراز عاصمة محافظة فارس، ومنهم الشاعر حافظ والشاعر سعدي.

وبدلا من الطيران يمكن التنقل بسيارات مستأجرة من وكالات السفر، لكن لا بد وقبل كل شيء من مراعاة المشكلات التي تمر بها البلاد في الوقت الحالي مع الدول الغربية، بسبب البرنامج النووي.. فعلى الرغم من اللقاءات التي تجري بين حين وآخر بين القطاع الخاص السياحي في أميركا والجانب الإيراني لتقوية الروابط السياحية بينهما، إلا أن مندوبا لإحدى وكالات السفر التي ترتب الحصول على الفيزا السياحية يقول إنه لا يتم منح التأشيرة للأميركيين الذين يرغبون في السفر إلى إيران بشكل فردي، بل يتطلب الأمر الوجود ضمن مجموعة من السياح أو أن يكون التنقل في إيران وفق خط سير دقيق لا بد من الالتزام به بحرفية تامة. وتبلغ مدة الفيزا شهرا ولا تزيد على ثلاثة أشهر بأي حال. ويحظر منح التأشيرة لحاملي جوازات السفر الإسرائيليين.

وتتراوح أسعار الفنادق بين 40 دولارا وحتى 300 دولار وفقا لمستوى كل فندق.. ولا بد أن يوضع في الحسبان أن بعض الفنادق تضطر إلى زيادة السعر بين وقت وآخر، كما فعلت عدة فنادق في العاصمة خلال أبريل (نيسان) حين رفع السعر بنسبة 20%، لأسباب متفرقة، أهمها العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، وتراجع عدد السياح الغربيين المعروف عنهم الإنفاق أكثر من السياح الآسيويين. أما سعر تأجير سيارة مع الأسرة للتجول بين المناطق السياحية في إيران، فالسعر لا يقل عن 55 دولارا في اليوم، ويمكن أن يقل في حالة زيادة مدة التأجير لأكثر من أسبوع. هذا إن أردت أن تسافر عبر الطرق والسهول الخضراء والجبال المكسوة بالثلج، إلى تخت جمشيد في الجنوب.