رمز الخبر: ۲۵۱۶۹
تأريخ النشر: 13:44 - 23 August 2010
محمد صادق الحسيني
مرة اخرى تثبت ايران ان التمسك باستقلالية القرار السياسي والصبر الاستراتيجي والثبات في الموقف والمثابرة في الدفاع عن المبادئ وثقافة المقاومة يثمر 'تخصيبا ووقودا وطاقة نووية' وردعا استراتيجيا على الارض! وهذا الكلام لم يعد اليوم مجرد دعاية ايديولوجية ولا عرضا نظريا مجردا ولا رؤى رغبوية لطالما اتهمنا بها كلما اشرنا اليها في اوقات سابقة!

فها هو ما يسمى بالمجتمع الدولي يضطر للقبول ولو على مضض بايران عضوا جديدا رسميا في النادي النووي الدولي والاهم من ذلك يذعن ولو مستنكفا بان لا حل لمشكلاته او خلافاته مع ايران الا بالتحلق حول طاولة حوار لا شروط مسبقة فيها! ولنكن واقعيين فان هذا لم يكن ممكنا لولا اصرار القيادة العليا على المضي قدما في الصناعات الدفاعية الرادعة في البر كما في البحر كما في الجو، وآخر ما كشفته طهران هو صاروخ قيام 1 المتفلتة من رادارات العدو بسبب تقنيتها العالية والمعقدة وقاذفة القنابل النفاثة من دون طيار- كرار- والقادرة على التحليق لمسافات طويلة من دون طيار!
بالعودة قليلا الى الوراء فقط يمكنكم التذكر كيف ان ابرز وزراء خارجية الدول الغربية الكبرى وبضوء امريكي اخضر طبعا اجتمعوا في قصر سعد آباد شمال طهران وكيف انهم استطاعوا في لحظة غفلة او ضعف ان يقتنصوا من المفاوض الايراني وقتها قرارا في وقف التخصيب لمدة ما يقارب العام والنصف - في حقبة الرئيس السابق محمد خاتمي - مقابل القبول بها عضوا 'طبيعيا ' في معادلة 'المجتمع الدولي' المزعوم ظنا منهم بان ذلك من شأنه ان يوقف ارادة طهران الاستراتيجية الحازمة بضرورة تشكيل الدورة النووية الكاملة مهما كلف ذلك من ثمن!

بالطبع لقد ضيع الغربيون الفرصة في حينها بانفسهم عندما ظنوا للحظة ان بامكانهم من خلال لعبة الخداع والتضليل ان 'يطفئوا' شعلة الدورة النووية الايرانية '.

ان ضخ الوقود النووي في قلب مفاعل بوشهر لاجل انتاج الكهرباء بواسطة الطاقة الذرية، مع احتفاظ ايران بحقها المبدئي في تخصيب اليورانيوم والذي تكفله لها اتفاقية حظر انتشار الاسلحة النووية الموقعة عليها منذ اكثر من ثلاثة عقود، ومن ثم رفعها لهذه التقنية الى درجة التخصيب بنسبة عشرين بالمئة وهو ما تكفله لها نفس الاتفاقية واعلانها الصريح والواضح والشفاف بانها ستستمر في انتاج الوقود النووي عبر عملية التخصيب العالي والتحضير لبناء عشر محطات نووية اخرى تشبه محطة بوشهر، لا يمكن وصفه الا كما سبق ووصفناه اكثر من مرة بانه القرار الاكثر اهمية وخطورة من قرار تأميم النفط الشهير الذي اتخذته طهران في زمن حكومة الراحل محمد مصدق الوطنية في بداية خمسينات القرن الماضي!

كيف ؟ ببساطة ووضوح لان ايران ما بعد الحادي والعشرين من آب/اغسطس 2010 هي غير ايران ما قبل ذلك. واليكم الشرح المختصر الآتي:

- ان ما يسمى بالمجتمع الدولي فشل فشلا ذريعا في اللعب على وتر ما يسمى بخطورة وانحرافية المشروع النووي الايراني نحو التسلح والذي كان يهدف عمليا لمقايضة ايران بقبولها 'عضوا عاديا' ومقبولا في هذا المجتمع مقابل تخليها عن الطاقة البديلة اي اقفال محطة بوشهر سلما او تعطيلها حربا من خلال الاداة الصهيونية، لكن ذلك يذهب اليوم ادراج الرياح مع افتتاح هذه المحطة رسميا بعد ان عطلت ايران كل الذرائع الغربية في هذا السياق وانهكت روسيا في سباق الصبر الاستراتيجي مما احرجها فاخرجها من سياق المماطلة وكذلك المقايضة التي لطالما كانت السبب في تأخير لحظة انطلاق منشأة بوشهر!

- ان ما يسمى بالمجتمع الدولي اذعن كذلك ولو بالاكراه بان ما هو حق لايران في التخصيب بالنسبة التي تريد من اجل سد حاجتها الداخلية من الوقود النووي لصناعة الطاقة البديلة اصبح امرا واقعا وانه لم يعد منطقيا مطالبة ايران بالتراجع عنه في اية مفاوضات مستقبلية من الآن فصاعدا، لان الحاجة اليه اصبحت جزءا من قاعدة العرض والطلب التجارية تماما كما هي حاجة اي مستهلك وهو ايران في هذا السياق لاي مصدر وهو روسيا في هذه الحالة والتي ليس بينها وبين ايران سوى مذكرة تفاهم لتأمين الوقود النووي لمدة ثلاث سنوات وهو امر غير ملزم لايران قانونيا بان تبقى تشتري هذا الوقود منها لمدة ستين عاما هو العمر المفيد لهذه المنشأة!

- ان ما يسمى بتجارة القرن الواحد والعشرين والتي كانت تعول واشنطن عليها كثيرا، الا وهي بيع الوقود النووي للعالم انطلاقا من قهر الحالة الايرانية وتركيعها للقبول بالولايات المتحدة مصدرا اساسيا ان لم يكن وحيدا لشراء هذا الوقود اللازم لصناعة الكهرباء الذري تكون قد سقطت ايضا، ما يعني خسارة كبرى تقدر بنحو اربعة تريليونات دولار سنويا اذا حسبنا الفرق بين سعر الميغاوات الواحد من الطاقة الكهربائية المنتج من النفط او الغاز والذي يكلف بين خمسة الى سبعة سنتات وذلك المنتج بواسطة الطاقة الذرية والذي يلامس السنت الواحد فقط، اضافة الى محاسبة سعر النفط او الغاز كما تريد ان تتحكم به واشنطن بالسياسة! بالاستناد الى ما تقدم نستطيع ان نفهم اليوم سبب الغضب والحنق الصهيوني ومن ثم الامريكي طوال الفترة السابقة على نضوج اكتمال دورة الوقود النووي ومن ثم هضم حلول موعد افتتاح محطة بوشهر الذرية كرها وقهرا دون ان يتمكنا من تعطيل هذه الدورة المشروعة والمحقة، ما سيشكل عمليا سابقة خطيرة للغاية بالنسبة لسائر الدول المستقلة والاخرى الساعية نحو التحرر من التبعية للسياسات الامريكية الخاصة منها بالسياسة كما بالاقتصاد! بالمقابل نستطيع ان نفهم الآن ايضا لماذا كان ولا يزال المفاوض الايراني يصر على ما كان يسميه بحزمة المقترحات الايرانية مقابل ما بات يعرف بحزمة المقترحات الغربية، ذلك ان المعركة بالنسبة لصاحب القرار الايراني لم تكن يوما من اجل فتح محطة بوشهر للطاقة الكهربائية لوحدها ولا اعادة ضخ الوقود في مفاعل طهران للاغراض الطبية ولا حتى لتكريس حق التخصيب وتاليا حق صناعة الوقود النووي، بقدر ما كانت ولا تزال الدفاع عن استحقاق الدول المستقلة في تأميم او توطين التكنولوجيا النووية لاجل تحرير القرار السياسي من التبعية لمعادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية غربها وشرقها وهي المعادلة التي باتت تتحكم بها المصالح الصهيونية العليا للاسف الشديد.

وعليه فان انطلاق محطة بوشهر الذرية اليوم وما حملته من معان مشار اليها آنفا سترمي بظلالها بقوة على مفاوضات طهران مع ما يسمى بمجموعة فيينا المرتقبة وكذلك على المفاوضات المرتقبة ايضا مع مجموعة الخمسة زائد واحد، اضافة الى المناكفات والمشاغبات والشد والجذب الايراني الامريكي حول الملفات الاقليمية الساخنة من فلسطين مرورا بلبنان وصولا الى العراق الذي وصل الى محطته الخريفية من حيث غروب شمس الاحتلال الامريكي وافول نجمه!