رمز الخبر: ۲۶۶۴۴
تأريخ النشر: 08:19 - 25 October 2010
عصر ايران، علي قادري – خصصت قناة "الجزيرة" مساء الثلاثاء ثلاث ساعات بالكامل لتحليل الوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس حول حرب العراق.

وحاول هذا البرنامج ايصال ثلاث رسائل لمشاهديه:

1-     ان حجم جرائم القوات الامريكية في العراق هو اكثر بكثير من المعلن.

2- لقد اضطلع نوري المالكي بدور مباشر في عمليات الاعتقال والتعذيب والقتل وذلك بهدف تعزيز الطائفة الشيعية على حساب الطائفة السنية.

3- لقد كان لايران ضلع في التفجيرات والاغتيالات في العراق من خلال تزويد الميليشيا الشيعية بالسلاح واختراق اجهزة الامن والشرطة العراقية.

ورغم ان الجزيرة استضافت في برنامجها المسائي هذا، اشخاصا من دول وتوجهات سياسية مختلفة مرتبطة بالملف العراقي، الا ان هذا البرنامج اتاح فعلا فرصة لبقايا حزب البعث العراقي المقيمين في سورية وسائر الدول العربية لتكرار احقادهم الدفينة ضد ايران واحراق الاخضر واليابس.

ان جرائم الاحتلال الامريكي في العراق ليست بالموضوع الجديد، حتى وان كانت ابعادها اكثر بكثير من الارقام والاحصاءات المعلنة، كما ان نشر هذه الوثائق ( التي مصدرها اميركا نفسها) لا يحظى باهمية تذكر بالنسبة لاوباما لانه لم يصدر الامر بغزو العراق. ان الفريق الجديد في البيت الابيض حاول دائما تقديم حرب العراق على انها شر فرض على الرئيس الجديد الذي يسعى جاهدا الان للانسحاب من العراق لخفض نفقات هذه الحرب.

وفيما يخص نوري المالكي فانه يجب القول بانه حاول منذ عام 2006 بسط ونشر سلطة الحكومة المركزية على ارجاء العراق وهذه القضية لا علاقة لها بالشيعة والسنة. ألم يشن المالكي اشد واعنف الهجمات على القوى الشيعية المتمثلة بجيش المهدي (التابع لمقتدى الصدر) في مدينة الصدر ببغداد والنجف والبصرة؟

واذا راجع القائمون على "الجزيرة" ارشيفهم عن العراق، سيجدون بالتاكيد اخبار وافلام هذه الاشتباكات الدامية. الا ان القول بان نوري المالكي كان بصدد استئصال بقايا حزب البعث من الشرطة والاستخيارات ووزارة الدفاع في العراق هو قول صحيح بالكامل وان هذه القضية لا تعجب بالطبع الكثير من الدول العربية. وسبب ذلك واضح تماما، لان البعثيين يكرهون ايران والاكراد والشيعة، الثلاثي المعروف الذي يضطلع بدور في العملية السياسية في العراق، العملية التي لم تدعمها جميع الدول العربية تقريبا في البداية.

والطريف ان هذا العاصفة الاعلامية، هبت عندما برزت المبادرة الايرانية على السطح لوضع نهاية للازمة السياسية التي تعصف  بالعراق لعدة شهور. ان التشويش على ايران والمالكي في المرحلة الحالية، لا يهدف الا الى تهميش المبادرة الايرانية وهذا الامر يتناغم تماما مع مصالح قطر والعربية السعودية، لان الوثائق المتعلقة بايران لا تحمل اي جديد، وهي تكرار للاتهامات السابقة التي كان يطلقها الامريكيون والبريطانيون ضد ايران فحسب.

ومن بين هذه التهم، ثمة تهمة مدعاة للسخرية. الزعم بضبط اسلحة كتب عليها "صنع في ايران"! وهو بالضبط كمن يريد القول بانه تم العثور في جيوب الافراد التابعين لايران ممن قتلوا او وقعوا في الاسر على اوراق نقدية ايرانية من فئة 5000 تومان ايراني!

وطبعا لا يمكن لاحد انكار النفوذ السياسي والامني الواسع لايران في العراق، لكن ان يقال بان هذا النفوذ يستخدم لقتل ابناء الشعب العراقي، فهو مغالطة ليس الا.

ان الذين يقومون بتحليل القضايا العراقية، يرتكبون خطا فظيعا. فهم لا ياخذون بنظر الاعتبار الحقائق التي كانت سائدة قبل الاحتلال الامريكي للعراق. الحقائق التي يجب الاهتمام بها لتحليل الظروف السياسية والامنية الحالية في العراق.

ان الحضور الامني الايراني في عراق ما قبل الاحتلال يجب اعتباره ردا على دعم النظام البعثي للمنافقين. فتاريخ "مجاهدي خلق" ليس خافيا على احد: اغتيال المدنيين الايرانيين وحتى التدخل العسكري في اواخر الحرب المفروضة.

ومن الطبيعي ان تبادر ايران الى تعزيز معارضي النظام البعثي في شمال العراق وجنوبه من اجل مواجهة هذه التهديدات. ان جلال الطالباني يعرف جيدا انه ان لم يكن الدعم الايراني، لكانت جرائم صدام ضد الاكراد العراقيين اكثر بكثير مما كانت عليه.

وبعد سقوط صدام، عاد هؤلاء المعارضون وعلى راسهم الاحزاب الكردية الرئيسية والصدر والمجلس الاعلى وحزب الدعوة. ممن كانوا في ايران لسنوات ، الى العراق، وطبيعي ان يتفهموا الهاجس الامني الايراني بشان بلد اشعل نظامه السابق نار حرب دامت ثماني سنوات ضد صديقهم وقت الضيق، الهواجس التي اكتست شكلا جديدا مع الوجود العسكري الامريكي والبريطاني. وبلغة مبسطة، فان الحضور السياسي والامني الايراني في العراق تمتد جذوره في الحقائق السابقة لهذا البلد، الحقائق التي مرت عليها العديد من الدول العربية بالمنطقة ، مرور الكرام.

وعلى القائمين على قناة "الجزيرة" توضيح سبب عدم تناولهم حقائق تلك الحقبة عندما هاجم صدام حلبجة وضرج اهاليها بدمائهم.

واي دولة وقفت في ذلك الزمن الى جانب الضحايا الاكراد؟ قطر أم السعودية؟

ولماذا عندما قامت القوات البعثية في ذلك الزمن بقمع الانتفاضة الشعبية العراقية بجنوب العراق، لم يرتفع صوت احتجاج من الدول العربية في منطقة الخليج الفارسي؟ ألم يكن تم للتو آنذاك طرد الجيش العراقي من الكويت؟ من وقف في تلك المرحلة الى جانب الضحايا الشيعة؟ قطر أم السعودية!

ولماذا لا تنبس "الجزيرة" ببنت شفة عن التدخل المباشر ل بندر بن سلطان وايفاد عشرات ارهابيي القاعدة الى العراق والتعاون الاستخباراتي الاردني؟ هل كانوا يتوقعون ان تلوذ ايران بالصمت تجاه اشعال فتيل الفتنة بين الشيعة والسنة في العراق على يد السعودية والاردن ومصر؟

ولماذا لاذ القائمون على الجزيرة بالصمت عندما استشهد المئات من العراقيين في كربلاء والنجف وسامراء والكاظمية؟

وهناك الكثير ما يجب قوله لكن كله يختزل في كلام واحد، ان كل هذا الضجيج والجعجعة تتم لسبب واحد لا اكثر! فالامريكيون في طريقهم الى مغادرة العراق وان ممثلي الشعب العراقي الاصدقاء القدامى لايران، سيتسلمون زمام السلطة. السلطة التي ليس من المقرر ان تصل الى البعض كحصة لهم.

وكم هو مثير للسخرية والضحك: ان تصبح السعودية وقطر ومصر وحزب البعث قلقون على الشعب العراقي؟! فليرفع  القائمون على قناة الجزيرة، الاقنعة عن وجوههم رجاء.