رمز الخبر: ۳۰۷۳۳
تأريخ النشر: 12:44 - 10 July 2011
بدء من فبركة المشاهد التي انجزت بمساعدة التابعين لسعد الحريري في طرابلس وعكار بلبنان وصولا الى استنساخ الاشتباكات الدامية في ليبيا وانزالها في افلام التظاهرات والاشتباكات في سورية وكذلك نشر اسماء الجنود وضباط الصف المنشقين عن الجيش السوري
عصر ايران -  علي قادري

 كل من يعرف "غسان بن جدو" يقر بانه الصحفي رقم واحد بين جميع صحفيي الشرق الاوسط وحتى ان الكثير يقارونه بالمصري حسنين هيكل. ان المدير السابق لمكتب "الجزيرة" في بيروت، اصله تونسي ويحمل الجنسية اللبنانية، وقد استقال غسان من منصبه في اواخر ابريل الماضي ، ومع ذلك فانه لم يحاول احاطة خطوته هذه بضجة اعلامية ، لان الاعلاميين يعلمون علم اليقين، بان اشخاصا مثل غسان بن جدو، هم وسيلة اعلامية بحد ذاتهم.

والسؤال الذي يطرح نفسه لدى الراي العام العربي بعد استقالة بن جدو، هو انه لماذا استقال؟

ويرى المقربون من غسان بن جدو في قناة "نيو تي في" اللبنانية – التي تتعاطى بشكل اكبر اعلاميا مع قناة الجزيرة في لبنان – انه ينتقد بشدة سوء المهنية لدى هذه القناة فيما يخص سورية: بدء من فبركة المشاهد التي انجزت بمساعدة التابعين لسعد الحريري في طرابلس وعكار بلبنان وصولا الى استنساخ الاشتباكات الدامية في ليبيا وانزالها في افلام التظاهرات والاشتباكات في سورية وكذلك نشر اسماء الجنود وضباط الصف المنشقين عن الجيش السوري
والذين نفوا انفسهم ذلك لاحقا وقصة عبد الله شاهد عيان الجزيرة في مدينة درعا وهو الشاهد الذي تم ضبطه فوق سطح احد المستشفيات بدمشق و... ، وهذا كله يشكل فقط جانبا من الاجراءات غير المهنية التي اثارت حتى احتجاج وسائل اعلام مثل مجلة نيوزويك الامريكية، وبذلك فان غسان بن جدو الذي يؤكد على الصدقية المهنية في الاعلام، لم يحتمل هذا التوجه وانفصل عن قناة الجزيرة.

لكن ما هي الاسباب التي دفعت الجزيرة الى ممارسة مثل هذا التحريف الخبري واسع النطاق؟ ان العديد في الدول العربية يتساءلون، هل ان هذه هي الجزيرة نفسها التي وقفت خلال حربي لبنان وغزة الى جانب المقاومة؟ وهل هذه هي الجزيرة ذاتها التي اضطلعت بدور مميز في التغطية الاخبارية للاحتجاجات في الثورة المصرية؟ ولماذا لاذت الجزيرة بالصمت تجاه ازمة البحرين و... ؟

والبعض يرى بان المشكلة تكمن لدى "المتسائلين" انفسهم لان قناة الجزيرة لم تتغير اطلاقا، وان اصوات احتجاجكم على اداء هذه القناة انطلقت هذه المرة فقط لان العاصفة وصلت الى سورية. لكن المؤسف ان حجم التحريف في الخبر والصورة على يد قناة الجزيرة خلال احداث سورية ، هو هائل لدرجة انه لا يمكن التغاضي عن طرح مثل هذه التساؤلات من الناحية المهنية على الاقل.

اما السياسة التي يتبعها نظام الحكم في سورية وما مدى مشروعيتها، هي ليست بالموضوعات التي يريد هذا المقال تسليط الضوء عليها ، بل ان ما يصبو اليه هو مجرد نقد اداء وسيلة اعلامية، لانه ليس هناك شك بان الحكومة السورية يجب ان تتجنب سياسة القمع والعنف. (وكان موقع عصر ايران اول وسيلة اعلامية داخلية وجه انتقادا لسياسة القمع في سورية).

ان جذور ازدواجية السلوك لدى لقناة الجزيرة يجب البحث عنها في سياسة الحكومة القطرية. ان الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني مدير هذه القناة، وابن عم امير قطر ، قد رسم سياسات هذه القناة بالضبط على اساس المصالح الوطنية لدولة قطر ، السياسات التي يمكن مشاهدة موطئ قدمها بوضوح في التغطية الاخبارية للتطورات الاخيرة في الشرق الاوسط.

لقد استطاعت دولة قطر خلال الاعوام الاخيرة وبفضل العوائد النفطية والغازية الهائلة وصغر مساحتها وقلة عدد سكانها، ان تحقق احد اعلى مستويات النمو الاقتصادي في العالم وهي تحاول منذ فترة رفع منسوب نفوذها السياسي في الشرق الاوسط العربي بواسطة القوة الاعلامية الناعمة.



ان قطر حاولت في بعض المنافسات الاقليمية اتخاذ موقف الحياد. ان القطريين وعلى النقيض من البحرين والامارات او العراق لم يريدوا في يوم من الايام ان يقفوا في الصراع الاقليمي بين طهران والرياض بجانب احد طرفي المعادلة.

فعلى سبيل المثال ، وابان احتلال قوات درع الجزيرة للبحرين ، اعلنت قطر بعد ساعات من دخول هذه القوات بان جيشها لن يشارك في هذه العمليات.

وواضح كل الوضوح بان المصالح الوطنية القطرية هي وراء اتباع قطر لمثل هذه السلوكيات. اي انه اذا كانت مصالحهم الوطنية في الخليج الفارسي قد تطلبت ان يقفوا في الوسط بين ايران والسعودية ، فان مواقفهم من بشار الاسد في سورية ، هي عدائية بامتياز وحتى اكثر حدة من السعودية ، او في مصر فان دولة قطر شانها شان تركيا وقفت الى جانب اخوان المسلمين ، وفي اليمن نحوا جانبا من قبل السعودية من مشروع مجلس التعاون لدول الخليج الفارسي لتسوية الازمة اليمنية.

وهذا التغير في المصالح القطرية في خضم التطورات الاخيرة بالشرق الاوسط ، انتقلت عدواه الى النهج الخبري لقناة الجزيرة وادى الى حدوث ارباك لدى مشاهديها ومتلقيها.

ان الجزيرة لا تتصرف في الحقيقة كوسيلة اعلامية عربية مستقلة بل كناطق باسم الحكومة القطرية ، وكما هو الحال بالنسبة للحكومة القطرية ، اعتمدت الجزيرة سياسة اتسمت بالحذر الشديد تجاه البحرين وفي سورية ارسيت مواقف هذه القناة على اساس تاجيج الازمة وفي مصر تتصرف في اطار تعزيز اخوان المسلمين. وفي اليمن فان الجزيرة بصدد اظهار ان المشروع السعودي مشروع فاشل.

وعلى الرغم من انه يمكن تبرير التناقضات في سلوكيات الدول في ظل مصالحها الوطنية ، لكن عندما يصل الدور الى القنوات الاخبارية فان توجها كهذا سيؤدي الى تضاؤل وانحسار عدد المشاهدين والمتلقين. وفي تقديري فانه لا يجب الاستغراب كثيرا لان هذا هو الشرق الاوسط وهو يختلف عن اي مكان اخر في العالم ، وهنا كل شئ له معنى اخر بالنسبة للعالم اجمع!