رمز الخبر: ۳۰۹۰۳
تأريخ النشر: 19:47 - 07 September 2011

حميد حلمى زادة

في مقام التعليق على مؤتمر باريس تحت شعار (أصدقاء ليبيا) ، يعتقد المسلمون والعرب اعتقادا راسخا بأنه؛ لا يمكن لأميركا واوروبا و كندا وأضرابها، أن تكون اطرافا معطاءة أو سخية إلا مع إسرائيل التي تحتل فلسطين والقدس الشريف ومناطق استراتيجية من الاردن و مصر و سورية ولبنان ، وبالتالي فإنهم لن يصدقوا على الاطلاق أن يبدر من التحالف الغربي أيُ نوع من انواع " الكرم الحاتمي " تجاه الشعب الليبي و بلاد اخرى شهدت ثورات تحررية عادلة ومشروعة على انظمة الظلم و الاستبداد والتواطؤ مع المشروع الصهيوني،كما هو الحال في تونس ومصر.

وإزاء ذلك يرى المراقبون في قيام هذه الاطراف بالافراج عن (15 مليار دلار) فقط من اموال ليبيا الموزعة على مصارفها ، ما يثبت عدم استعدادها التبرع باية معونات مالية قد تساعد هذا البلد على تجاوز جزء من ازماته الكثيرة والمعقدة، وفي مقدمة ذلك توفير الحياة الكريمة للمواطنين و إعادة إعمار ما دمرته الحرب التي لم تضع اوزارها بعد، رغم الاطاحة بالعقيد معمر القذافي أواخر شهر آب من العام الجاري (2011).

بهذا الوضع يبدو ان الشعب الليبي- الغني بثرواته وخيراته- في مواجهة خيار صعب يتمثل في السحب التدريجي لاصوله المجمدة في البنوك الغربية ، وهي تقدر باكثر من (35 مليار يورو ) الى حين تستوفي اميركا و الدول الاوروبية والاطراف الخليجية المشاركة ( قطر والامارات) الى جانب حلف الناتو في حرب إسقاط النظام السابق ، كامل نفقاتها مع الفوائد و الارباح ،و ذلك إما عبر ضخ البترول و الغاز اليها باسعار زهيدة أو بالاستلام نقدا ، تحت وطأة الظروف العصيبة الراهنة ووسط شعور مرير لايخفى انه بات مستوليا على المواطنين الليبيين الذين لم يتعودوا ، ضنك العيش والفقر والعوز ، في بلاد تتربع على بحر من الاحتياطي النفطي البالغ مايقرب من ( 45،5 مليار برميل)، أي بنسبة تعادل ( 3،5) بالمائة من الاحتياطيات البترولية العالمية، و تساوي ضعف ماتملكه الولايات المتحدة الاميركية، في حين يبلغ احتياطيه من الغاز (1500 مليار متر مكعب ).

الثابت وبتأكيد الخبراء بشؤون الشرق الاوسط، ان السيطرة على استثمارات بترول ليبيا ، كان هو السبب الاساسي وراء التسارع الاميركي الاوروبي في اطار حلف الناتو وعملياته العسكرية لإسناد زحف الثوار من بنغازي الى طرابلس ، ولعل في تسريب صحيفة ليبراسيون في الايام الاولى للمعارك خبرا يفيد بأن فرنسا وعدت بالحصول على 35 بالمائة من الخام الليبي، مايبرهن على حقيقة دوافع رئيس الاليزيه نيكولا ساركوزي لعقد مؤتمر باريس يوم الخميس ( 1/10/2011 )، و حشد زعماء و مسؤولي (60) دولة و منظمة عالمية لحضوره و التفاعل معه ،ومنهم بان كي مون الامين العام للامم المتحدة ، أي المنظمة التي خولت الحلف الاطلسي عبر قرار مجلس الامن (1973) شن الغارات الجوية على العقيد القذافي و قواته و قواعده والاستراتيجية، بعدما فرضت عليه من قبل حظرا جويا منعت بموجبه المقاتلات والطائرات الحربية التابعة للجماهيرية من ممارسة أي دور يذكر في المعارك بين الطرفين.

واضح ان نموذج (مؤتمر اصدقاء ليبيا) ، يعطي المسلمين و العرب وانصار العدالة و الرأي العام العالمي، صورة واقعية عن كيفية استغلال الادارة الاميركية و الحكومات الاوروبية و من يدور في فلكهما ، قرارات ما يسمى ب (الشرعية الدولية ) والقوانين الصادرة عن الامم المتحدة ومجلس الامن ، اذا ما تحركت لفائدة مصالحها وأجنداتها و مشاريعها ، وتجاهلها بل وضربها عرض الحائط إن هي تناقضت و مخططاتها او سياساتها الهيمنية ، و كذلك لو انها اصطدمت بشكل يسير بالسلوكيات العدوانية للكيان الصهيوني وجرائمه الحربية في فلسطين والجولان السوري وجنوب لبنان .

اللافت ان منظري " الشرعية الدولية " يملكون من ادوات التزوير والتضليل والكذب، ما يسهل عليهم التحايل على الناس الطيبين ،وتسويق الوعود الجميلة والكلمات المعسولة و الشعارات البراقة ،والادعاء بانهم يعملون من اجل تعميم السعادة و الديمقراطية و الحريات بين امم الارض ،وهو امر يعرفه ويعي زيفه ، العرب والمسلمون طبعا ، لكن يبدو ان عليهم ان يكونوا اكثر حذرا و تحسبا ، لئلا يقعوا في فخ التحالف الاميركي – الاوروبي الذي لا يفكر سوى بتأمين اطماعه وتحقيق مآربه .

فقد رأى العالم كيف احتفى الرئيس الفرنسي ساركوزي في العام 2007 بالعقيد معمر القذافي في باريس،و كيف طبع رئيس وزراء ايطاليا برلسكوني - بالامس القريب - قبلة على يد قائد ثورة الفاتح في مشهد ينطوي على الكثير من الاستعطاف و التملق له وربما الاستجابة لغروره، لكنهما في العام 2011 تكالبا عليه ومعهما جميع التحالف الغربي تكالبا مسعورا ، و لم يترددوا قيد أنملة ،عن إمطاره بالصواريخ و تشريده هو و عائلته وما تبقى من أعوانه ، من طرابلس، بل من ليبيا كلها.

الجدير بالاشارة ان ما اثار الاستغراب بشكل اكبر في مؤتمر باريس ، كان حضور زعماء من ابناء المنطقة، هم متهمون اكثر من سواهم بتضييع الحقوق و مصادرة الحريات، و مساومة القتلة الصهاينة، واعانة الغزاة الغربيين على احتلال بلدان اسلامية جديدة خلال العقد الاخير، بفعل القواعد العسكرية الاميركية في اراضيهم (قاعدة العديد في قطر، و مقر قيادة الاسطول الخامس في البحرين )، و كذلك تحت تأثير اتفاقيات التسوية مع اسرائيل (الاردن و معاهدة وادي عربة). ومع ذلك لم يجد هؤلاء المسؤولون حرجا من الانخراط في معسكر ادعياء مناصرة الديمقراطية و الحريات و حقوق الانسان.

في حين ان الدماء العربية و الاسلامية الزاكية ما انفكت تنزف بسببهم، سواء بعلة تنكرهم وقمعهم هذه الحقوق بشكل قاس في بلدانهم ، أو نتيجة لتحريضهم على الفتنة والتخريب والمواجهات المسلحة مثلما هو حاصل الآن في سورية . و لا شك بان هذا السلوك ، يعكس نفاقا سياسيا سافرا، و يعبر عن تبعية مطلقة و رضوخ تام لإملاءات التحالف الغربي – الصهيوني و مخططاته الرامية الى تمزيق الصف العربي و الاسلامي اكثر فاكثر ، وتوجيه طعنة نجلاء الى محور المقاومة و الممانعة ،من خلال تأجيج الاضطرابات و الأزمات في بلدان ومواقع بعينها في المنطقة، و ذلك بجريرة وقوفها بشجاعة و شموخ أمام التيار العارم لمشروع الشرق الاوسط الكبير و ما يسمى ب " نظرية الفوضى الخلاقة " .