رمز الخبر: ۳۱۶۳۵
تأريخ النشر: 14:55 - 05 June 2012
والحقيقة ان هذه الدولة الصغيرة لم يكن بامكانها توسيع نفوذها من دون ارساء مناخ اقليمي، وطبيعي ان هكذا مناخ كان سينتزع من قطر في ظل الحضور السعودي.
عصر ايران؛ علي قادري – ان الديكتاتورية تمثل القاسم المشترك لجميع الانظمة العربية والتخلص من هذه الديكتاتورية هي مطلب جميع الثورات التي تفجرت في البلدان العربية تحت عنوان "الربيع العربي". لكن احدى عجائب هذا الربيع، هي ان غيومها تلبد فقط سماء الدول التي يناصب امير قطر قادتها الخصام. الامير الذي الذي تولى السلطة هو عن طريق انقلاب عسكري قام به ضد والده وان برلمانا شكليا لا يوجد في بلاده حتى.

وقد استطاعت قطر خلال العقد الاخير وبفضل سكانها القلائل ومصادرها الهائلة من النفط والغاز تسجيل احد اعلى معدلات النمو الاقتصادي في العالم.

والى جانب النمو الاقتصادي الكبير، استطاعت قطر خلال السنوات الاخيرة ان تتحول الى احد اللاعبين الناشطين على ساحة الشرق الاوسط بحيث يمكن القول بتجرؤ بان قادة هذا البلد، يضطلعون اليوم بالدور الاقليمي الاول في تطورات الدول العربية.

ولا شك ان الاستثمارات التي قام بها قادة قطر في مجال القوة الناعمة، تشكل احد اسباب توسع نفوذهم. ان الدبلوماسية الاعلامية المبنية على امبراطورية "الجزيرة" استطاعت من خلال نفقات طفيفة جدا، تحقيق مكاسب باهرة على صعيد السياسة الخارجية لهذه المشيخة الصغيرة.

ومع ذلك ومن اجل تبيان سبب زيادة النفوذ الاقليمي لقطر، لابد من البحث عن عامل اساسي اخر.

والحقيقة ان هذه الدولة الصغيرة لم يكن بامكانها توسيع نفوذها من دون ارساء مناخ اقليمي، وطبيعي ان هكذا مناخ كان سينتزع من قطر في ظل الحضور السعودي.

ونطاق المناورة هذا وضعته الولايات المتحدة الامريكية بتصرف قطر ويبدو ان قادة قطر وفي ظل التطورات الاخيرة، قد استغلوا ايما استغلال هكذا مناخ.

ولا ريب ان البيت الابيض يحصل على التعهدات والالتزامات اللازمة قبل ان يعطي اي امتياز، التعهدات التي تكفل المصالح الامريكية في الشرق الاوسط العربي وشمال افريقيا.

وقد تابعت واشنطن على الدوام مبداين عامين في المنطقة العربية: "امن الطاقة وامن اسرائيل"، المبادئ التي يعبر عنها دائما بانها "الخطوط الحمراء للولايات المتحدة الامريكية في المنطقة".

ان تسليط الضوء على السياسة الخارجية لقطر خلال العقد الاخير يظهر بان قادة هذا البلد، لم يحيدوا ابدا عن هذين المبداين. ورغم ان القطريين، لا يرغبون في دخول الصراع بين ايران واميركا، لكن هذا التحفظ القطري لم يحل دون اقامة تعاون عسكري واسع النطاق مع اميركا.

ان قاعدة "العديد" العسكرية في قطر تعتبر اليوم مركز قيادة القوات الامريكية في الشرق الاوسط. وبناء على المعاهدة الدفاعية المبرمة بين الجانبين في ديسمبر 2002، فان اميركا قادرة على استخدام هذه القاعدة لتلبية احتياجاتها الدفاعية في المنطقة.

وقد استخدمت قاعدة العديد بشكل واسع خلال الهجوم العسكري الامريكي على العراق عام 2003 وتشكل في الوقت الحاضر مركز الاسناد اللوجستي لقوات الناتو في افغانستان.

وفيما يخص الالتزام بامن اسرائيل، فان قطر ليس لديها اي مانع في اعطاء هكذا تعهد للولايات المتحدة فحسب بل ان ال ثاني يحتلون موقع الريادة بين الدول العربية المطلة على الخليج الفارسي في تطبيع العلاقات مع اسرائيل.

وماعدا مصر والاردن اللذين تربطهما علاقات دبلوماسية عادية مع اسرائيل، فان قطر كانت الدولة العربية الاولى التي اقدمت عام 1996 على اقامة علاقات مع الكيان الصهيوني بصورة غير رسمية من خلال افتتاح مكتب تجاري لاسرائيل في الدوحة.

وهذه العلاقات الودية ادت عام 1998 الى مشاركة شيمون بيريس رئيس وزراء اسرائيل آنذاك في المؤتمر الاقتصادي للشرق الاوسط وشمال افريقيا في قطر، الزيارات التي تبودلت بين كبار مسؤولي الطرفين في الاعوام اللاحقة.

وبعد هذا اللقاء، تنامت العلاقات بين قطر واسرائيل الى درجة ان وزير خارجية قطر اعلن عام 2002 امام اجتماع وزراء خارجية الجامعة العربية في بيروت انه مستعد للسفر الى فلسطين المحتلة من اجل ان يشارك ياسر عرفات في هذا الاجتماع، لكي ياتي بعد الحصول على موافقة من ارييل شارون، بعرفات الى بيروت ومن ثم اعادته الى رام الله، الاقتراح الذي رفض بطبيعة الحال في ذلك الوقت.

وفي اعقاب تصاعد الخلافات بين قطر والسلطة الفلسطينية، كشف صائب عريقات احد مسؤولي السلطة الفلسطينية النقاب عن ان امير قطر استثمر اموالا في مشروعات بناء المستوطنات في بيت المقدس والضفة الغربية ويشارك بشكل فاعل في توسيع هذه المستوطنات.

في حين ان توسيع المستوطنات الصهيونية يحتل موقعا مهما في محادثات التسوية وكذلك مستقبل الكيان الصهيوني وان مشاركة امير قطر في بناء هذه المستوطنات امر ذو مغزى.

كل هذا يشير الى ان ال ثاني قد اعطوا التعهدات اللازمة للامريكيين من اجل اكتساب موقعهم الحالي في التطورات العربية، لان قطر لا تستطيع الخروج من الدائرة الضيقة للعربية السعودية من دون الضوء الاخضر الامريكي.

ان قطر بلغت اليوم مرحلة في تطورات المنطقة بحيث اصبحت تحدد واجب وتقرر مصير الكثير من الدول العربية الاخرى.

فامير قطر يتدخل في الشؤون الداخلية للعراق، ويشارك في عمليات الناتو في ليبيا ويريد من مبارك ان يتخلى عن الرئاسة ويطلب في ظل تقديم الدعم السافر للمجموعات المسلحة السورية، من مجلس الامن ادراج سورية تحت البند السابع وطلبات اخرى لا تتناسب حسبما يقول الروس مع حجم قطر.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: الى اي مدى ستستطيع قطر الاضطلاع بهكذا دور؟ وهل ستدخل قطر كلاعب جديد الى الساحة بعد مرحلة انعدام الاستقرار الحالي في المنطقة ام ان دور هذا البلد هو دور انتقالي فحسب وبعد تجاوز منطقة عدم الاستقرار، فان دور ونفوذ القطريين، سينحسران؟

ويجب الانتباه الى ان الظروف الحالية في المنطقة ليست بالشكل الذي يمكن من خلاله تحديد معادلاتها الدائمة. ان الدور المستقبلي لقطر في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، سيتضح اكثر عندما يتثبت ويستقر الوضع في المنطقة، وعندما يعود اللاعبون الرئيسيون الى الساحة ويتم تثبيت اللاعبون الجدد.

وفي مطلق الاحوال فان قطر لن تعود الى موقعها السابق والعلاقات الخارجية من دون توتر. يبقى ان نقول بان قطر تختلف عن تركيا.