رمز الخبر: ۳۹۹۹۲
تأريخ النشر: 09:35 - 15 April 2018

عصر إيران - سلط موقع "مجموعة الأزمات الدولية" في تقرير له نشره مؤخرا، الضوء على أولويات إيران في الشرق الأوسط، في ظل الأزمات ببلدان عربية عدة، من أبرزها اليمن وسوريا والعراق، لتجنب مواجهة مباشرة "كارثية".

وذكر التقرير أن "التصورات المتباينة لطموحات إيران تشكل القوى الدافعة للحروب بالوكالة من سوريا إلى اليمن. لتجنب حدوث مواجهة مباشرة كارثية، من الضروري أن يتم جسر الفجوة التي تباعد بين التصورات وأن تتخذ إيران وخصومها خطوات متبادلة نحو وقف تصاعد التوترات".

وفيما يلي نص تقرير "مجموعة الأزمات الدولية" كاملا:

الاستنتاجات الرئيسية

ما الجديد؟ باتت إيران قوة صاعدة في الشرق الأوسط باستغلالها الفرص الناجمة عن الغزو الأميركي للعراق وعن حربي سوريا واليمن. لكن في حين أن أعداء الجمهورية الإسلامية يرون فيها بلدا جشعا يطمح لأن يصبح إمبراطورية، فإن استراتيجييها يرونها دولة محاصرة تسعى لتصحيح مظالم تاريخية.
 
ما أهمية ذلك؟ تتصاعد التوترات بين إيران وأعدائها على عدة جبهات، من سوريا إلى اليمن. في مناخ محموم من انعدام الثقة المتبادلة والشيطنة، فإن خطأ واحدا في الحسابات من شأنه أن يدفع منطقة ملتهبة أصلا إلى حريق أوسع.

ما الذي ينبغي فعله؟ من أجل صياغة سياسة عقلانية حيال الطموحات الإقليمية لإيران، يجدر بخصومها أن يفهموا دوافع القادة الإيرانيين، وعلى نحو خاص نزعتهم الدفاعية القوية. وينبغي على إيران أن تقبل بأنه يُنظر إلى نهجها على أنه عدواني، وتعديل هذا النهج وفقا لذلك. إن وضع حد للحروب التي تتضارب فيها مصالح إيران وخصومها يعد أولوية قصوى.

الملخص التنفيذي

إيران قوة صاعدة في الشرق الأوسط، توسّع نفوذها في هلال جغرافي متصل من طهران إلى بغداد إلى دمشق فبيروت. ولَّد صعودها، الذي بدأ بالغزو الأميركي للعراق في العام 2003 وتسارع عندما نشبت حروب أهلية في سوريا واليمن، ولّد تصوراً بأن إيران تطمح لأن تصبح القوة المهيمنة في المنطقة.
 
بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها -إسرائيل، والسعودية والإمارات العربية المتحدة- فإن مثل هذا الطموح يشكل تهديدا لا يمكن القبول به. إلا أن إيران تنظر إلى نفسها على أنها دولة تخرج من عزلة طويلة وعقوبات خانقة -تسببت بها الثورة الإسلامية عام 1979- تعتبرها ظلما تاريخيا. إنها ترى منطقة تسيطر عليها قوى تتمتع بقدرات عسكرية متفوقة.

بعد الانتفاضات العربية في العام 2011، استخدمت إيران القوة العسكرية لحماية حليفها القديم، النظام السوري، حيث نظرت إلى خسارته على أنها مقدمة لمحاصرتها هي نفسها. هذه الفجوة في التصورات هي التي دفعت إيران وخصومها جزئيا إلى معارك متصاعدة بالوكالة تدمر المنطقة. الخطوة الأولى نحو جَسر هذه الفجوة تتمثل في الوصول إلى فهم أفضل للكيفية التي تناقش بها إيران سياستها الإقليمية وتصوغها.

الأولوية القصوى للقادة الإيرانيين، بصرف النظر عن انتماءاتهم في الطيف السياسي، هي ضمان دوام الجمهورية الإسلامية. ويشمل هذا الواجب الملحّ ردع الخصوم الذين لديهم جيوش أقوى ويتمتعون بدعم غربي أكبر.
 
يضرب شعور إيران بانعدام الأمان جذوره في الحقبة المضطربة التي سادت بعد العام 1979، خصوصا شعورها بالعزلة الإستراتيجية خلال حرب الثمان سنوات التي ألحقت بها أذى عميقا، عندما دعم الغرب وجميع الدول العربية تقريبا نظام صدام حسين لاحتواء النظام الثوري الإيراني الناشئ، الذي بدا عازما على تصدير ثورته إلى جميع أنحاء العالم الإسلامي. 

في تلك المرحلة أقامت إيران علاقة وثيقة مع نظام حافظ الأسد في سوريا وساعدت في تأسيس حزب الله في لبنان، وهو التنظيم الذي قدمت له السلاح عبر سوريا منذ ذلك الحين.

بالنظر إلى أن العراق كان أفضل تسليحا من إيران (مع أن الأخيرة لم تهزم) خلال حرب 1980-1988 وبالنظر إلى قدرة إيران المحدودة على الوصول إلى سوق السلاح العالمية منذ الثورة، فإن إيران سعت منذ أمد طويل للتعويض عن شعورها بالحصار وضعفها النسبي في مجال الأسلحة التقليدية إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في القدرات العسكرية غير المتناظرة وتوسيع عمقها الاستراتيجي.

لقد استثمرت إيران بشكل كبير في برنامج الصواريخ الباليستية لديها، بالنظر إلى أنها كانت ضحية لهذه الأسلحة خلال حربها مع العراق، والتي ترى فيها رادعا يمكن الركون إليه ضد إسرائيل. كما أنها أنشأت شبكة من الشركاء والمجموعات التي تعمل بالوكالة لديها لحمايتها من التهديدات الخارجية.
 
تطلق إيران على هذا اسم سياسة "الدفاع المتقدم"، وهي محاولة لاستغلال الدول الضعيفة، مثل لبنان والعراق ما بعد العام 2003، حيث يمكنها مواجهة أعدائها في ميدان المعركة من خلال الوكلاء دون أن يلحق الأذى بإيران وشعبها.

يتمثل المظهر الأكثر وضوحا لهذه السياسة في ما تسميه طهران "محور المقاومة"، وهو التحالف الذي يضم إيران وسوريا وحزب الله، وأحيانا حماس، ضد ما تعتبره هيمنة إسرائيلية وأمريكية في المنطقة. بعد العام 2011، عندما تعرض نظام الأسد للتهديد، وتعرض خط الإمداد الإيراني لحليفها الآخر حزب الله للخطر، غيرت الجمهورية الإيرانية عقيدتها العسكرية وطريقة إبراز قوتها الإقليمية من الحرب الدفاعية بشكل رئيسي إلى الحرب من خلال العمليات العسكرية الخارجية.

زادت إيران من وجودها العسكري في سوريا بشكل كبير، وطبقت نموذجها في الدفاع المتقدم في اليمن لإبقاء السعودية مثقلة بأعبائها. وهكذا يمكن اعتبار الحزم الذي باتت تبديه القيادة السعودية على أنه جزئيا رد على ما تعتقد أنه صعود إيران وطموحاتها في الهيمنة.

هذا الموقف الاستراتيجي العام ليس موضوعا للنقاش بين صُناع السياسات الإيرانيين؛ حيث تنظر العناصر الأكثر براغماتية والأكثر أيديولوجية على حد سواء إلى هذه المسألة بوصفها محورية للأمن القومي. لكن ثمة نقاش حيوي حول الطريقة الأفضل لخدمة هذه الموجبات الأمنية. 

تمر النقاشات في هيكلية السلطة متعددة الأقطاب في إيران من خلال عملية صنع قرار توافقية داخل مؤسسة مركزية هي المجلس الأعلى للأمن القومي. المجلس، الذي يرسم السياسات الداخلية والخارجية الرئيسية، يرأسه رئيس الجمهورية ويتكون من كبار المسؤولين الحكوميين والعسكريين، إضافة إلى صُنّاع قرار يمثلون الفصائل السياسية الرئيسية في إيران؛ وتعد قراراته نهائية عندما يصادق عليها القائد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي يشغل أيضا منصب القائد العام للجيش والقوات المسلحة.

يبدو أن المجلس الأعلى للأمن القومي بات، على مدى سنوات، أكثر مرونة ورشاقة في تصميم ردود تكتيكية على التطورات الإقليمية، سواء من خلال دعم أكراد العراق عندما تعرضوا لهجوم من قبل تنظيم الدولة في العام 2014 أو عبر إدانة محاولة الانقلاب على الحكومة التركية في العام 2016.
 
على عكس الرأي الشائع، فإن نقاشات مجلس الأمن القومي لا يفوز فيها دائما الحرس الثوري القوي وفيلق القدس الذي يعمل خارج الحدود الإيرانية والذي يقوده الجنرال قاسم سليماني. يتمتع الحرس الثوري بصوت قوي في القضايا المتعلقة بالقوة الصلبة، لكنه لا يتمتع بالكلمة الفصل. وثمة أمثلة كثيرة على ذلك.

غير أن آلية بناء التوافقات لا تسمح بالانعطافات الإستراتيجية السريعة؛ حيث استغرق الأمر نحو عقد من الزمن من المواجهة الخطيرة جداً، وتداعيات اقتصادية هائلة للعقوبات الدولية وتغييرات كبيرة في موقف الولايات المتحدة -أي إزالة تغيير النظام من أجندتها والقبول بحقوق إيران بحيازة برنامج نووي سلمي- كي تقوم الدولة بتعديل سياستها النووية، بعد أن حلّ حسن روحاني محل محمود أحمدي نجاد رئيسا للبلاد في العام 2013.

توفر هذه اللمحة التاريخية دليلا إرشاديا مهما نحو المستقبل؛ حيث يرجح أن ينشأ تعديل العقيدة الدفاعية التي تعمل طهران بموجبها منذ أمد بعيد من التغيير في تصورها للتهديدات. إلا أن تصور التهديدات طريق باتجاهين. طالما ظلت إيران تمارس سياسة في المنطقة يعتبرها الآخرون عدوانية، بصرف النظر عن كونها دفاعية في أصولها، فإن التوترات ستستمر وسينشأ احتمال لحدوث مواجهة عسكرية مباشرة.

المصدر: عربي 21

الكلمات الرئيسة: ایران ، الشرق الاوسط