رمز الخبر: ۹۴۱۴
تأريخ النشر: 12:14 - 12 January 2009
محمد صادق الحسيني
 يكاد يجزم من هم مطلعون على بعض خفايا الامور التي شكلت خلفية المحرقة التي اطلقها الجناة الاسرائيليون على غزة بان الهدف لم يكن محدودا بتغيير المعادلة في قطاع غزة كما زعمت القاتلة المحترفة تسيبي ليفني عشية بدء الهولوكوست الصهيوني الجديد بحق اهلنا في فلسطين!

ولم يعد يختلف اثنان من المتابعين للمحرقة الغزاوية بان الترويكا الاسرائيلية الحاكمة في تل ابيب انما تنفذ اجندة امريكية دولية اقليمية لن تتوقف عند شعار تغيير المعادلة في القطاع او الاخفاق في ذلك الهدف المعلن باعتبار ان المخطط امر ابعد من قطاع غزة بالتاكيد !

وأيا تكن نتائج المعركة التي احتدم وطيسها بعد تلقي ترويكا المحرقة اشارة البدء بالسباق الانتخابي على انغام سمفونية الصواريخ الفلسطينية، فان الحاكم الامريكي المنتهية ولايته، اراد مرة اخرى واخيرة على ما يبدو ان يجرب حظه مع هذا الكيان العنصري اللقيط إذا ما كان لا يزال قادرا على تنفيذ المهام القذرة، لعل في ذلك ما يسجل نجاحا ولو جزئيا للرجل المنبوذ عالميا بعد ان فشل في كافة حروبه الكبيرة والصغيرة من افغانستان الى العراق الى لبنان، وها هي معركة الحرب على غزة تشارف على نهاياتها الخائبة له ولجيش القتلة في تل ابيب .

العارفون ببواطن الأمور يتحدثون عن سيناريو سبق اعداده فترة نهاية التهدئة بين حماس والاسرائيليين باشهر، وان الهدف منه كان ولا يزال ما يسمونه بعملية ' تجريف' لثقافة المقاومة عبر حرب دامية وقاسية على ارض قطاع غزة .

وطبقا للسيناريو الذي تداولته اروقة دبلوماسية عربية واقليمية فان اتفاق التهدئة الدولي المعد بعد العملية يستند الى تحريك وساطة اقليمية كان ولا يزال يفضل السمسار الامريكي ان تكون تحت عباءة اقليمية اسلامية ـ تركية مثلا ـ وعربية يتضمن احتواء بندقية المقاومة الفلسطينية الاسلامية في اطار صفقة اقليمية اوسع تشمل فيما تشمل اتفاق 'سلام' عربي ـ اسرائيلي يهدف الى تصفية القضية الفلسطينية مرة والى الأبد !

وحسب التفاصيل التي يشملها السيناريو المذكور فان ما يتضمنه اتفاق التهدئة الجديد والذي يراد فرضه على المقاومة بعد محرقة غزة انما يحمل في طياته بعض الاغراءات الاضافية لسورية كإعادة تفعيل دور ما لها في لبنان، اضافة الى الحديث عن اعادة كامل بحيرة طبريا التي بدأ الاسرائيليون يروجون الى انها اصبحت مالحة تماما ولم تعد مفيدة لاسرائيل فيتم بذلك محاصرة واحراج المقاومة اللبنانية الاسلامية لا سيما اذا ما وضع ذلك كله في اطار اعادة احياء وحدة المسارين السوري واللبناني على قاعدة اتفاقية 'سلام' ثلاثية، تشمل فيما تشمل الانسحاب من كفر شوبا ومزارع شبعا والغجر باعتبار ان الطرف اللبناني الرسمي لا يجرؤ في الظروف الراهنة المعروفة على الدخول في مفاوضات مباشرة او غير مباشرة مع اسرائيل، فيتم تهريب 'سلامه' مع اسرائيل عبر البوابة السورية المغطاة بوساطة اقليمية ـ عربية مقبولة تحمل مقبولية او 'مشروعية' اسلامية !

غير ان استشعار قوى المقاومة والممانعة الفلسطينية والاقليمية الداعمة لها بوجود مثل هذا السيناريو ومبادرتها بفضح المداولات الاقليمية والدولية التي كانت تدور في الكواليس من خلال اتخاذ موقف مبدئي رادع بخصوص سيناريو التهدئة الهش اصلا، اضافة الى استعداداتها المبكرة جدا ميدانيا لاحتمالات سيناريو الحرب والعدوان جعل من تحالف حماس والفصائل الفلسطينية المقاومة له اليد العليا في ترسيم نهايات سيناريو الحرب والسلام على ارض المحرقة في غزة !
من هنا يؤكد المتابعون لهذه المؤامرة الدولية والاقليمية بانه اذا ما كانت بداية المعركة قد ظهرت اسرائيلية بامتياز وهو ما كان بالفعل، فان نهاياتها لن تكون الا اسلامية حمساوية مقاومة بامتياز ايضا !

وهذا يعني باختصار مكثف بان هزيمة حكومة حماس ممنوعة من الصرف والتداول مطلقا وتحت كل الظروف ولن يسمح اللاعبون الاقليميون الاساسيون الداعمون لثقافة المقاومة في الاقليم لنهايات هذا السيناريو الا ان تكتب بيد ابناء المقاومة الفلسطينية المنتخبين، وليس على يد اولئك المتسولين للاتفاقيات الهزيلة على ابواب او موائد اللئام من رموز المجتمع الدولي المنحاز والساقط اخلاقيا كما اثبتت وقائع محرقة العصر في غزة !

من جهة ثانية فان المحرقة الفلسطينية التي ارتكبها حكام تل ابيب في غزة كشفت وبصورة شفافة، الهوة السحيقة التي باتت تفصل بين الشعوب وثقافة المقاومة من جهة واولئك الحكام المترهلين على مقاعدهم الوثيرة وما يمكن وصفه دون تردد 'بمروجي الدعارة السياسية' من اوروبيين وغيرهم ممن باتوا يرسمون معادلة ما يسمى بالمجتمع الدولي وتوابعه الاقليمية الخانعة !

انه اذن الصراع المفتوح بين عصر نهضة الشعوب وتعميم ثقافة المقاومة وبين سياسات القوة ومنطق الارهاب الدولي المنبوذ، ما دفع بالقتلة المحترفين في الكيان الصهيوني بوصف هذا التغيير الحاصل في الصورة على المقلب الآخر من المشهد والذي بات يشبه الثورة الشعبية العالمية المناهضة للهيمنة الصهيونية بالقول بان العالم اصبح اشبه بلوبي يعمل لصالح هنية وحماس كما جاء على لسان الوزير الاسرائيلي ايلي يشاي !

في هذه الاثناء فقد انكشفت عورة الادارة الامريكية الجديدة بزعامة باراك اوباما مبكرا رغم لونها الزاعم بالتغيير ومعها كل المراهنين على ذلك المجتمع الدولي الهزيل والذليل والفاقد للوجدان والاخلاق والضمير !
وعليه فان العالم ما بعد محرقة غزة سيكون بالتاكيد على موعد مع التغيير، نعم ولكن ليس من ذلك النوع الذي وعدونا به في عواصم المتروبول الصناعي الجاحد للحق وللنواميس الكونية وللشرف والضمير الانساني !

انه عالم سيحمل بكل تاكيد الخيبة للمجرمين والمتخاذلين وكل اولئك المترهلين على عروشهم الخاوية بانتظار استسلام قادة المقاومة ورموزها او رفعها لرايات بيضاء لن يفعلها ابطال غزة المقاومون ولا شعبها الوفي لمقاومته ومنتخبيه في كل فلسطين ولو دامت المعركة اشهرا !
 
القدس العربی