رمز الخبر: ۹۹۹۶
تأريخ النشر: 18:42 - 29 January 2009
قاسم بن إدريس شرف
عصر ایران
 
من الممكن أن يقف الإنسان وقفة تأمل ليستخلص العبر من العدوان البربري الذي شنه الكيان الصهيوني على قطاع غزة المعزولة، ويتساءل: ما هي الخلاصة من هذه الهجمة؟ هل السلام مع الكيان الغاصب ما زال ممكنا؟ وكيف يمكن مواجهة هذه الغطرسة الصهيو- أميركية؟ وهل النظام الرسمي العربي استوعب الدرس؟ أم مازال ينتظر ضربة أخرى موجعة حتى يستيقظ من سباته العميق؟

ليس من باب التعالي عن الواقع، ولا من باب التسويف، أن مجزرة غزة أفرزت مرة أخرى على الساحة العربية، وحتى الدولية، تيارين اثنين لا ثالث لهما، فالتيار الأول يتخندق في خانة (المعتدل) الذي ينظر إلى الأشياء بعيون واقعية، وقد انجر هذا التيار وراء الأنظمة العربية التي استسلمت، وظنت أن مصالحها مرتبطة بالتحالف مع العدو الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية.

وقد برزت معالم هذا التيار منذ السبعينات من القرن الماضي، وبالتحديد مع توقيع أنور السادات معاهدة الاستسلام (وليس السلام) مع إسرائيل، وتبدو معالم الاستسلام من خلال عدم حصول مصر على كافة حقوقها على سيناء إذ لم يسمح لها بوجود جنودها على أرض سيناء.

لقد تبنت مجموعة من الدول العربية هذه الثقافة الاستسلامية التي فرضت عليها من قبل الغرب الأميركي على الخصوص، وجندت لها طاقات فكرية غربية لتسويقها كسلع قابلة للتناول، فخصصت لها الولايات المتحدة الأميركية وحليفتها إسرائيل قنوات عدة وأموالا ضخمة لترويجها، فركب بعض المثقفين هذه الموجة دون أدنى تمحيص أو نقد، وأخذت هذه الثقافة الاستسلامية تدب في عروقهم، وتشبثوا بها معتبرين إياها الخلاص من التخلف الذي يخيم على العالم العربي، فظهرت في كتاباتهم مفاهيم جديدة مثل الواقعية السياسية، والديمقراطية، ونشر الحرية، وكل من يعارض أفكارهم ينعت بالمتخلف، وبالشعبوي، وأحيانا بالفوضوي والإرهابي، وما الصفات التي نعت بها منتظر الزيدي لما صفع وجه بوش بحذاءيه إلا تعبير عن ثقافتهم التي يحملونها..

لقد عمل النظام السياسي العربي بكل ما يملك من أدوات لتدجين هذه الفئة من المثقفين وإلحاقهم بركب السلطة السياسية، فانتقدوا مواقفهم السابقة، وقاموا بجلد الذات، نادمين عن تصوراتهم السابقة والخاطئة، نعم لقد دجنوا لدرجة انحسر فكرهم في نقاش الإرهاب، والدفاع عن الفكر الليبرالي المتضمن لقيم الحرية والديمقراطية، متناسين ما يحمله هذا الفكر من حقد وكراهية للعرب، متهمين إياهم بالتخلف والرجعية.

ألم يكن هذا الفكر الذي يدافعون عنه يضم في ثناياه التطرف والإرهاب؟، ومن خلال الدفاع عنه يسعون إلى شرعنته وتبرير ممارسته، لا مجال للتضليل، فالحقيقة واضحة للعيان، لا يمكن حجبها، لقد بات السلام في نظرهم قريب المنال إذا ما تم الإجهاز على حماس ومن يحوم في فلكها، لمَ لا تتساءلون عن سبب هذا التطرف؟ أليس وليد حالة الإحباط التي أصابت شبابنا عندما سدت كل الأبواب في وجوههم؟، أليس وليد الاستبداد السياسي الجاثم على صدور الشعوب؟، أليس هذا التطرف نتاجا للتعامل الظالم من قبل الدول الغربية في حق القضايا العربية؟

أما التيار الثاني الذي يمثله جناح الممانعة، فهو ينطلق من مسألة أن الحقوق تنتزع ولا تعطى، وثقافة المفاوضات الاستسلامية لا تجدي، بل مجرد مماطلة وربح للوقت، وتعتمد في ذلك على تشخيص للواقع الموضوعي، ألم تنص اتفاقية كامب ديفد على جعل سيناء خالية من الجيوش المصرية؟ لأن مصر لم تكن تفاوض من موقع قوة، بل فرضت عليها الاتفاقية، وباتت ناقصة السيادة على سيناء.

لنعد إلى المفاوضات السرية التي تمت بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ألم تكن نتيجة الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام ۱۹۸۷؟ لقد أثبتت الاحتجاجات التي جابت شوارع المدن العربية من المحيط إلى الخليج الفارسي، أن نبض الشارع العربي ما زال حيا، لا ينقصه سوى التأطير والتنظيم ليقول كلمته..

لقد أثبتت غزة بصمودها وبقواها المختلفة أن المقاومة هي السبيل الوحيد لتحقيق الاستقلال، وأن ثقافة الممانعة تستنزف قوة العدو مع مرور الزمن، وتجعله يفقد كل مقوماته الحيوية التي كان يتمتع بها في السابق، كما أن صمود غزة لمدة ۲۲ يوما دليل على انهيار ثقافة الاستسلام والانهزام.

العرب - لندن