رمز الخبر: ۹۲۳۵
تأريخ النشر: 14:40 - 04 January 2009
د. عبدالله الأشعل
تصريح أولمرت يوم ۱۵/۹/۲۰۰۸ في مجلس الوزراء الاسرائيلي حول استحالة تحقيق حلم الدولة الصهيونية الكبرى من البحر الى النهر يتطلب وقفة بالتأمل والتحليل. فالقراءة العربية للصراع العربي الاسرائيلي سارت في اتجاهين، الأول يرى أن المشروع الصهيوني يتقدم بسرعة على أرض فلسطين وهي الساحة الأولى ومنطلق هذا المشروع وأنه يحصد أرواح الفلسطينيين ويدفنهم في أماكنهم وتساعده واشنطن وتتواطأ معه أوروبا الرسمية وتسكت عنه الحكومات العربية.

كان طبيعيا في ظل هذه الصورة أن يحدث رد فعل انساني خاصة في ظل تردي الأوضاع الانسانية في غزة، كما استدعت هذه الآثار اندفاع الكثيرين من الأوروبيين وحتى الاسرائيليين للتعاطف مع شعب غزة الذي يوشك أن يموت في مقبرة جماعية وفق تقارير الأمم المتحدة، ولكن ذلك كله لا يؤثر على نجاح المشروع الصهيوني الذي ضمن الدعم الأعمى من واشنطن والسكوت المريب للدول العربية. والاتجاه الثاني يرى أنه، وان كان المشروع الصهيوني يتقدم على أرض فلسطين، الا أنه يلقى ضربات استراتيجية على المستوى العالمي والاقليمي، خاصة آثار العدوان على لبنان عام ۲۰۰۶ التي يقدر المراقبون أن آثارها على المدى البعيد لم تظهر بعد وأن الانهيارات النفسية والسياسية داخل اسرائيل في علاقاتها الغربية هي أهم الآثار الفورية للفشل الاسرائيلي، والاتجاه البطيء داخل الولايات المتحدة لمراجعة ملفات كثيرة خاصة ملف السياسة الأميركية في الشرق الأوسط والعلاقات مع اسرائيل. وقد كشفت كل هذه التداعيات عن أزمة زعامة داخل اسرائيل بعد اختفاء شارون آخر الزعماء التاريخيين لاسرائيل، كما كشفت عن عدم نضج القرارات الاسرائيلية بل رأينا شخصيات متهورة مثل تسيبي ليفني الطامحة في زعامة حزب كاديما، وهي ذات الخلفية الاستخبارية الطاغية تثير المشاكل مع مصر التي تحافظ على علاقتها مع مصر، ثم تصف اليهود من أوروبا الشرقية بأنهم رعاع، وتتحدى بجرأة فريدة ايهود أولمرت.

وسط هذا الركام وبينما العالم كله يتحسب لهجوم اسرائيل على ايران، وأثر تورط اسرائيل في الصراع الروسي الأميركي في القوقاز وتداعياته في الأزمة المتصاعدة بين روسيا والغرب والانكسارات الأميركية العربية المتلاحقة، وأثر ذلك على الاستعطاف الأوروبي الأميركي لاسرائيل لكي تقدم شيئاً في عملية أوهام السلام، فاجأ أولمرت رئيس وزراء اسرائيل أعضاء وزارته يوم ۱۵/۹/۲۰۰۸ بالاعلان أنه وكل زعماء اسرائيل أخطأوا في تصور أن اسرائيل الكبرى من البحر المتوسط الى نهر الأردن دون الفلسطينيين وهم كبير، خاصة وأن أوروبا بدأت تناقش فكرة الدولة الواحدة لشعبين ما دام الأمل في دولتين قد أعاقته اسرائيل، وفي ذلك خطر كبير على اسرائيل وقال (منذ ۴۰ عاماً نبتدع الحجج والذرائع لتبرير سياستنا في التقاعس عن القيام بأية خطوة للسلام مع الفلسطينيين على أساس دولتين للشعبين. أنا أيضاً كنت أعتقد بأن الأرض الواقعة ما بين البحر والنهر هي ملك لنا نحن اليهود وحدنا. كنا نحفر في الأرض ونجد الآثار اليهودية في باطنها في كل مكان ونعتقد بأننا أصحاب الحق التاريخي وحسب، ولكن في نهاية المطاف وبعد الكثير من العناء والتردد توصلت الى القناعة بأن علينا أن نتقاسم الأرض مع من فيها. لا نريد دولة واحدة لشعبين). وأكد أولمرت أن حل الدولتين لن يزيل الخطر ولكنه سيجذب الأغلبية من الفلسطينيين معنا ضد الأقلية المتطرفة.

هل معنى ذلك أن تقييم أولمرت لأثر كل هذه التطورات هو أن قوة اسرائيل التي لا تباري لم تستطع أن تضمن لها تنفيذ مشروعها الصهيوني واستبعاد الفلسطينيين؟ واذا كان ذلك هو رأي أولمرت وهو يوشك أن يودع الحياة السياسية بصفته مدنياً من تلاميذ شارون فهل هو أيضاً رأي النخبة السياسية الاسرائيلية ومن بينهم خليفة أولمرت المتوقع في الانتخابات؟

الراجح لدينا أن تقييم أولمرت هو كلمة الوداع والوصية السياسية لأول رئيس وزراء اسرائيل بهذا المعنى، وهذا الموقف يقابل موقف ابن جوريون الذي كتب في مذكراته أنه لا يتوقع قهر العرب أو جذبهم الى المشروع الصهيوني، ولابد أن المشروع سيجد مقاومة وعناداً من الجانب العربي.
ولا شك أن اسرائيل نجحت فعلاً في فصل العالم العربي الرسمي عن المقاومات العربية وكلها ضد اسرائيل حتى تلك التي تحارب الاحتلال الأميركي في العراق، ففى ظل الاحتلال انتعشت الخطط الاسرائلية في العراق، كما كان لاسرائيل دور في الغزو، وفي المنطقة الكردية، كما أن أحد أعضاء مجلس النواب الذي رفعت حصانته بسبب زيارته لاسرائيل يعبر بوضوح عن حالة موجودة بشكل او بآخر في العراق.

الراجح أيضاً أن أولمرت كان أميناً مع نفسه، وأنه لولا أن رأيه قد لا يشاطره فيه بقية النخبة السياسية في اسرائيل، الا أنه أولى محطات اعاقة المشروع الصهيوني. ولكن يجب الالتفات الى أن تصريح أولمرت المذهل للجميع صدر في وقت أكد فيه أولمرت أنه يريد أن يسرع بتسوية سياسية مع الفلسطينيين مع كل اللاءات الاسرائلية لتسويق الحل الاسرائيلي، ولذلك كان يتعين على الفلسطينيين أن يدركوا أن التصريح يوجب تريث الجانب الفلسطيني وألا يندفع الى تسوية تحيطها الشكوك حتى لا يتحول التصريح من اعتراف بالضعف الى حيلة لتسجيل تسوية تكفل لأولمرت خروجاً ونهاية مشرفة ومكاناً معقولاً في المجد الصهيوني.

ولو أجمع الساسة في اسرائيل على مقولة أولمرت، فان النتيجة المباشرة هي تحديد حجم اسرائيل في فلسطين، وتدخل الدول العربية لانشاء الدولة الفلسطينية، لأن تصريح أولمرت لا يمكن أن يكون تبرعاً من اسرائيل في الوقت الذي تبدو فيه لاسرائيل القول الفصل عند الحكومات العربية في الكثير من الملفات.

الخلاصة، يعبر أولمرت عن حقيقة تتأكد كل يوم وهي أن المشروع الصهيوني القائم على القوة والابادة قد اهتزت أركانه، وأن مراجعته أصبحت أمراً حتمياً، ولكن هل تستسلم اسرائيل لهذا الموقف الرومانسي أم أن أزمة المشروع قد ظهرت وأن المقاومة يجب أن تفخر بما حققت وأن المشروع الصهيوني قد تغيرت حظوظه؟. الثابت أن التصريح بالغ الأهمية على الأقل في تسجيل المحطات التي يتهاوى فيها المشروع الصهيوني، وتلك أهمية تاريخية يجب الالتفات اليها.