رمز الخبر: ۳۰۷۳۰
تأريخ النشر: 14:02 - 06 July 2011
وقد شكلت التطورات الاخيرة في الشرق الاوسط، اختبارا كبيرا بالنسبة للعديد من الذين كانوا قد راهنوا على تغير السلوك الذاتي لانقرة بعد تولي الاسلاميين التكنوقراط الاتراك السلطة.
عصر ايران؛ علي قادري

بعد شهرين تقريبا من الهجوم الاسرائيلي العنيف على سفينة مرمرة التركية – المعروفة باسطول الحرية – حدث ان التقيت بطريق الصدفة في اسطنبول اللبناني "عباس ناصر" مراسل قناة "الجزيرة".

وكان عباس ناصر احد ركاب هذه السفينة وشهد احداثها عن كثب. سألت عباس انك كنت على متن تلك السفينة وارسلت اول تقرير من على متنها الى العالم. هل انت بوصفك مراسل ومحلل شؤون الشرق الاوسط، متفائل بالدور التركي الجديد في الشرق الاوسط أم لا؟
فجاء رد عباس مؤيدا لقناعتي الشخصية وهو "كلا"!

وقد شكلت التطورات الاخيرة في الشرق الاوسط، اختبارا كبيرا بالنسبة للعديد من الذين كانوا قد راهنوا على تغير السلوك الذاتي لانقرة بعد تولي الاسلاميين التكنوقراط الاتراك السلطة.

وعلى هؤلاء ان يقروا اليوم بانهم كانوا في خطأ ، سواء الذين كانوا في طهران يكتبون بشغف عن النجاح الكبير للاسلاميين الاتراك الجدد وكانوا يشيدون بهم وسواء الذين كانوا يرفعون العلم التركي فوق رؤوسهم في بيروت ويهتفون: يحيى اردوغان"!

وبالنسبة لاولئك الذين كانوا ينظرون الى "طيب" كبطل كبير بعد احتجاجه على شيمون بيريز في منتدى دافوس ، فان تحليل السلوك المزدوج الجديد لرئيس الوزراء التركي والذي يتفاقم يوما بعد يوم، يعد معضلة.

ولم تضطلع انقرة في اي وقت بدور الصديق الوفي. وبالضبط في تلك اللحظة التي كان يغادر فيها اردوغان مقعده في منتدى دافوس ، كانت احصاءات وزارة الاقتصاد التركية تشير الى ان مستويات التبادل التجاري بين تركيا واسرائيل كانت في ذورتها.

ان تركيا هي تركيا تلك ، لم تختلف ابدا. ولم يات داود اوغلو الاستراتيجي الحالي لتركيا باي معادلة جديدة. وقد حاولت تركيا على الدوام بان تتصرف في الصراعات الاقليمية من منطلق منطقة حياد الازمات. وطبعا هذا يحدث حينما لا تكون ثمة افاق واضحة عن تسوية للازمة لان انقرة تستطيع ان تبدل جلدها بسرعة وتقف الى جانب احد طرفي الازمة عندما تتحقق مصالحها بشكل اكبر لديه اي انهم مثلا في مصر ان طلبوا بسرعة من مبارك مغادرة القصر الرئاسي وتمهلوا بعض الشئ في ليبيا من خلال اتخاذ مواقف رمادية بسبب عقودهم التجارية مع القذافي وبعد الحصول على تنازلات من الغرب والمجلس الانتقالي الليبي، تحولوا من طرابلس الى بنغازي: بالامس كانوا في غرب ليبيا واليوم في شرقها فيا لها من سياسة ذكية!

وفي الازمة السورية ، كان السلوك التركي حافلا بالتناقضات. وهذا التناقض الكبير يجب اعتباره ناجما عن سوء تقدير استراتيجي. فكانت انقرة تتصور بان دمشق ستشهد نفس الشئ الذي حدث في القاهرة. ولم يكونوا يتوقعون ان يستطيع بشار الاسد احتواء الازمة.

وفي تقدير داود اوغلو ، فان غالبية الشعب السوري الذين هم من السنة ، يكرهون بشار العلوي ويطالبون باسقاطه وتنحيه عن السلطة.

وكان ابناء اسطنبول لا يحسبون بان زعماء الطوائف الكردية في شمال وشمال شرق سورية ، سيمتنعون عن التمرد في ظل وساطة قام بها بعض القادة الاكراد العراقيين. ولم يكن داود اوغلوا واردوغان يتصوران بان اغلبية الطائفة السنية السورية ، ستقلق من دخول السلفيين والمرتبطين بالفرع السوري لاخوان المسلمين ، الساحة وسيفضلون بشار العلوي على هؤلاء.
ووقعت انقرة في خطأ فادح عندما لم تنتبه الى ان اهالي دمشق وحلب لن ينزلوا الى الشوارع ، وسيبقى الجيش الى جانب بشار ولن تتعرض سورية للانقسامات على النقيض من ليبيا واليمن.

وعلى اي حال ، فان انقرة ، قد خفضت اليوم من نبرتها وهي تطرق بوابة طهران من اجل ترميم علاقاتها مع دمشق ، ويجب تذكيرهم بعدة نقاط ؛ النقاط التي يفهمونها جيدا ولا حاجة للمزيد من شرحها وتوضيحها وذلك نظرا الى الادبيات الدبلوماسية التركية.

1- فاذا كان هناك في واشنطن من ابلغوكم بعد مقتل اسامة بن لادن ، بان من المقرر منح تركيا في المستقبل القريب الدور السابق الذي كانت تضطلع به العربية السعودية في الشرق الاوسط (دور بالانابة عن اميركا) فانه يجب القول انه سواء الذين يريدون منحكم هذا الدور وسواءكم انتم فانكم واقعون جميعا في الخطأ نفسه. ان موطئ اقدامهم هم اصبحت الان اكثر هشاشة واهتزازا مقارنة بالسابق كما انكم تفتقرون الى القوة الداخلية للاضطلاع بهكذا دور ولديكم حظوظ اقل من الناحية التاريخية. اذ لا يمكن استمالة الراي العام في المنطقة وكسب وده من خلال ارسال سفية الى غزة او القاء عدة خطابات نارية على الطريقة الاسطنبولية ، لان الذكريات المريرة من الامبراطورية العثمانية لم تمح بعد من ذاكرة النخبة في الشرق الاوسط العربي.

2- وعندما تصل نهاية الصراع الى اسرائيل، فيحين موعد اتخاذ القرار. ففي الشرق الاوسط لا يوجد سوى محوران: محور المقاومة ومحور المصالحة.

فاذا كان مقررا ان تشكلوا في المشروع الامريكي الجديد الضلع الشمالي لتطويق محور المقاومة ، عليكم ان تعلموا بان القوات الامريكية سترحل قريبا من العراق ولن يكون محور المقاومة بحاجة الى القناة التركية!

3- ان سورية ، ليست مصرا وتختلف كثيرا عن ليبيا ايضا. فاذا ما كان هاكان فيدان (رئيس جهاز الاستخبارات التركي) قد بذل قصارى جهده خلال الشهور الاخيرة لتسليح المجموعات السلفية في شمال سورية لاسيما في جسر الشغور وجبل الزاوية ونظم برنامج لجوء الالوف من المواطنين السوريين المقيمين في هذه المناطق الى الحدود التركية على امل ان يستمر مسلسل التصعيد الامني في شمال سورية حتى عزل دمشق عن طهران والضاحية البيروتية، فيجب القول اليوم بان حساباتكم وتقديراتكم كانت خاطئة.

وعلى هاكان الشاب الا ينسى انه ان كان لتركيا حدود مشتركة تمتد ل 850 كيلومترا مع سورية، فان لسورية ايضا حدودا مشتركة مع تركيا تمتد على مدى 850 كيلومترا!

ومع الوقوف على هذه الحقائق، فاننا نفتح بوابة طهران بوجه انقرة ، لاننا متاكدون بان التوتر بين بلدان المنطقة لا يخدم احدا، وان عدم الاستقرار سواء في سورية او مصر ما بعد مبارك ، سيكون لمصلحة اولئك الذين قتلوا ملاحيكم في المياه الدولية بالبحر الابيض المتوسط في صبيحة يوم 31 مايو من العام المنصرم ، نفتح الباب لكننا لا ننسى!