رمز الخبر: ۱۰۱۴۴
تأريخ النشر: 14:17 - 02 February 2009
ابراهيم الموسوي

بين عمرو وأردوغان

عصر ایران - في اللحظات الحاسمة، وعند الأمور المفصلية، أي في أزمنة الشدة والأزمات تظهر حقيقة الناس، ليس المهم أن تحصي عدد الأصدقاء والمحبين وأنت في رحلة صعود، الأصدقاء الحقيقيون والجوهر الحقيقي لمعدن الإنسان يختبر في الأزمات، حتى في السياسة التي يقال إنها قد أفسدت كل شيء، هناك فرق كبير بين رجال السلطة ورجال الدولة، وهناك فرق ما بين الموظفين الذين تظل عينهم على الحوافز والأعطيات والرواتب والمكرمات، والهدايا، وبين أصحاب المواقف الذين مهما تلبّدت السماء من حولهم وأربدت قسماتها يظل صفاؤهم الداخلي مشعاً ليظهر لهم حقيقة الأمور.


ما فعله رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في وجه رئيس كيان العدو شيمون بيريز في ملتقى دافوس الاقتصادي، وما لم يفعله أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى هو مصداق لما ذكرناه.

لقد قام أردوغان بمغادرة المنتدى احتجاجاً على الكلام الكاذب والافتراءات الكثيرة التي ساقها رئيس كيان العدو ضد حركة حماس والفلسطينيين، مشيراً إلى المجازر وجرائم الحرب التي ارتكبها جيش العدو ويرتكبها في غزة. لقد قام أردوغان بما يمليه عليه واجبه في عدم الحضور في محفل واحد مع القتلة السفاحين إذا لم يكن لوجوده وظيفة إدانة لهؤلاء، أو إذا لم يعط الفرصة لتعريتهم وكشف أباطيلهم، وخاصة أن بيريز لم يظهر احتراماً لأردوغان في هذا المجال، لقد فعلها أردوغان انتصاراً للحق، وانتصاراً لكرامة شعبه وبلاده، وهو التركي الذي تربط بلاده بكيان العدو معاهدات واتفاقات وتبادلات تجارية وعسكرية من غير نوع وصنف، فضلاً عن كون تركيا عضواً في حلف الناتو أيضاً.

بالمقابل، فإن عمرو موسى لم يجد غضاضة في البقاء جالساً إلى جانب بيريز، برغم أنه يمثل رسمياً العرب، وبالتالي يتحمل مسؤولية تمثيليه عن الشعب الفلسطيني المذبوح في غزة ولبنان وأماكن أخرى، ظل موسى مسمّراً في مكانه ولم يحس أبداً أن من واجبه مقاطعة الجلسة من الأساس، أو أن يتخذ من فرصة خروج أردوغان مناسبة ليتضامن معه، بل مع القضية التي يمثلها.

ليس مفهوماً أبداً ما الدافع لوجود عمرو موسى في هذا المنتدى، وهو يمثل الجامعة العربية التي تعبّر عن رأي الدول العربية التي تقاطع بأكملها، ما خلال دولتين أو ثلاثاً، كيان العدو، وخاصة في هذه اللحظة في أعقاب مذبحة الإبادة الجماعية في غزة. يبدو أن عمرو موسى لا يجد سبباً يدعوه لتبرير فعلته هذه، ولا يجد نفسه مطالباً بأن يقدم أي تفسير منطقي، الفرق بين الموقفين كبير جداً، وواضح جداً، إنه الفرق بين الذي ينسجم مع قضايا الإنسانية ويعبّر عنها، وبين من يتعامى عنها وعن قضاياه ويولغ بعيداً في حساباته الشخصية ومصالحه الأنانية الضيقة بعيداً عن مصلحة أمته. إنه موقف مخز حقاً ذلك الذي فعله عمرو موسى، حبذا لو كان لعمرو موسى موقف مشابه لمواقف العديد ممن هم من غير العرب والمسلمين، ليس أقلهم الأتراك ومنهم أيضاً الأكاديميون الأميركيون والبريطانيون والعديد من الشخصيات العالمية مثل شافيز وموراليس الذين قطعوا علاقاتهم مع إسرائيل وأدانوها على جرائمها.

على الدول العربية أن تتخذ موقفاً من عمرو موسى، وأبسط المواقف أن تتم محاسبة الرجل على فعلته، أما الشعوب فلها أن تعزله من الآن وتقول لحكوماتها وحكامها إن هذا الرجل لا يمثل شيئاً من العرب والعروبة، الشعوب العربية ليست بحاجة إلى ممثل يريد تدبر أموره الشخصية على حسابها، بل إلى من يحس بنبضها وألمها ودمها المسفوح، إنها بحاجة إلى من يتفاعل أخلاقياً وإنسانياً مع قضاياها كما فعل من هم ليسوا من أبناء جلدتها، عمرو موسى حبّذا لو لم تكن عربياً، حبذا لو لم تكن مصرياً، ولكن الصحيح أيضاً أنك لا تمثل مصر الحقيقية، مصر الشعب، ومصر الناس الطيبين، مرة ثانية من بيت أبي ضُربت!

الانتقاد- لبنان