رمز الخبر: ۱۰۴۰۷
تأريخ النشر: 14:19 - 11 February 2009
حينما قلت رسالة العمل الفني فأنني لم أقصد التحريض على تنظيم مظاهرات احتجاجية للمطالبة بحقوق الحيوان ، مهمة كهذه تعود الى منظمات حماية الحيوان وهي عديدة في هولندا وثمة حزب سياسي هولندي يدافع عن الحيوانات .

حاورها في امستردام : محمد الأمين


تحتل العاطفة موقع المركز في الأعمال الفنية التي أنجزتها الفنانة لوس بوتمان والتي تهتم  بالعلاقة السلمية بين الانسان وكائنات الطبيعة  ، اذ تعتقد بوتمان ان الاهتمام الفني بالحيوان ، يمنح الطبيعة توازنا ضروريا ، ويهذّب من سلوك الانسان ليس تجاه الحيوان فحسب وانما تجاه أبناء جلدته ، على هذا الأساس لاتنحصر العلاقة بين الانسان والحيوان ببعد أحادي ممثل بنظرة الانسان للحيوان وانما تتعداه لتشمل نظرة الحيوان للانسان كشاهد على سلوكه وممارساته تجاهه ، تحتل عين الكائن أهمية قصوى في لوحات بوتمان ، لأنها تمثل ذاكرة شاهد برئ ، ونظرات ناطقة .

أمام لوحات لوس بوتمان نكون وجها لوجه ازاء  كائنات بريئة ، تعرضت الى قسوة وعنف الكائن الانساني لكنها حافظت على عاطفتها البريئة تجاهه ،وفي نظرات هذه الكائنات التي تقاسمت معنا الحياة على كوكب الأرض ، ثمة رصد لسلوكنا وشهادة أخرى  على وجودنا .عبر اللون والعاطفة تسعى بوتمان الى اعلاء شأن كائنات لم تأخذ حصتها المناسبة من مشاعرنا. صدر لبوتمان مؤخرا نماذج من أعمالها اضافة الى  نصوص واقتباسات شعرية من قصائد الشعراء فيليب جاكوتيه والشاعر الايراني سهراب سبهري والشاعر الهولندي بير بوخارس  ونصوص شعرية لكاتب هذه السطور.

عن تجربتها الفنية كان لنا معها هذا الحوار :

أقمت لحد الآن أكثر من مائة معرض في هولندا وفرنسا وبلجيكيا ، وينظر اليك النقاد كواحدة من أشهر الفنانيين في هولندا الذين يعملون بتقنية الباستيل ، هل توظفين مواد أخرى في انجاز لوحاتك؟

بعد تخرجي من الأكاديمية الملكية بمدينة لاهاي عام 1994 ، أنجزت لوحات بمواد مختلفة ، كان اهتمامي مقصورا على الطبيعة ، في أغلب الأحايين كان الموضوع هو الذي يحدد المادة التي يتجلى فيها العمل الفني ، اهتممت برسم الأزهار والورود والاشجار وسعيت الى أن أعطي مساحة كبيرة للون الواحد والمفردة الواحدة ولكن ليس بشكل مطلق ، فورقة اللوتس مثلا تكاد تكون المفردة الوحيد في اللوحة مع منح مساحة كبيرة للأخضر الغامض ، كنت أعتقد أن هذه الطريقة تضاعف من اهتمامنا بجمالية اللون وبترسيخ علاقتنا بالطبيعة من خلال مفرداتها  ، ليس ضروريا أن أرسم غابة كثيفة بالاشجار  كي أجذب اهتمام المشاهد بالشجرة  ، ولا أفهم اولئك الذين يقضون عطلهم الصيفية في الأرياف ويتجاهلون شجرة قرب محطة ترام.المشهد البانورامي والتجريد المطلق  في اللوحة هما مقاربان  بالنسبة لي للأعمال الأدبية الكلاسيكية التي تتعامل مع الانشغالات  الفلسفية والاسئلة المصيرية الكبرى ، وأعتقد ان المعاصرة تقتضي  ، الاهتمام بالتفاصيل التي هي اساسية للغاية في رصد سلوكيات البشر ومنظورهم الجمالي للأشياء ، مع هذه التفاصيل تحظى بحرية متأتية من كونك غير مطالب بتقديم تبريرات ، لا الوردة التي وثقت صيرورة تجلياتها ولا السرد الفني عبر اللون بحاجة لتقديم شروح منطقية .

كانت متعتي كبيرة مع توظيف تقنيات ومواد جديدة في اللوحة دون أن أتنازل عن استلهام مفردات من البيئة المحلية التي أعيش فيها .

هذا الاهتمام بمفردات الطبيعة تعمق مع قراءاتي  للظاهراتية والأثر الذي يتركه  الشئ على وعينا به  ،أحسب أن جوهر الشي وحقيقته يتمثلان باستيعابنا لتجليه وتمظهره ، وقد تتضاعف سحرية وجمالية هذه المفردات حينما تطل أحيانا من الذاكرة ، يصعب علي أن أترجم اللحظة التي تعتريني حينما أرسم بقرة تنبثق من الذاكرة أو طائرا حييته في لحظة من لحظات الطفولة .
 
لكنك حصرت المواد المستعملة لانجاز اللوحة لاحقا بمادة الباستيل ؟

نعم ، شعرت أن مادة الباستيل هي الأكثر طواعية بالمقارنة مع المواد الأخرى ، تبقى  الألوان على خصوصيتها وشخصيتها مع الاحتفاظ بايقاع هادئ تتلائم مع التمعن والتفكير في رسالة العمل الفني .

أشرت في جواب سابق الى الحرية في التعامل مع التفاصيل وتتحدثين في الان ذاته الى رسالة العمل الفني؟

ليست رسالة بمعنى المطالبة بعمل بطولي ما ،حينما يقف المشاهد أمام اللوحة فهو مدعو من قبل الكائن الذي أمامه وبتأثير من جماليات الأثر الفني للتفكير بسلوكه واهتمامه بهذا الكائن الآخر سواء كان طائرا أو بقرة أو شجرة ، فهذه الكائنات التي نتقاسم معها الحياة في الكوكب الأرضي تأخذ فرصة أخرى  للحضور ، البقرة التي في اللوحة هي جزء من الطبيعة تتعايش معها بانسجام ، لكن البقرة في المزارع هي بقرة مستغلة بطرق بشعة لانتاج أكثر .

حينما قلت رسالة العمل الفني فأنني لم أقصد التحريض على تنظيم مظاهرات احتجاجية للمطالبة بحقوق الحيوان ، مهمة كهذه تعود الى منظمات حماية الحيوان وهي عديدة في هولندا وثمة حزب سياسي هولندي يدافع عن الحيوانات .

ومثير للانتباه أن يكون عنف الانسان ضد الحيوان من ضمن الأجندة السياسية .

 ، لكنني قصدت التركيز على المشاعر الايجابية التي  يجب أن تربطنا بالحيوانات ، كما أسعى الى تسليط الضوء على جماليات وحضور الحيوانات ، أن تكون ناطقة عبر اللون والتخطيط ، هذا التضامن ليس أحاديا فالحيوانات التي كان لها تجربة العيش مع الانسان تتضامن معه حينما يتعرض لخطر ما ، لاتجد على سبيل المثال حضورا للحمائم والعصافير جوار المقابر الجماعية التي نفذها نظام صدام حسين ضد ابناء بلده .

ما هو مؤسف في بلداننا ان نظرتنا للحيوانات تكاد تكون نفعية بشكل بحت ، أن نتوقع منها كميات كبيرة من البيض واللحم والحليب والجلد ، هذه الحيوانات ربما سوف تجد الطريق للجوء الى كوكب آخر لتهرب من عنف الكائن الانساني وبعضها قد لجأ الى لوحاتي ليعبر عن معاناته من جهة وعن جماليته من ناحية أخرى.