رمز الخبر: ۱۱۵۶
تأريخ النشر: 17:32 - 25 November 2007
لندن: ناصر التميمي

طهران ـ عصر إيران ـ مع دخول أسعار النفط حيز الـ100 دولار للبرميل .. البعض يتساءل لماذا ترتفع الأسعار مع الأخبار السيئة.. والسعيدة؟

وقف المهندس البريطاني ستيفن غراهام بكل هدوء ينتظر دوره داخل سيارته الصغيرة، وهي من صنع ياباني، في احدى محطات الوقود في العاصمة البريطانية لندن، ليملأ خزان سيارته بالوقود. وعندما سألته وهو الذي تجاوز العقد الخامس من عمره، ويعمل حاليا في شركة بريتش بتروليوم (بي.بي) البريطانية، وعمل سابقا في منطقة الخليج، عن رأيه في ارتفاع سعر لتر البنزين الواحد الى اكثر من دولارين في بريطانيا، قال وهو على عجالة من امره: «لقد عاصرت 3 صدمات لارتفاع أسعار النفط، لكنني لم أكن اتصور يوما في كل حياتي، ان يصل سعر اللتر الواحد من الوقود الى اكثر من جنيه اسرليني (اكثر من دولارين)».

و مع طرق أسعار النفط باب المائة دولار للبرميل واحد، بالفعل، فقد بات العالم يتجه نحو الصدمة الثالثة خلال جيل واحد فقط. لكن هذا الصعود في أسعار النفط الذي نراه في الوقت الحالي يختلف تماما عن ذلك الارتفاع الذي حدث في الازمات السابقة.

و مثلما حدث في صدمتي 1973 و1979 فقد تسببت «الصدمة» الحالية في موجة من القلق والمتاعب في اوساط المستهلكين، فضلا على مخاوف على مستوى الاقتصاد الكلي. الا ان الاختلاف الجوهري هذه المرة، يكمن في الاسباب حيث ان موجة الصعود الحالية لم تعتمد على التوقف المفاجئ في الامدادات او صادرات النفط من الشرق الاوسط، بل انها استحقت بجدارة اسم «صدمة الطلب»، حيث أخذت اسعار النفط ترتفع بالتدريج مع زيادة الطلب في الدول الصناعية والاقتصادات الناشئة.

وفي الحقيقة فإن صدمات النفط السابقة كانت دائما مرتبطة بالاخبار «السيئة» القادمة من منطقة الشرق الاوسط، بداية بحرب 1973 ثم الثورة الايرانية في عام 1979، مرورا بالاجتياح العراقي للكويت في عام 1990، ثم الغزو الاميركي للعراق في عام 2003، وصولا الى التوترات القائمة حاليا حول الملف النووي الايراني.

لكن «صدمة النفط الثالثة» ترتبط هذه المرة ايضا باخبار «سعيدة»، فالاقتصاد العالمي يشهد منذ عدة سنوات معدلات نمو قوية وغير مسبوقة، خصوصا في الهند والصين، فضلا على انخفاض نسبي في معدلات التضخم على المستوي العالمي.

لا بل ان المفارقة كما قال غراهام لـ«الشرق الأوسط» هي أن«سعر برميل النفط دخل حيز المائة دولار، لكننا لا نرى طوابير طويلة تصطف على محطات الوقود، بل كل ما نراه هو عملية تأقلم مؤلمة (وتثير الإعجاب في آن) للمستهلكين مع الأوضاع الجديدة». وهنا ينبغي القول إن اسعار النفط في الأسواق العالمية ارتفعت بنحو 56 في المائة، منذ بداية العام الحالي، وحوالي 40 في المائة منذ اغسطس (آب) الماضي، كما صعدت بنحو 3 أضعاف منذ عام 2004. ومع ذلك تقول وكالة الطاقة الدولية، ان أسعار النفط بحساب التضخم لا تزال دون ذروة 101.7 دولار التي سجلتها في إبريل (نيسان) 1980 بعد عام من الثورة الايرانية. لا بل انها ارخص من سلع اخرى. وعلى سبيل المقارنة فإن سعر برميل المياه المعدنية الواحد المخصص للبيع يصل الى 180 دولار، في حين يبلغ سعر برميل الحليب حوالي 150 دولارا. ولكن ارتفاع اسعار النفط بدوره يطرح السؤال التالي: ما هي اسباب هذا الصعود الكبير؟ في حين كانت الارتفاعات السابقة في الاسعار تنتج عن اضطرابات في الامدادات، فإن الطلب من دول مثل الصين والولايات المتحدة هو المحرك الرئيسي للزيادات الراهنة. وفي هذا السياق ذكرت وكالة الطاقة الدولية، التي تأخذ من باريس مقرا لها وتقدم النصح لست وعشرين دولة صناعية في تقريرها السنوي، أن الطلب العالمي على الطاقة سيزيد على الأرجح بنسبة 50 في المائة بين الآن وعام 2030 وأن الصين والهند تمثلان وحدهما 45 في المائة من هذه الزيادة.

وقالت وكالة الطاقة ان الصين ستزيح الولايات المتحدة عن موقعها كأكبر مستهلك للطاقة في العالم، بعد عام 2010 بقليل، نظرا لأن النمو الجامح في الصين والهند يعيد رسم خريطة الطاقة العالمية. ومن المتوقع في هذا المجال كذلك ان يرتفع الطلب على النفط بنسبة 1.3 في المائة سنويا، وهو المعدل نفسه المتوقع في تقرير الوكالة العام الماضي ليصل الى 116.3 مليون برميل يوميا في عام 2030 بافتراض عدم حدوث تغيرات مفاجئة.

ولكن اذا نمت اقتصاديات الصين والهند بمعدلات أسرع، سيرتفع الطلب بدرجة أكبر الى 120 مليون برميل يوميا بحلول 2030، مما يدفع الاسعار للارتفاع. وفي حين ترى الوكالة أن احتياطيات النفط العالمية كافية لتلبية الطلب المتوقع في عام 2030، الا ان بعض الشخصيات البارزة في القطاع تشكك في ان الانتاج يمكن ان يصل الى هذا المستوى مع وصول الحقول في بعض الدول الى ذروة انتاجها. وقالت الوكالة انه لتلبية الطلب العالمي على النفط يتعين استثمار 5.4 تريليون دولار في الفترة من 2006 الى 2030 أغلبها على تطوير حقول نفط، واستبدال المنشآت المتقادمة. ويزيد ذلك بنسبة 26 في المائة عن التقديرات السابقة.

كما ساعد تراجع قيمة الدولار الأميركي، مقابل عملات رئيسية أخرى على تعزيز عمليات الشراء في مختلف السلع الأولية حيث يرى المستثمرون أن الأصول المسعرة بالدولار رخيصة نسبيا.
ونال ضعف العملة الأميركية من القدرة الشرائية لإيرادات «أوبك»، بينما زادت القدرة الشرائية لبعض المستهلكين المسعرة وارداتهم بعملات أخرى غير الدولار. وهنا قال (جوليان لي) المحلل في سوق النفط في مركز دراسات الطاقة العالمي، الذي يتخذ من لندن مقرا له، ان انخفاض قيمة الدولار التي تترافق مع تراجع القدرة الشرائية لدول اوبك تدفع المنظمة الى تحديد سقفا اعلى لبرميل النفط. وهنا ينبغي القول ان اكثر ما يثير الانتباه هو الارتباط العكسي الطويل الأمد بين اسعار السلع والدولار، أي أن السلع ترتفع عندما يهبط الدولار.

ويقول بعض المحللين ان المستثمرين يستخدمون النفط كملاذ آمن في مواجهة ضعف الدولار.
وتزدهر تدفقات الاستثمار من صناديق معاشات التقاعد والتحوط على السلع الأولية، وكذلك المضاربات. فقد تحركت العديد من البنوك الاستثمارية وصناديق التحوط للرهان على ارتفاع اسعار النفط، الأمر الذي بدوره ساهم في استمرار زيادة الأسعار. وتقدر «اوبك» في هذا المجال ان نحو 20 في المائة من اسعار النفط الحالية، يعود الى الى المضاربات، وليس لعوامل السوق الاساسية او للعوامل الجيوسياسية.

كما تتهم الدول الغربية قيود الانتاج التي تفرضها «أوبك» بدأت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) التي تضخ أكثر من ثلث انتاج العالم من النفط خفض انتاج الخام أواخر 2006 لكبح تراجع في الأسعار. ولعل انخفاض امدادات الخام من نيجيريا ثامن أكبر بلد مصدر للنفط في العالم منذ فبراير (شباط) عام 2006 بسبب هجمات متشددين على صناعة النفط في البلاد، ساهم هو الآخر في اضطراب الأسواق.

ويشعر مستهلكو النفط بالقلق بشأن تعطل الامدادات من ايران رابع أكبر مصدر له في العالم والمنخرطة في صراع مع الغرب، بسبب برنامجها النووي. بالاضافة الى ان العراق يكافح لانعاش صناعة النفط بعد عقود من الحروب والعقوبات وضعف الاستثمار.

وأخيرا فقد واجهت مصافي تكرير النفط في الولايات المتحدة أكبر مستهلك للبنزين في العالم صعوبات بسبب تعطيلات مفاجئة الأمر، الذي زاد السحب من المخزونات قبل فصل الصيف حيث ذروة استهلاك وقود السيارات. الا ان الخوف السائد حاليا في جميع الاوساط لم يعد يتعلق بالاسعار فحسب، بل اصبح حول قدرة قطاع الطاقة لتلبية النمو المتوقع في الطلب خلال العقدين المقبلين، الطلب على الطاقة يتنامى بشكل لم نشهده من قبل. وفي المقابل فإن الامدادات تكافح لتجاري الزيادة في الطلب. هذا هو التحدي في مجال الطاقة.

وازداد الطلب على النفط وارتفع من 65 مليون برميل يوميا في عام 1980 ليبلغ حاليا نحو 86 مليون برميل يوميا. ومن المتوقع ان يرتفع الى نحو 120 مليون برميل يوميا بحلول عام 2030. وفي هذا الاطار يطرح تساؤل آخر نفسه بالحاح: ما هو تأثير ارتفاع اسعار النفط على الاقتصاد العالمي؟
في آخر توقعاته الاقتصادية حول الاقتصاد العالمي قال بنك « يو.بي.اس» ان الاقتصاد العالمي بدأ يفقد قوة الزخم خصوصا في اوروبا واميركا، واصبح من شبه المؤكد ان يتباطأ في العام المقبل. وهنا قال لـ«الشرق الأوسط» اندرو كيتس المحلل الاقتصادي في البنك السويسري، الذي يعد اكبر البنوك العالمية، ان الولايات المتحدة تمثل «قلقا واضحا» حيث ارتفعت نسبة حدوث ركود اقتصادي هناك الى 45 في المائة من 33 في المائة في السابق.

وتابع كيتس بالقول «ان تضييق شروط الائتمان والذي يترافق مع ارتفاعات قياسية لأسعار النفط العالمية وهبوط كبير للدولار، بدأ يعطي مفعوله في الولايات المتحدة، حيث نشاهد تآكل القوة الشرائية للمواطن الأميركي». لكن ناريمان بيهرافيش كبيرة الاقتصاديين في مؤسسة «غلوبال انسايت» بدت اكثر تشاؤما حيث قالت لـ«الشرق الأوسط» في هذا السياق «نحن في منطقة الخطر. الأمر يحتاج الى صدمتين حتى يركع الاقتصاد العالمي على ركبتيه. لقد تلقينا الصدمة الاولى عبر أزمة الائتمان والرهن العقاري. والنفط قد يكون الصدمة الثانية». وهو رأي يتفق معه كبير الاقتصاديين بوكالة الطاقة العالمية، الذي ساهم في اعداد تقريرها الأخير، حيث قال إن وصول أسعار النفط الى 100 دولار للبرميل، سيلحق الضرر بالنمو الاقتصادي العالمي. وأشار فاتح بيرول ان صعود الاسعار «سيضر بكل تأكيد بالاقتصاد العالمي، واقتصاد دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية واقتصاد الدول النامية».

لكن (جوليان لي)، قال ان الارتباط بين النمو الاقتصاد العالمي وارتفاع اسعار النفط ينبغي النظر اليه بطريقة مغايرة، فبدلا من افتراض ان اسعار النفط ليس لها تأثير على النمو الاقتصادي العالمي، علينا ان نجادل ان جزءا من ارتفاع اسعار النفط يعود الى النمو الاقتصادي القوي. وعندما تصل الدورة الاقتصادية الى ذروتها يبدأ النمو الاقتصادي بالتباطؤ، وذلك بدوره يقلل لطلب على النفط الامر وبالتالي يؤثر على الاسعار. لكن الاخبار السعيدة هنا ان التوقعات الايجابية لنمو قوي في الهند والصين لا تزال هي السائدة، وربما توازن التباطؤ في الاقتصاد الاميركي. حيث ان أي اهتزاز في الاقتصاديين العملاقيين في الوقت الراهن سيكون له آثار كارثية على الاقتصاد العالمي ككل.

ولكن على جميع الاحوال قال صندوق النقد الدولي في تقريره الاخير، ان الاقتصاد العالمي لا زال متأقلما مع ارتفاع أسعار النفط العالمية، وان ذلك سيترك على الارجح تأثيرا محدودا فقط على نمو الاقتصاد العالمي، نظرا لأن الارتفاع مدفوع بنمو قوي في الطلب من أسواق ناشئة مثل الصين والهند وليس بنقص في المعروض. ويتوقع الصندوق استمرار ارتفاع اسعار النفط العالمية، رغم انها ستبقى متقلبة ضمن اتجاه صعودي. وعلى خلفية الأوضاع المضطربة في الأسواق المالية، أُجري الصندوق، في احدث تقرير له حول آفاق الاقتصاد العالمي، تخفيض بسيط في توقعات السيناريو الأساسي للنمو العالمي حيث تشير توقعاته إلى نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 5.2 في المائة عام 2007 و 4.8 في المائة في عام 2008، وهو معدل أقل من التوقعات السابقة بواقع 0.4 في المائة. وقد تركزت أكبر التعديلات الخافضة للنمو في الولايات المتحدة، التي يتوقع لها الآن معدل نمو مقداره 1.9 في المائة في عام 2008. لكن الصندوق أكد الصندوق ان المخاطر تبقى قائمة، ويمكن أن تؤثر بدورها على آفاق الاقتصاد العالمي. فقد شهدت أسعارالنفط ارتفاعات قياسية جديدة، ولا يستبعد أن تشهد ارتفاعات حادة مفاجئة أخرى، بالنظر إلى فائض الطاقة الإنتاجية المحدود، وذلك بالرغم من بعض التراجع في مخاطر التطورات المعاكسة الناجمة عن مخاوف التضخم.

ولا تزال المخاطر المرتبطة باستمرار الاختلالات العالمية مدعاة للقلق كما يقول الصندوق. ولا يزال صانعو السياسات على مستوى العالم يواجهون تحديا آنيا يتمثل في الحفاظ على النمو القوي غير التضخمي، وهو التحدي الذي ازداد جسامة في الآونة الأخيرة بسبب اضطراب الأوضاع المالية العالمية. وخلاصة القول، فالتوقعات بالنسبة لأسعار النفط تختلف بين المراكز الاقتصادية، فهناك بعض المحللين الذي يتوقعون انخفاض الاسعار وعودة برميل النفط الى حدود 75 دولارا خلال العام المقبل، بينما يتوقع البعض الآخر صعود النفط الى الى حدود 120 دولارا. لا بل ان احد السيناريوهات الرسمية الاميركية، تتصور قفز الاسعار الى نحو 150 دولارا وسط زيادة التوتر مع ايران. لكن ما اصبح يجمع عليه أغلب الخبراء في الوقت الراهن ان «عصر النفط الرخيص» ربما يكون قد ولى الى غير رجعة، ويتوجب على العالم من الآن وصاعدا التأقلم مع المعطيات الجديدة.

المصدر: الشرق الاوسط