رمز الخبر: ۱۱۷۲۳
تأريخ النشر: 14:04 - 05 April 2009
عزوز مقدم

دوحة العرب: عصفوران بحجر

عصرایران - استأثرت العاصمة القطرية الدوحة بالدور الريادي من بين قريناتها العربيات باستضافتها لقمتين كبيرتين الأسبوع الجاري وفي ظرف يومين فقط حيث كان التنظيم محكما لاجتماعات القمة العربية الحادية والعشرين وقمة أميركا اللاتينية والعرب اللتين جاءتا في وقتهما المناسب من كل النواحي.


في القمة الأولى (العربية ال۲۱) أحدثت الدوحة اختراقا نادرا على صعيد المصالحة العربية - العربية وإن كانت قطر وجدت جزءا من المشكلة وليس الحل حينما خفضت الشقيقة مصر تمثيلها بغياب الرئيس المصري محمد حسني مبارك. ومع ذلك جاءت كلمته التي ألقاها نيابة عنه رئيس الوفد مفيد شهاب، قوية وودية للغاية بشأن المصالحة. فقد جاء في معناها أن مصر العروبة ستظل مشرعة أبوابها وقلبها دائما لجميع القادة العرب عندما يتعلق الأمر برص الصفوف وتوحيد الكلمة. وفي هذا السياق وضعت المصالحة التي تمت بين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز والزعيم الليبي معمر القذافي وبرعاية أمير قطر، حدا لست سنوات عجاف من الخلاف البغيض بين الزعيمين الذي انعكس على جسد الأمة بالوهن والهوان وانعدام الثقة في تحقيق أهداف ومرامي العمل العربي المشترك.

لقد تفاجأ المتابعون لأعمال القمة عندما أطلق القذافي مداخلته من دون استئذان من رئيس الجلسة الافتتاحية، فوجه انتقادات قاسية للعاهل السعودي، كان بالإمكان الاحتفاظ بها لنفسه مادام ينوي في تلك اللحظة الصلح وله أجر (خيرهما الذي يبدأ بالسلام). ويخشى الشارع العربي الآن من هشاشة هذه المصالحة وتعرضها للانتكاسة إن لم تتم رعايتها وتقويتها بين الجانبين من خلال تكثيف الدبلوماسية وتبادل الزيارات بين الرياض وطرابلس وخصوصا أن القمة العربية المقبلة ستستضيفها ليبيا بعد عام.

المحطة المهمة الثانية التي توقفت عندها القمة العربية ال۲۱ هي المذكرة الدولية القاضية بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير، فقد أبدى الزعماء رفضهم القاطع لهذه المذكرة التي تمثل سابقة خطيرة في تاريخ القانون الدولي تجاه رئيس دولة مازال يباشر مهماته. وإن كان البيان الختامي للقمة لم ينص على ضرورة إلغائها كما طلب البشير في كلمته إلا أن الرفض الذي تضمنه إعلان الدوحة كان بمثابة أن تبني العرب للقضية ناهيك عن الموقف القوي للاتحاد الإفريقي الذي يضم ۵۳ دولة رافضة لتوقيف الرئيس السوداني.

ومع ذلك فقد تعالت بالتزامن مع القمة أصوات نشاز استنكرت حضور البشير باعتباره مطلوبا دوليا، بل شجبت حضور الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للقمة باعتبار أنه اجتمع مع شخص ملاحق من قبل العدالة. تناسى هؤلاء أن البشير كان يمثل شعبا وأن المذكرة لم يصدر بشأنها قرار دولي من قبل مجلس الأمن الدولي حتى تصبح ملزمة. كان الأجدر بهؤلاء أن يفتخروا بهذا القائد العربي الجسور الذي استطاع كسر الحصار فأدهش الأعداء قبل الأصدقاء.

وبالعودة إلى القمة اللاتينية - العربية فإن ذات الأصوات النشاز خرجت علينا باستنكارها للتوجه العربي نحو أميركا الجنوبية باعتبار أنها تضم رؤساء مهووسين وشعبويين من أمثال الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، الذي وفقا لرؤيتهم، لا يعتمد عليه ومتقلب المزاج. هؤلاء الرافضون لهذه الشراكة الاقتصادية - الجيو - سياسية، يريدون أن يبقى العرب مكتوفي الأيدي، أميركيي - أوروبيي الهوى دائما، راكعين أمام القوى العظمى الغربية بحيث توجههم أينما أرادت وما عليهم إلا أن يبصموا. ربما نجد العذر لهؤلاء المناوئين للتوجه لأنهم قد يكونون تلقوا تعليما في الغرب أو ألفوا أجواء لندن وباريس وواشنطن في وقت يجهلون فيه مناخ برازيليا وكاراكاس وريودي جانيرو. ولكن يجب أن يدركوا أن التغيير في التحالفات الاقتصادية والسياسية من ضروريات الحياة المعاصرة والعولمة.
والقرآن الكريم يحثنا على ذلك (يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا..) الآية (۱۳) الحجرات، خصوصا أن كتلة الدول اللاتينية التي تتكون من ۱۲ دولة، حضر ۸ من زعمائها للدوحة، تقف معنا صفا واحدا بشأن القضية الفلسطينية. ويرى هؤلاء القادة أنه بينما أسس اليهود دولتهم الإسرائيلية منذ ستين عاما مازال العرب يتوسلون للحصول على أقل من ۴۰ في المئة من أراضيهم المحتلة.

منذ القمة الأولى بين الدول العربية ونظيراتها اللاتينية التي عقدت في برازيليا في العام ،۲۰۰۵ تضاعفت ثلاث مرات تقريبا أرقام التبادل التجاري بين الجانبين. ففي ۲۰۰۷ بلغ حجم التبادل بينهما حوالى ۱۸ مليار دولار بينها بضائع وخدمات بقيمة ۶,۱۰ مليارات دولار استوردتها الدول العربية من أميركا اللاتينية. وكلما ازداد حجم التبادل الاقتصادي بين العرب ونظرائهم اللاتينيين كلما أقلق ذلك الغربيين الذي يفرضون أجندتهم علينا ويقفون منحازين ضد قضايانا المصيرية. فعلينا أن نتأسى بسياسة الممانعة التي انتهجتها أميركا الجنوبية والتي أحدثت من خلالها نهضة اقتصادية واجتماعية وثقافية رغم أن الطريق كانت وعرة وشاقة أمامها.

ولا يسعنا هنا إلا أن نثني على جهود أولئك الذين أسسوا لهذا التوجه وسهروا عليه حتى رأى النور، فلنعض عليه بالنواجذ.
الوسط - البحرين