رمز الخبر: ۱۲۳۹۶
تأريخ النشر: 08:26 - 27 April 2009
محمد بخشنده
عصر ايران – ان الموضوعات التي تناولها الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد من علي منبر موتمر جنيف تشكل استمرارا للموضوعات التي طرحها في الامم المتحده واجتماعات مهمه مثل جامعه كولومبيا لكن هناك عده اسباب اسهمت في ان تكون كلمته هذه المره مصدر تطور ملفت علي الصعيد الدبلوماسي.

ويرى معظم المراقبين ان السبب الاول يتمثل في ان موتمر جنيف كان قد تحول منذ البدايه الي ساحه للمواجهه بين حماه فلسطين وعلي راسهم ايران وبين جبهه اللوبي الصهيوني في الغرب.

وعلي مدي ال60 عاما من احتلال فلسطين وقف دبلوماسيو وقاده الدول الاسلاميه مرارا بوجه الغرب وحلفاء اسرائيل الا ان هذه النزاعات اتخذت طابعا خفيا في معظمها او انها برزت علي شكل اصدار البيانات والقرارات لكن المواجهه بين الجانبين وقعت هذه المره في احد اكبر موتمرات الامم المتحده. الموتمر الذي حضره اضافه الي الدول نحو 4500 منظمه مدنيه وغطته علي الهواء مباشره عشرات القنوات الفضائيه من القارات الخمس في العالم.

1- وكما اعتبر المشاركون في موتمر جنيف ، فان المواجهه بين منتقدي العنصريه الاسرائيليه والمدافعين عنها كانت قد بدات قبل الموتمر. لقد كانت اميركا وحلفاء اسرائيل يعرفون ان موتمر "دوربان-2" المناهض للعنصريه له القدره علي فتح ملف تاريخي ضد الصهيونيه. ان الدبلوماسيين الغربيين وفي اجواء افتتاح الموتمر شعروا فجاه بان كل ما انجز لعقد الموتمر الرابع لمناهضه العنصريه يتجه نحو معاقبه الكيان الصهيوني وان جميع الاجراءات التي اتخذوها خلال الاعوام الماضيه لاقحام هذا الكيان داخل اسره الامم المتحده او ازاله العقبات القانونيه التي تعترض تل ابيب قد ذهبت سدي في موتمر جنيف.

وعلي هذا الاساس فان جبهه اميركا واوروبا استخدمت جميع وسائلها وادواتها النفسيه والدبلوماسيه لتغيير مضمون الموتمر واسكات المعارضين.

وقد كشف رئيس الوفد الايراني بان الامين العام للامم المتحده وبعض المندوبين الاوروبيين طلبوا من الاطراف الايرانيه والعربيه اعتماد نوع من المهادنه فيما يخص اتخاذ المواقف المعادية لاسرائيل في الموتمر، المهادنه التي تتمثل في ان تمتنع دول رائدة مثل ايران او سوريه او ليبيا عن فتح ملف الممارسات العنصريه الاسرائيليه لاسيما الجرائم التي ارتكبت ابان الهجوم علي غزه لكن هذه المحاولات بقيت عقيمه ومن دون جدوي.

وفي الحقيقه فان هذا الصراع الذي برز خلف الكواليس في جنيف تبلور علي شكل مواجهه كبري في اليوم الاول من الموتمر بين مندوبي اوروبا وايران. وبعد ان فشل مندوبو اوروبا واميركا في التوصل الي نتيجه بخصوص تغيير مواقف الموتمر واراء قاده الجهات المدافعه عن فلسطين ، لجاوا الي "استراتيجيه المواجهه". وقد هدد سفيرا فرنسا وبريطانيا في مقابلاتهما ، الدول الاسلاميه والعربيه المشاركه في الموتمر علانيه وقالوا بان ادانه الكيان الصهيوني في الموتمر ستعود بالضرر عليهم.

ان اجواء الرعب هذه التي فرضتها الدبلوماسيه الاوروبيه في موتمر جنيف كانت احد الاسباب التي حولت كلمه الرئيس الايراني الي ان تكون محط اهتمام. ان سر نجاح احمدي نجاد كان يكمن في انه لم يتراجع امام اجواء الرعب هذه. وحتي انه التزم بالبرود امام غضب واهتياج معارضيه وادي الي توجيه حربه الانتقادات نحو منافسه الغربيين.

2- وبعيدا عن المواجهه السياسيه بين جبهتي الغرب والدول الاسلاميه فان ثمه عوامل اخري اسهمت في ان يتحول اليوم الاول من موتمر جنيف المناهض للعنصريه الي حدث مهم في يوم 20 ابريل. وفي التقويم الاوروبي فان يوم 20 ابريل يصادف الذكري السنويه للمحرقه (الهولوكوست). اليوم الذي يحتفي فيه للاتحاد والتحالف بين الدول الغربيه واسرائيل.

وفي هذا اليوم كانت الجماعات واللوبيات اليهوديه قد اتخذت الاجراءات اللازمه لكسب ود وصداقه اميركا وكندا وعدد من الدول الاوروبيه.

ويمكن مشاهده هذه المواجهه الكبري في المقالات والتصريحات المليئه باللوم والعتب الصادره عن تل ابيب. وكتبت صحيفتا "معاريف" و "يديعوت احرونوت" ضمن تقرير مسهب : انه في الوقت الذي كان فيه مندوبو اسرائيل منهمكين في يوم تسميه الهولوكوست باجراء محادثات لترسيخ اواصر تل ابيب مع الدول الاوروبيه واميركا فان الرئيس الايراني هاجم في مقر الامم المتحده في جنيف ، اساس هذا الاتحاد. واختارت يديعوت احرونوت هذا العنوان " موتمر مناهضه العنصريه يبدا اعماله اليوم بكلمه الرئيس الايراني" وكتبت تقول : ان الموسسات المقيمه لذكري الهولوكوست تواجه اليوم تحديات جاده.

فيما نبهت صحيفه معاريف قاده تل ابيب الي هذه النقطه من ان موتمر جنيف وفي اليوم الدولي للهولوكوست اتاح الفرصه لشخص لالقاء كلمه ينكر فيها الحادث. كما ذكر الموقع الالكتروني لوزاره الخارجيه الاسرائيليه : انه ليس اسوأ بالنسبه لاسرائيل انه ينجح منكر الهولوكوست في اليوم الذي يجب ان يتم فيه تكريم ذكري الهولوكست ، في الوقوف خلف منبر دولي ويتحدث ضد العنصريه الاسرائيليه.

3- ان ما حدث في اليوم الاول من موتمر جنيف شكل اختبارا عصيبا بالنسبه للدبلوماسيه الاوروبيه. فقد ابرز احمدي نجاد في كلمته ثلاثه مسارات من التعارض في الفكر السياسي الاوربي والغرب : علاقه الاوروبيين بالعنصريه ، نسبه وفاء وتقيد اوروبا بمبادي حقوق الانسان والديمقراطيه والالتزامات الاوروبيه تجاه الصهيونيه.

ان الاحداث التي اسفرت عنها لوبيات موتمر جنيف لا سيما السلوك الاوروبي المنسجم في اليوم الاول من الموتمر قدم ردا واضحا علي هذه القضايا الثلاث المهمه في السياسه الخارجيه الاوروبيه. وربما انه الي ما قبل موتمر جنيف المناهض للعنصريه ومواجهه الغرب له ، لم يكن واضحا بعد نسبه تقيد الساسه الاوروبيين بالمبادي الذهبيه للمساواه وعدم التمييز العنصري.

ولم يخف علي المراقبين بان الاوروبيين كانوا يعتبرون انفسهم الرائدين في مكافحه العنصريه ، وبعد الضربات الماحقه التي الحقتها العنصريه في المانيا وايطاليا بالحضاره الغربيه جعل الساسه ورجال القانون الاوروبيون مبدأ المساواه بين الشعوب ونبذ كل اشكال التمييز في مقدمه ميثاق الديمقراطيه.

لكن احداث موتمر جنيف رسمت صوره اخري عن مدي تطابق سياسه الاوروبيين مع هذا المبدأ الذهبي لميثاق الامم المتحده. وقد ركز الرئيس الايراني في كلمته علي هذا التعارض.

وقد اكد احمدي نجاد بان اوروبا التي تحمل علي جسدها التاريخي ندب جروح العنصريه ، لم تتمكن بعد من ازاله ترسبات هذا الفكر من سياستها ودبلوماسيتها.

وفيما يخص المحور الثاني اي علاقه اوروبا باللوبي اليهودي ، فان الدبلوماسيين الاوروبيين يزعمون دائما بان اللوبيات اليهوديه تسيطر علي واشنطن ونيويورك وان القاره الخضراء هي بمناي عن نفوذ هذه العصابات الخفيه. وكانت الدبلوماسيه الاوروبيه تفتخر طوال هذه السنين بانها بمناي عن التعصب والتعنت الديني سواء الصليبي او اليهودي.

وكانت هذه التصريحات تسمع لاسما بعد احداث 11 سبتمبر عندما دخلت اميركا في مواجهه شامله مع العالم الاسلامي. وخلال هذه الفتره كانت اوروبا تزعم حتي بانها من موسسي المؤسسه المناهضه للعنصريه او ان تعتبر منظمه حقوق الانسان العمود الفقري للديمقراطيه. وحتي عندما قاطعت اميركا موتمر دوربان-2 فان الاوروبيين اعلنوا انهم يوفدون مبعوثيهم الي جنيف وانهم علي النقيض من الولايات المتحده لا ينظرون بنظره تتسم بالربح والخساره الي المنظمات الدوليه.

لذلك فان موتمر جنيف شكل اختبارا جادا بالنسبه للاوروبيين لكي يختاروا اما التعامل الصادق مع المنظمات الدوليه والعالم الاسلامي واما المصالح المتاتيه من الصداقه مع اميركا واسرائيل. لكن كما اعتبرت معظم وسائل الاعلام الغربيه فان مسار الموتمر اوجد نتائج محزنه عن الترابط بين اوروبا واسرائيل واحبط امال العديد من الذين كانوا قد عقدوا الامل في الاعوام الاخيره علي ان تقيم اوروبا توازنا في علاقاتها الخارجيه بين جبهه المسلمين واسرائيل.

لكن الاهم من هذا كله ، الاختبار الذي تمثل في مواجهه اوروبا لمنتقد ، المنتقد الذي وجه نقدا من منبر موتمر جنيف وبادبيات تخلو من اي اساءه وتشويه ، الي تاريخ السياسه الخارجيه للغرب ومسار رواج العنصريه. ان السلوك الذي اتبعه مندوبو اوروبا في مقابل رئيس بلد كبير في الشرق الاوسط القي بظلال من الشك علي الحضاره والقانون الذي يتشدق بهما الساسه الغربيون.

 ان الانسحاب المتزامن للاجتماع الذي كان قد شارك فيه معظم الشعوب مع زعماء الامم المتحده وذلك امام عدسات التصوير وشاشات الفضائيات الدوليه كان له تبعات ورسائل تحولت كل منها اي ماده تتناولها التقارير الانتقاديه للصحافه الغربيه. ان هذا السلوك غير العادي جعل كل الساسه الاوروبيين في مواجهه الاوساط المثقفه والتحرريه ، وكأن هضم هذا السلوك صعب للغايه في ذهنيه الديمقراطيين الاوروبيين بحيث قال معظم النخبه في الغرب بان هذا شكل هرطقه خطيره في السياسه والقانون الدولي.

 ان سلوك المندوبين الاوروبيين في مقابل كلمه الرئيس الايراني يعتبر بدعه من ناحيه ان مثل هذه التصرفات اي الانسحاب من موتمر دولي بسبب عدم تناغمه مع مصالحهم يصدر عادة من قبل دبلوماسيين اميركيين متطرفين مثل جون بولتون. وقد تخلي الاوروبيون من خلال سلوكهم هذا عن اوضح المبادي القانونيه اي احترام مبادئ الموسسات الدوليه التي كانوا هم من واضعيها ، بحيث ان محلل الغاردين كتب يقول انه لم يتم لحد الان في تاريخ الدبلوماسيه الاوروبيه الاساءه بهذه الطريقه الي موسسات الامم المتحده.

ورسم سفراء اوروبا في هذا الاجتماع صوره تتسم بالغضب وحده المزاج عن القاره الاوروبيه ازاء منتقد. ان الاوروبيين الذين كانوا يدعون لسنوات منطق "الاصغاء الي الحوار" وكانوا يتباهون بتاريخ تسامحهم حتي امام اميركا ، تحولوا في يوم 20 ابريل الي كائن هارب عن الحوار وبعيد عن الاحتمال والتسامح.