رمز الخبر: ۱۲۴۶۱
تأريخ النشر: 21:33 - 28 April 2009
عطاء الله مهاجراني

يُطرح هذه الأيام تساؤل مهم، ألا وهو: ما الذي يحدث في باكستان (ولاسيما في منطقة سوات الشمالية)؟

عندما أنظر إلى خريطة باكستان، تبدو لي الدولة وكأنها تنّين! يقف التنين وينظر ناحية الشرق (الهند)، ويحمل عبئا ثقيلا جدا (أفغانستان)!

أنظر إلى رأس التنين، فأجد أنه مكون من إسلام آباد وسوات، ويعني ذلك أن للتنين عقلين. والسؤال هو كيف يمكن أن يكون هناك تنسيق بين الحكومة الباكستانية وحركة تحريك إنفاذ الشريعة المحمدية التي يتزعمها صوفي محمد؟

مَن صوفي محمد؟ وما خلفيته وآراؤه ونظرته الدينية ومطالبه وخطته للبلاد وباكستان كدولة نووية؟

أولا: صوفي ليس رجلا صوفيا! لاحظ أن التعبير «صوفي» يشير إلى التصوف الإسلامي. ولكن يقف صوفي محمد ضد الصوفية والتصوف. إنه ملا مسلح. وجدت بعض المعلومات عنه على موقع ويكيبيديا: صوفي محمد هو مؤسس تحريك إنفاذ الشريعة المحمدية، وهي حركة مسلحة باكستانية تسعى إلى تطبيق الشريعة في باكستان وتعمل بالأساس في دير وسوات ومالاكند، وهي منطقة تقع داخل إقليم الحدود الشمالية الغربية. سُجن صوفي محمد بعد أن أرسل مئات المتطوعين إلى أفغانستان للحرب ضد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2001. ولكن، أطلق سراحه في عام 2008 بعد أن أعلن نبذه للعنف. وهو والد زوجة مولانا فضل الله، الذي تولى قيادة تنظيم تحريك إنفاذ الشريعة المحمدية خلال فترة سجن محمد. وخلال الثمانينات من القرن الماضي، شارك صوفي محمد بنشاط مع الجماعة الإسلامية، هي حركة سياسية إسلامية. وفي عام 1992 انشق عن الجماعة ليكون تحريك إنفاذ الشريعة المحمدية.

وبعد الإطاحة بنظام طالبان من السلطة في أفغانستان عام 2001، رتب صوفي محمد لإرسال الآلاف من المسلحين لقتال قوات التحالف الشمالي. وعندما عاد محمد إلى باكستان، ألقي القبض عليه.

وبقي صوفي محمد في السجن حتى عام 2008، عندما وافق خلال محادثات مع الوزير الأول لإقليم الحدود الشمالية الغربية على استخدام نفوذه من أجل تحقيق الأمن في المنطقة.

وفي مطلع إبريل (نيسان) 2009، أنهى صوفي محمد دعمه لمفاوضات السلام، وقال إن الحكومة تعطل إقامة محاكم تطبيق الشريعة في وادي سوات.

وتُعتبر محاكم الشريعة نقطة محورية في الاتفاق، ما الشريعة؟ وما تفسير صوفي محمد للشريعة؟

اسمح لي أن أشير إلى مقال نُشر في الأخبار، وهي صحيفة ناطقة باللغة الأردية في إسلام آباد.

قال رئيس التحرير غلام أخبر: «علوم الكيمياء والفيزياء والأحياء والاجتماع ليست ضد الشريعة! الشريعة ما هي إلا طريق مستقيم به نهر جميل جدا إلى جواره، إنها نهج حياة». الأخبار، 22 أبريل (نيسان) الحالي. ويعني ذلك أن لدينا تفسيرين عن الحياة في باكستان، ومن الواضح أن هناك هوة كبيرة جدا بين التفسيرين.

المشكلة الرئيسية هي وجهة نظر صوفي محمد، فهو يعتقد أن أفكاره تعتمد على القرآن، ويعتقد أنه حتى الرسول لا يمكنه أن يغير من القواعد القرآنية. وهذه هي المبادئ الأساسية للإسلام.

وعلى سبيل المثال، عندما يتحدث شخصان، رجل وامرأة، بعضهما مع بعض لأنهما يريدان الزواج، فإنه يجب أن يُقتلا رميا بالرصاص، أو يتم رجمهما، لأنه لا يوجد مبرر لما يقومان به، فهما من غير المحارم كي يباح لهما التحدث بعضهما مع بعض.

ويجب على كافة الرجال في سوات ارتداء عمائم سوداء، مثل صوفي محمد، لأن هذا من الشريعة. وهذا هو الإسلام الحق حسب ما يعتقده. ويجب تدمير المدارس التي تتعلم فيها الفتيات، وهكذا.

لدينا مثل في اللغة الفارسية يناسب هذا الحال يقول: «الحساء به الكثير من الملح لدرجة أن الدجاج يشتكي من مذاقه!».

ويوم الأربعاء، الموافق الثاني والعشرين من أبريل (نيسان)، قال مولانا فضل الرحمن رئيس حزب جماعة علماء الإسلام الموالية لطالبان، في حديث إلى الجمعية الوطنية: «إذا ما استمرت طالبان في التحرك بهذه الوتيرة، فإنهم سوف يطرقون قريبا أبواب إسلام آباد».

يمكن لحركة طالبان أن تسيطر قريبا على سد تربيلا، وهو مستودع مهم. ويوم الأربعاء، 22 إبريل (نيسان)، كانت طالبان قد احتلت جميع المكاتب الحكومية في سوات وبونير، ويبدو أن الشريعة هي نقطة الانطلاق الأولى!

أولا، قال صوفي محمد، والمتحدث باسمه أمير عزت خان (وأمير هو لفظة طالبانية): «إن هناك اختلافا بسيطا بيننا بشأن قضية دار القضاء، حيث إننا نريد تعيين علماء في هذه المحاكم ونرى عدم الطعن في الأحكام في أي محكمة داخل البلاد».

وقال صوفي محمد إن المحاكم العليا غير إسلامية، ومضى ليضيف أنه يريد أن يسيطر على جميع باكستان وأن يكون كافة المواطنين خاضعين لنموذج العدالة الذي يعتقد فيه.

هذا هو الواقع! وكما قال صوفي محمد في أول خطاب له في سوات: «الطالبانية ليست تهديدا، إنها هي واقع في الوقت الحالي، هذه هي الحقيقة». وسوف تنتشر هذه الحقيقة من رأس التنين إلى جسده، فالمسافة من إسلام آباد إلى سوات أقل من 60 ميلا. وكما قال فضل الرحمن فإن طالبان تطرق أبواب إسلام آباد. لا يمكن نسيان أحداث مثل المسجد الأحمر والهجمات الإرهابية التي استهدفت فندق ماريوت. بل قد تكون هذه الأحداث مجرد البداية لعصر جديد في باكستان. وإلقاء اللائمة على الحكومة الباكستانية لن يحل المشكلة. وقد قدمت الحكومة الباكستانية تنازلا لطالبان بالموافقة على تطبيق الشريعة في وادي سوات. و«تمثل الشريعة في وادي سوات والدولة تهديدا مميتا للعالم»، هذا ما قالته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون يوم الأربعاء، 22 إبريل (نيسان)، أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي.

هذه هي الأزمة الموجودة في باكستان، من سوف يحل الأزمة الحالية؟ وكيف سيتسنى التعامل مع الكارثة؟

أعتقد أن الكارثة لم تتضح بعد أمام اللاعبين، بمن فيهم الحكومة الباكستانية والولايات المتحدة الأميركية. ويبدو بالنسبة إليّ أنه في المستقبل، ربما خلال الأشهر القليلة المقبلة أو العام المقبل، سيغير التنين من تفكيره واتجاهه.

يحتوي كتاب أرنولد توينبي «أزمة الحضارة» والذي نشرته أكسفورد عام 1948 على فصل بعنوان «الإسلام والغرب والمستقبل» يقول فيه: «الإسلامية مثل إنسان نائم، ولكن علينا أن نفكر في احتمال أن يستيقظ هذا النائم».

وأريد أن أقول: من ترك باكستان لطالبان؟




الشرق الاوسط اللندنیة