رمز الخبر: ۱۲۵۷۵
تأريخ النشر: 09:45 - 04 May 2009
عبدالله المصري
العمليّة الانتخابيّة.. بين مسؤولية الناخب والتزامات المرشح
 
 
عصرایران - الجل سة ما قبل الأخيرة لهيئة الحوار الوطني لم تضف شيئاً جديداً الى مجريات الأحداث اللبنانية. فقد حضر جميع المندوبين وتبادلوا التحيات وأحياناً القبلات، ثم جلسوا الى طاولة الحوار، وفي الصدارة رئيس الجمهورية.

الموضوع الأساس لطاولة الحوار كان الاستراتيجية الدفاعية، وهذا الموضوع سياسي واستراتيجي وفني، والمشاركون في الحوار معظمهم مرشحون للانتخابات، وهم أولاً غير جاهزين لإبداء الرأي في موضوع متخصص كالاستراتيجية الدفاعية، وهم ثانياً مشدودون الى توجهات الرأي العام وتقلباتها، ولا يريد أي واحد منهم تسجيل موقف يخل بانتمائه الطائفي أو المناطقي أو السياسي الذي يلتزمه عندما يخاطب جمهوره أو يحاوره خلال جولاته الانتخابية. لذلك فقد تشاور زعماء الكتل والطوائف حول طاولة الحوار وحول أمور كثيرة، ثم أجلوا الاجتماع الى أول حزيران القادم، قبل أيام من موعد الانتخابات، لتطوى صفحة الحوار، أو يجري استبدال رموزها بما تقتضيه افرازات الانتخابات النيابية القادمة.
أما عن الانتخابات نفسها، الاستحقاق الذي ينتظره الجميع ويضربون أخماساً بأسداس حول نتائجه المتوقعة، فلا جديد يستحق الذكر. فاللوائح يجري تركيبها واعلانها، والبرامج الانتخابية تكاد تكون متشابهة، لأنها مفرّغة من أي مدلول سياسي، وهي كلها تجمع على اغاثة المحرومين وانصاف المظلومين وادانة الحكومة المقصّرة في تحقيق (الانماء المتوازن) الذي يتذكره النواب المرشحون مرة كل أربع سنوات، أما خلالها فالمشاغل لا تتعدى الشأن الحزبي أوحتى الشخصي، باعتبار أن النائب - في الغالب - يقيم في العاصمة ولا تشغله هموم المناطق المحرومة، وبالتالي فهي لا تشكل بالنسبة اليه أولوية.

في معظم الانتخابات السابقة كان المواطن يقارن البرامج الانتخابية ويحدد موقفه منها بناء على رؤيته السياسية أو الانمائية أو المناطقية، وان لم يفعل هو ذلك فإن المرشحين يتحاورون عبر وسائل الإعلام المقروءة او المسموعة أو المرئية. أما اليوم فإن أياً من المرشحين لم يقم حواراً مع مرشح آخر، لا في اذاعة ولا على شاشة تلفزيونية، بل يكتفي باطلاق الكلام غير المسؤول، وأحياناً الشتائم والأوصاف النابية بحق خصومه أو أصدقائه، وها هو (الزعيم) وليد جنبلاط وزملاؤه يبذلون كل ما لديهم من حنكة سياسية واعلامية من أجل تجاوز تداعيات حديث جنبلاط عن (الجنس العاطل) و(حليقي الشوارب مطلقي اللحى)، مما يحتم على الأصدقاء محاولة تأويل الكلام وأنه جاء مجتزءاً وفي غير سياقه.. كما يعطي الخصوم فرصة للرد على الشتائم بمثلها أو بأقسى منها. وفي الجانب الآخر جرى التركيز على ما ورد في كلمة ألقاها النائب محمد رعد في جلسة خاصة تحدث فيها عن الدولة اللبنانية والعدوّ الاسرائيلي، وأنها يجب ان ترحل لأنها تقود مشروعاً عدوانياً ضد لبنان وشعبه. ومشكلة هؤلاء (الزعماء) المرشحين أنهم يحاولون أن يتذاكوا، باعتبار أن ما يقال في الغرف والقاعات المغلقة هو أهم مما يجري اعلانه على الملأ أو أمام وسائل الاعلام. لكنهم يتناسون أن الاعلام أذكى منهم، وأنه يرى ويسمع ويرصد كل ما يقولون، سواء كانوا قاصدين أو غافلين.

لكن هل يليق بلبنان واللبنانيين أن يبقى هذا هو ميزان التفاضل بين المرشحين، فلا برامج ولا سياسات وانما مزايدات وانتماءات حزبية وطائفية؟! لقد عالجت المجتمعات الديمقراطية هذه الاشكالية، فالترشيح والتصويت لم يعد لأفراد أو زعماء أو طوائف ومذاهب، بل هو لأحزاب وبرامج، فيطرح الحزب برنامجه السياسي ويروّج له ويسوّقه عبر وسائل الاعلام لمدة محددة، ثم تعقد ندوات وحوارات على وسائل الاعلام بين ممثلي هذا التيار وذاك. وبعد انتهاء أي حلقة حوار يمكن قياس توجهات الرأي العام ونسبة المؤيدين لهذا الحزب أو ذاك بناء على نجاح أو فشل ممثله في اقناع الناس وتجسيد مطالبهم وتطلعاتهم. وبعد ذلك تجري العملية الانتخابية على أساس النسبة، وبالقدر الذي يحقق فيه الحزب نسبة من الأصوات ينال ما يتناسب معها من المقاعد، بعد أن يكون قد أدرج أسماء مرشحيه في كل دائرة أو منطقة. وبهذا يكون الحزب (والبرنامج) هو الذي يحقق النجاح وليس شخص المرشح فقط، اذ لا يمكن إلغاء دور الانسان في التعبير عن الرأي واقناع الناخبين بالمشروع، من خلال تجسيده له والتزامه به، ومن خلال صلاته بالناس وخدمتهم والتعبير عن تطلعاتهم. لكن البرنامج يبقى هو الأساس ومحور الرفض أو التأييد.

ان أمام اللبنانيين خمسة أسابيع تفصلهم عن يوم الانتخابات. واجبهم خلالها أن يتبيّنوا من يمنحونه ثقتهم ويدرجون اسمه في صناديق الاقتراع. وتلك مسؤولية وطنية وشرعيّة، فالانتخاب شهادة، والانسان ينبغي أن تكون شهادته خالصة من أي هوى وغاية، وانما يقصد بها وجه الله سبحانه وتعالى ومصلحة الوطن والمواطنين. ولسوف يسأله الله سبحانه وتعالى عن هذه الشهادة، وعليه أن يوطن نفسه منذ الآن على الاجابة عن السؤال: لماذا منحت صوتك لهذا المرشح وحجبته عن ذاك؟ واذا كان السبب منفعة شخصية أو ضغوطاً عائلية فلن تكون شهادته خالصة لوجه الله، ولسوف يحاسبه الله سبحانه وتعالى على ما قدمت يداه. أما اذا جلس الى نفسه وسألها أين يضع صوته، وما هي ميزات هذا المرشح أو ذاك، سواء في التزامه الديني أو السلوكي أو السياسي.. دون النظر الى لائحة جرى تركيبها، أو زيارة قام بها المرشح له أو لعائلته، أو خدمة مادية أو معنوية تلقاها منه.. فإن كل ذلك لا ينبغي ان يحمله على أن يضع صوته في المكان الخطأ، وانطلاقاً من هذا الموقع عليه أن يحدد وجهته ثم يدلي بصوته.

أما عن المرشحين، كل المرشحين، فحقهم أن يبذلوا كل جهد ممكن من أجل الحصول على أوسع نسبة من الناخبين.. لكنهم لن يستطيعوا اختصار أربع سنوات في أيام، والذي يزرع خلال الأربع سنوات يمكن أن يحصد خلال ما بقي من أيام. أما المرشح الذي يحرص على ارتياد المساجد (أو الكنائس) في أيام الحملة الانتخابية، فإن المواطن يعرف من كان يقف الى جانبه في صفوف الصلاة، ومن كان يشارك في تشييع الجنائز ومواكب الأفراح والأتراح.. فالذاكرة الشعبية سوف تكون حاضرة وشاهدة، ولا ينبغي أن تعطلها زيارة عابرة أو خدمة مدفوعة الأجر.
الامان - لبنان