رمز الخبر: ۱۲۷۰۰
تأريخ النشر: 13:25 - 07 May 2009
ساطع نور الدين

مهزلة الغجر

عصرایران - اذا كانت قرية الغجر السورية المحتلة من عجائب الجغرافيا العربية، فإن ذلك لا يبرر تحويلها الى واحدة من غرائب السياسة العربية، او حتى من فضائحها.

بدل ان تكون تلك القرية الصغيرة التي يقطنها علويون تقطعت بهم السبل الى سوريا او لبنان في اعقاب قيام دولة اسرائيل، اختراقا دائما لكيان العدو ونقطة تسلل وتواصل وتهريب الى داخله، او فخا ينصب بين الحين والآخر لخطابه السياسي، صارت سلاحا يستخدمه الاسرائيليون ضد اللبنانيين والسوريين معا، ويبرهنون من خلاله ان دولتهم اكثر انسانية وأخلاقية من جميع جيرانها العرب.

كان من سوء حظ الغجر التي لا تتصل مباشرة بمرتفعات الجولان السورية المحتلة ان الخط الاخضر شبه الحدودي بين لبنان وإسرائيل الذي رسم في اعقاب الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي اللبنانية في العام ۲۰۰۰ يقسمها الى قسمين. لكنه كان من سوء تدبير الجانب اللبناني أنه أصر ولا يزال على ان تنسحب القوات الاسرائيلية من القسم الشمالي من القرية، الذي يجب ان يخضع حسب الخرائط والوثائق للسيادة اللبنانية.

ومنذ ذلك الحين لم يتوقف اهالي الغجر عن الاحتجاج بشتى السبل على المسعى اللبناني الدائم لتقسيم قريتهم وتقطيع أوصال عائلاتهم وربما أيضا اخلاء بعض بيوتهم التي قد تصبح غير صالحة للسكن، ورفعوا ظلامتهم اكثر من مرة الى المحكمة الاسرائيلية العليا التي لم تحكم لهم، وتركت للحكومات المتعاقبة ان تقرر مصيرهم، حسبما تقتضيه الظروف والمصالح.. في واحدة من اغرب الدعاوى المرفوعة امام القضاء الاسرائيلي التي تؤكد أن مواطني القرية يفضلون الهوية الاسرائيلية على الهويتين السورية او اللبنانية.

هذا الموقف الحرج الذي وضع فيه اهالي الغجر أتاح لإسرائيل تحقيق مكسب سياسي مجاني، لا يقتصر على الادعاء بأن سكانها العرب على اختلافهم مندمجون في مجتمعها ومؤسساتها الحريصة عليهم، كما وفر لها ورقة تفاوضية مؤثرة تستخدمها بين الحين والآخر مع لبنان وتحاول ان تستدرجه الى مفاوضات رسمية، كما تحاول ان تعتمدها مع سوريا ايضا من دون ان تضع القرية على طاولة التفاوض حول الجولان طبعا.

منذ البداية تعاملت إسرائيل مع فكرة الانسحاب من القرية او على الاقل من نصفها الشمالي باعتبارها تضحية كبرى، مع انها كانت ولا تزال تتمنى التخلص منها او على الاقل من سكانها. كما اقنعت الاميركيين تحديدا بنظرية تفيد ان اخلاء تلك البقعة المحتلة يفترض ان يكون من العوامل الرئيسية المساهمة في نزع سلاح حزب الله.. الى ان اطلقت مؤخرا تلك الفرضية المشبوهة التي تعتبر ان استعادة السيادة اللبنانية على الغجر تخدم الحملة الانتخابية للرئيس فؤاد السنيورة وحلفائه من فريق الرابع عشر من آذار الذين لا يريدون بالتأكيد نصف قرية سورية علوية يضاف الى الجغرافيا اللبنانية حتى ولو كان الثمن خسارتهم الانتخابات!

ربما آن الأوان للبنان ان يتنازل عن بعض مواقفه القومية الكبرى، ويوقف بشكل او بآخر مهزلة الغجر ويحرم اسرائيل وأميركا من تلك التسلية السياسية.
السفير - لبنان