رمز الخبر: ۱۵۳۲۲
تأريخ النشر: 14:03 - 06 September 2009
وبشأن قانون المطبوعات بين الموسوي أنه مهم جدا في هذه المرحلة، لا لأجل تضييق الخناق على الإعلام والصحافة، بل على العكس يجب أن يكون هناك قانون ضامن لهم ولحقوقهم، ويجب أن يعرف الجميع ما له وما عليه.
نقيب الصحافيين: لا أتوقع إصدار القانون خلال دورة البرلمان الحالية > وزارة الثقافة: القانون القديم وضع ضوابط على استيراد المطبوعات

 
المثقفون والأدباء اعتبروا قرار فرض الرقابة على المطبوعات مجحفا بحق الثقافة ويتناقض مع حرية التعبير
 

الشرق الاوسط : استبعد مؤيد اللامي، نقيب الصحافيين العراقيين، إمكانية إصدار قانون المطبوعات العراقي خلال دورة البرلمان الحالية، لوجود أكثر من 70 قانونا ينتظر أن يصوت عليه أعضاء المجلس، وهو ما يجعل من غير الممكن إن يتمكن برلمان الدورة الحالية من إقراره، مؤملا أن يكون ذلك خلال الدورة المقبلة.
وأوضح اللامي: «نحن مع أي تشريعات قانونية شريطة عدم تحديد ولا تحاول عرقلة إنشاء مطبوعات أو الحد من الإصدار وإنشاء مؤسسات إعلامية، لكن نحتاج قوانين ضامنة لحرية التعبير».

وكان الصحافيون العراقيون قاموا خلال الأسابيع الماضية بتنظيم مظاهرات في شارع المتنبي، وسط بغداد، هي الأولى من نوعها في هذا الشارع منذ عقود طويلة، احتجاجا على ما سموه «قمع» حرية التعبير في العراق، شارك فيها أعضاء في البرلمان كالشيخ صباح الساعدي وزينب الكناني عن التيار الصدري، وكذلك ممثلون عن الحزب الشيوعي ووزراء سابقون كالدكتورة أزهار الشيخلي، وزيرة المرأة السابقة، وشخصيات أخرى.

وبحسب هادي جلو مرعي مدير مرصد الحريات الصحافية، فإن «هذه المظاهرة دعا إليها مرصد الحريات الصحافية وحضرتها أعداد كبيرة من الصحافيين والمثقفين، وكذلك شخصيات سياسية وبرلمانية، وكنا معترضين على حضورهم وبخاصة الحزب الشيوعي الذي رفع لافتات باسمه ونحن في تجمع صحافي لا سياسي وكنا لا نريد لافتات صفراء وحمراء وكنا نريد فقط الصحافيين». من جانبه، قال زياد العجيلي رئيس مرصد الحريات الصحافية، إن «هذه المظاهرة تأتي استجابة لجملة من التحديات التي تواجه الوسط الصحافي والإعلامي والثقافي العام في البلاد والمخاطر التي تعترض الصحافيين والمثقفين ووسائل الإعلام والانتهاكات التي يتعرضون لها من الجهاز الحكومي من أكثر من طرف سياسي لتحجيم دورهم الحيوي في بناء واستمرار المسيرة الديمقراطية التي يشهدها العراق منذ عام 2003 وما واجهه من سلوكيات سياسية وفكرية تحاول إبعادها وإخراجها عن الخط الذي كان ينتظر من خلاله أن تحول البلاد إلى نموذج يُقتدى به في مجال حرية التعبير والممارسات الإبداعية في شتى صنوف الفن والأدب». وفيما وعد النائب صباح الساعدي الصحافيين إلى عدم تمرير هذا القانون في البرلمان في حال وصل إليه «لرغبة الصحافيين بتعديله، وسنعطيهم فرصة لإعداد قانونهم بأنفسهم وبشكل يرونه مناسبا لهم»، قال عدي حاتم رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، إن «إصرار الجهات الرسمية على الاستمرار في استخدام قوانين التشهير الجنائية الموروثة من الحقبة السابقة ضد وسائل الإعلام، تندرج ضمن المحاولات الهادفة إلى تكميم الأفواه ومصادرة حرية الإعلام والتعبير». ومعروف عراقيا أن لقب «سيدة الساحة»، هو الوصف الأمثل للسلطة الرابعة التي نشطت في وقت غابت فيه السلطات الثلاث الأولى في العراق لفترة دامت أكثر من 6 أشهر بعد سقوط النظام العراقي في عام 2003، أشخاص وأحزاب وجمعيات ومجموعة إعلاميين اتخذوا قرارا سريعا بإنشاء مؤسسات صحافية ونفذوا قولهم في اليوم التالي، حتى وصلت أعداد الصحف خلال فترة أشهر إلى أكثر من 225 صحيفة بعضها يومي وأخر أسبوعي وشهري.

أما الكتب والإصدارات الأخرى فهي أيضا تذوقت طعم الحرية المطلقة لأول مرة منذ خمس وثلاثين عاما، فترى الكتب ومن مؤسسات ودور الطبع كافة في العراق وإيران ولبنان وسورية ومصر وجدت لها موضع قدم في بغداد، وتوالت بعدها عمليات الإصدار بكامل الحرية، فالعراق يملك الآن جيشا من الفضائيات رغم أنه عرفها منذ ستة أعوام، مقارنة بدول عملت عليها منذ عقد ونصف، لكنها لا تملك سوى فضائية أو اثنتين أو أكثر، لكن العبرة ليس بالعدد كما بين الصحافي حيدر الموسوي الذي قال: «بل في تنظيم عمل هذه المؤسسات، لأن هناك فوضى من حيث عدد الفضائيات، فالتضارب في طرح الأفكار واضح، فهذا يحرض وهذا يدافع، صحيح أنها حالة ديمقراطية صحية، لكن العراق ما زال يحتاج إلى أمر مهم وهو التوعية والتثقيف».

وأضاف الموسوي لـ«الشرق الأوسط»: «أتوقع أن تتراجع أعداد الصحف والفضائيات، وتحديدا بعد أن تشهد ضعفا في الدعم المقدم، فالكل يعلم بأنها تابعة إما لأحزاب وإما لكتل وإما لشخصيات، وأُنشئت لأغراض محددة، ولا يمكن أن تستمر مع زوال الأهداف.

وبشأن قانون المطبوعات بين الموسوي أنه مهم جدا في هذه المرحلة، لا لأجل تضييق الخناق على الإعلام والصحافة، بل على العكس يجب أن يكون هناك قانون ضامن لهم ولحقوقهم، ويجب أن يعرف الجميع ما له وما عليه.

ولأجل الاطلاع على القوانين العراقية المعنية بالصحافة استعانت «الشرق الأوسط» بخبير القانون الصحافي الدكتور قاسم جبر، الذي أكد: «لم يكن في العراق قبل إعلان الدستور العثماني في 23 يوليو (تموز) 1908 غير ثلاث صحف، كانت تصدرها الحكومة العثمانية باللغتين التركية والعربية وكانت هذه الصحف أسبوعية وتصدر في مراكز الولايات الثلاث الموصل وبغداد والبصرة، وعندما احتل الإنجليز العراق، أصدروا جريدة «الأوقات البصرية» في البصرة عام 1915، وجريدة «العرب» في بغداد عام 1917 وجريدة «الموصل» عام 1918 في الموصل. ثم سمح الإنجليز بإصدار الصحف والمجلات الدورية حتى أصبح في البلاد عدد كبير منها، ومعظمها أنشئ لخدمة سياسات معينة، وعندما تألفت الحكومة العراقية في 23 أغسطس (آب) 1921 ـ وهو تاريخ تتويج الملك فيصل ملكا على العراق ـ أقبل الناس على إصدار الصحف، فانتشرت في البلاد عدة صحف، وكانت معينا ورافدا ثقافيا للنفوس حتى دخول العراق عصبة الأمم في عام 1932.

ونصّت المادة 113 من الدستور العراقي على أن تعتبر القوانين العثمانية مرعية في العراق إلى أن تستبدل بها السلطة التشريعية غيرها أو تقرر إلغاءها، فكان قانون المطبوعات العثماني أحد هذه القوانين، وعندما تسلمت الوزارة السعيدية الأولى سدة الحكم في 23 مارس (آذار) 1930 وضعت قانون المطبوعات المرقم 82 لسنة 1931 في 43 مادة ليحل محل القانون التركي للمطبوعات، فكان أهون من القانون العثماني. ولكن سرعان ما عدل هذا القانون بالقانون المرقم 56 لسنة 1932 فحرمت البلاد من فائدة التخفيف الذي تضمنه القانون الأول، وبقي التعديل معمولا به إلى أن دخلت البلاد في عصبة الأمم، وتقلص ظل الانتداب الإنجليزي بصورة رسمية في العراق. وبلغ عدد الصحف والمجلات العراقية، السياسية منها والأدبية ما يقارب 203 صحف ومجلة، شكلت الأدبية منها في عهدي الاحتلال والانتداب 83 صحيفة، أما المجلات الصادرة في هذين العهدين فبلغ 65 مجلة، أما الصحف السياسية التي صدرت خلال العهدين المذكورين فقد بلغ عددها 55 صحيفة. الأكاديمي والصحافي العراقي الدكتور نبيل جاسم، بيّن أن الدستور المؤقت لعام 1958 الذي أعلن سقوط دستور 1925 جاء في ثلاثين مادة، وكانت المادة العاشرة منه تشير إلى حرية الاعتقاد والتعبير مضمونة وتنظم بقانون، وذكر الدستور المؤقت لعام 1964 حرية التعبير والصحافة بتوسع أكبر مما ذكره الدستور المؤقت السابق له، ففي المادة 29 أن حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك في حدود القانون، واشتملت المادة 30 على أن حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة في حدود القانون.

ولحق بالدستور المؤقت لعام 1968 دستور مؤقت آخر في عام 1970، سُمّي دستور الجمهورية العراقية المؤقت، الذي حدد في فقرته رقم 26 أن الدستور يكفل حرية الرأي والنشر والاجتماع والتظاهر وتأسيس الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات وفق أغراض الدستور وفي حدود القانون، وتعمل الدولة على توفير الأسباب اللازمة لممارسة هذه الحريات التي تنسجم مع خط الثورة القومي التقدمي، أما مشروع دستور عام 1990 الذي لم يرَ النور وبحسب جاسم، فقد أشار في مادته رقم 53 على حرية الفكر والرأي والتعبير عنه، وتلقيه بالوسائل الإعلامية والثقافية، مضمونة، وينظم القانون ممارسة هذه الحريات، أما المادة 54 فقد نصت على أن حرية الصحافة والنشر مضمونة، وينظم القانون ممارسة هذه الحرية، ولا تفرض الرقابة على الصحف والمصنفات إلا بموجب أحكام القانون.

وأكد الموسوي أن «نصوص الدساتير غالبا ما كانت تقيد بمجموعة من القوانين المكتوبة أو (التعليمات الشفاهية) التي كانت تصدر للصحف والتي حولت الصحافة العراقية إلى مجموعة من المنشورات لا تحمل أي قيمة ولا سيما في سنواتها الأخيرة بسبب كم الأوامر الإدارية والقوائم الطويلة بالممنوعات وما يفترض تناوله وكيف».

وأضاف الموسوي: «بعد التحولات الكبيرة في العراق والتي رافقت الغزو الأميركي للعراق عام 2003 صدرت العديد من القوانين والأوامر المؤقتة التي أُريدَ لها تنظم العمل الإعلامي في العراق، وكان أولها الأمر رقم 14 الصادر عن سلطة الحاكم المدني في العراق بول بريمر، وقبلها مؤتمر أثينا الذي عُقد في يونيو (حزيران) 2003، وفي هذا المؤتمر التقى أكثر من خمسة وسبعين مهتما بالشأن الإعلامي في العراق لوضع إطار إعلامي، وإعداد المسودة الأولى لبناء وسائل إعلام عراقية وُصفت بأنها ستكون حرة وتعددية تمارس وتعزز وتحمي حرية التعبير.

وطالب المؤتمر ـ أول ما طالب ـ بإصدار بيان فوري من السلطة المؤقتة بإلغاء جميع قوانين وقرارات النظام السابق المتعلقة بوسائل الإعلام، ويشمل ذلك النصوص القانونية والجنائية التي تتضمن عقوبة السجن أو حتى الإعدام بحق المتهمين بانتقاد مسؤولي الحكومة، والتي تتضمن الرقابة المشددة والسيطرة التامة على الصحافة المطبوعة. وبيّن الدكتور نبيل جاسم الأكاديمي والأستاذ في كلية الإعلام والإعلامي المعروف أنه «رغم هذه الإجراءات الاستباقية والتأكيد على إقرار قوانين للإعلام، فإنه لا سلطة الاحتلال ولا الحكومات المتعاقبة تعاملت مع الأمر بما ينسجم مع التطورات الجديدة أو أخذت بهذا الجهد، بل كان أول قرار يصدر ما عرف بالأمر 14 أو ما عُبر عنه بالأمر رقم 14/10 في يونيو (حزيران) من العام 2003 والذي كان مفاجئا لما حواه من قيود وانتهاك ومصادرة لحرية التعبير وقد جاء في الجزء الثالث من الأمر المذكور وتحت باب اكتشاف النشاط المحظور (يجوز للمدير الإداري للسلطة الائتلافية المؤقتة أن يأذن بإجراء عمليات تفتيش للأماكن التي تعمل فيها المنظمات الإعلامية العراقية دون إخطار، بغية التأكد من امتثالها لهذا الأمر، ويجوز لها مصادرة أي مواد محظورة وأي معدات إنتاج محظورة، ويجوز لها إغلاق أي مبان تعمل فيها هذه المنظمات، ولن يُسمح بدفع أي تعويض عن أي من المواد أو المعدات المصادرة أو المباني المغلقة)».

وقال جاسم: «ثم تلاه الأمر رقم 65 الذي بموجبه تأسست الهيئة الوطنية للاتصالات والإعلام لتنظيم البث الإذاعي، ومنح تراخيص البث. وأشار الأمر إلى الحرية في إصدار الصحف دون الحاجة إلى الحصول على ترخيص بذلك من أي جهة، رافق ذلك صدور الأمر 66 عن سلطة الائتلاف المؤقتة والمتضمن إصدار صحيفة يومية وإذاعة ومحطة تلفزيونية، وصدر الأمران عن المدير المدني لسلطة الائتلاف المؤقتة بول بريمر في 20 مارس (آذار) 2004. وأشار: «تم اعتماد الأمر 65 والأمر 66 كأساس للتعامل مع وسائل الإعلام العراقية، كما تم استخدام الأمر 14 الذي يسمح بموجبه مطاردة الصحف وتفتيشها وإغلاقها أوسع استخدام، وما زال ساري المفعول، وهو ما اعتمدته وما زالت القوات العسكرية الأميركية لمداهمة مقار الصحف ووسائل الإعلام وتم بموجبه ملاحقة عدد من وسائل الإعلام العراقية واقتحام مقارها والعبث بموجوداتها واعتقال العاملين فيها.

على أن آخر تشريع يتعلق بحرية التعبير جاء في الوثيقة النهائية، الدستور العراقي الدائم والمصادق عليه في الاستفتاء الشعبي العام الذي جرى في 15/12/2005، ففي الفصل الثاني «الحريات»، وفي «أولا» من المادة 38 جاء حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، وفي «ثانيا» من ذات المادة جاء حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.

وتشكل المادة 38 من الدستور العراقي خطوة إلى الأمام في تعزيز بيئة حرية التعبير في العراق إلا أنها خطوة غير كافية لضمان حرية التعبير، إذ يشكل غياب التشريعات القانونية والواقع الأمني القلق ومحاولات التدخل من قبل المسؤولين ضعفا لهذه المادة الدستورية ويحولها إلى مجرد نص يفقد قوته المفترضة. وهو ما حدث فعلا في عدد من الانتهاكات بحق الصحافيين من تضييق على عملهم ومنعهم من تغطية جلسات مجلس النواب وإغلاق بعض وسائل الإعلام ومنع الصحافيين من الوصول إلى أماكن الأحداث للتغطية الإخبارية، ففي إعلان صادر عن وزارة الداخلية في مايو (أيار) 2007 قررت الوزارة منع اقتراب الصحافيين من أماكن الأحداث والتفجيرات وعللت الوزارة هذه الخطوة بأنها إجراءات احترازية لضمان سلامة وحياة الإعلاميين من حدوث انفجارات متزامنة في المكان عينه.

وأوضح جاسم أنه رغم وجود نص دستوري يكفل حرية الرأي والتعبير، تؤكد مواد قانون العقوبات 111 لسنة 1969 على ارتباط الإعلام بالأمن الوطني والأخلاقيات العامة والمصلحة العليا للبلاد. وما زال هذا القانون ساري المفعول بمواده. ويمكن وفقا لهذا القانون توجيه عقوبة ما يوصف بجريمة القذف والتشهير وفق المادة 434 من قانون العقوبات العراقي، كما يتضمن القانون المدني رقم 40 لعام 1950 إمكانية الحكم على الأضرار الناتجة عن التشهير في الإعلام، ويعد القانون استخدام الإعلام في قضايا التشهير ظرفا مشددا ينبغي أن تفرض المحاكم جراءها أقصى عقوبة.

وإذا ما عدنا إلى الدستور العراقي وقوانين بريمر في مجال النشر والمادة 130 من الدستور العراقي التي تؤكد على سريان قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، نجد تناقضا واضحا وقيودا أخرى تم تشريعها إضافة إلى تفعيل القوانين القديمة للحد من حرية التعبير. ما يعني أن فقرات قانون 111 تجعل من الاستحالة ممارسة حرية التعبير دون الوقوع تحت طائلة القانون الذي تصل عقوبته إلى الإعدام.

إن تفعيل القوانين المذكورة، وحتى في حال عدم استخدامها، يبقى محفوفا بالمخاطر في أن تعود السلطة التنفيذية لاستخدام تلك القوانين في الوقت الذي تريد، وإن أقسى العقوبات وأكثرها خطورة والتي ما زالت سارية المفعول هي المادة 200 من ذات القانون والتي تشير إلى أنه «يعاقب بالإعدام كل من حرض على قلب نظام الحكم المقرر في العراق أو على كراهيته أو الازدراء به أو حبّذ أو روّج ما يثير النعرات المذهبية أو الطائفية أو حرّض على النزاع بين الطوائف والأجناس أو أثار شعور الكراهية والبغضاء بين سكان العراق».

وتشير هذه العقوبة إلى حجم التقييد الهائل الذي يمكن أن يطال حرية التعبير في حال تفعيل هذه المادة وبسببها يمكن وقف جميع أنواع الانتقادات التي يمكن أن توجه ضد الحكومات العراقية أو سياساتها.

وسبق أن أصدرت وزارة الثقافة العراقية قرارا بفرض الرقابة على المطبوعات في العراق. وقالت الوزارة إنها تهدف بذلك إلى حماية المجتمع من النتاجات التي تثير النعرات العرقية والطائفية، لكن النخب الثقافية حينها أبدت خشيتها من أن تصبح الأفكار خاضعة لرحمة أصحاب القرار.

واعتبر المجتمع العراقي بمثقفيه وأدبائه القرار مجحفا بحق الثقافة ويتناقض مع حرية التعبير، مؤكدين على أن حماية المجتمع العراقي من الأفكار التي تثير النعرات العرقية والطائفية لا يأتي من خلال الحظر، بل من خلال نتاجات فكرية لمواجهة الأفكار التي تستهدف وحدة الصف، مطالبين بضرورة التراجع عن هذا القرار.

إن فرض الحظر على بعض النتاجات الفكرية قابلته أيضا خشية بعض المثقفين من أن يطال الحظر نتاجات أخرى وتعود الأمور ربما إلى حالتها القديمة وتصبح الأفكار مقيدة بسلاسل تحت رحمة أصحاب القرار. جدير بالذكر أن قانون المطبوعات في إقليم كردستان يختلف تماما عن القانون العراقي فبعد انفصال الإقليم عام 1992 أصدرت حكومة الإقليم قانون مطبوعات جديد وسمي بقانون رقم 10 لعام 1993، هو القانون المنظم للمطبوعات والنشر في إقليم كردستان، على الرغم من إجراء تعديلات عليه وُصفت بأنها «طفيفة» في عام 2002، وكانت المادة الأبرز من بين التعديلات هي تلك المتعلقة بـ«حظر نشر المواد التي تحرّض على ارتكاب الجرائم وأعمال الإرهاب»، وأسهمت محاولات جدية لصحافيين وناشطين حقوقيين لتغيير قانون المطبوعات، في إعداد مسودة أخرى سميت «مسودة قانون العمل الصحافي في إقليم كردستان»، وطرحت المسودة على البرلمان الكردستاني لأول مرة في يوليو (تموز) 2006 للمناقشة وإبداء الرأي، لكن المناقشات الجارية بين أطراف من البرلمان ونقابة الصحافيين، وأخرى من وزارة الثقافة، لم تُفضِ إلى الآن إلى صيغة نهائية للقانون المقترح، في ما يصفه مراقبون إعلاميون بـ«لعبة شد حبال قانونية بين الأطراف الثلاثة».

من جهته أكد لـ«الشرق الأوسط» حاكم الشمري، المسؤول في وزارة الثقافة العراقية على أن قانون المطبوعات العراقي الصادر عام 1968، ما زال ساري المفعول في العراق، وسبب ذلك هو عدم صدور قانون جديد يحل محله، ولم تجرِ تعديلات على بعض بنوده، إضافة إلى صدور قانون لإلغائه، والتعديلات التي أجريت عليه جرت في زمن النظام السابق فقط، مؤكدا إن وزارته لم تقدم أي مسودة قانون جديد للمطبوعات انطلاقا من حرصها على عدم تقنين كل ما من شأنه تقييد حرية التعبير أو الفكر أو الرأي.

وبشأن منع دخول مطبوعات معينة للعراق قال الشمري، إن «هذا الأمر حصل لأن وزارة الداخلية أو موظفي الجمارك، ملزمون بتطبيق القوانين، ومن بين هذه القوانين قانون المطبوعات الذي قلنا عنه إنه ما زال يطبق في العراق، والذي منع بموجبه دخول أي مطبوع أو فلم إلا بعد أخذ موافقة وزارة الثقافة والإعلام، وبما أن وزارة الإعلام أُلغيت فأصبحت من مهام الثقافة، فأوجدنا آلية سهلة على جميع الأطراف، تتلخص في أنْ نظمنا استمارة تعطى للمستوردين تدون فيها عناوين الكتب فقط دون الحاجة إلى قراءة الكتاب وغيرها، فقط نطالبهم بالعناوين، وجميع الكتب والمطبوعات يُسمح لها بالدخول عدا التي تذكي النعرة الطائفية أو التي تدعو لتمزيق وحدة العراق، والحث على الإرهاب، فهذه تُمنع».

وكشف الشمري أنه «حتى هذه اللحظة لم نمنع دخول أي كتاب للعراق، وتشمل المطبوعات الكتب والمجلات والصحف والأفلام وأي مطبوع آخر».

وبشأن طباعة الكتب بالعراق قال: «نحن كوزارة ثقافة نعطي رقم إيداع ولا شأن لنا بمضمون أي كتاب، الجميع له حق الطباعة والنشر وإصدار الصحف والمجلات، نحن نعطي رقم إيداع لحماية صاحب المشروع فقط».

نقيب الصحافيين العراقيين مؤيد اللامي، أوضح: «نحن مع أي تشريعات قانونية شريطة عدم التحديد وأن لا تحاول عرقلة إنشاء مطبوعات أو الحد من الإصدار وإنشاء مؤسسات إعلامية، لكن نحتاج قوانين ضامنة لحرية التعبير»، مشيرا إلى أن قانون المطبوعات في إقليم كردستان مختلف لأن الإقليم له وضعه الخاص، وأي قانون كردي يختلف عن المركزي، وهنا نقول إن لنا تجربتنا الخاصة وتحتاج قانونا يتماهى ووضعنا، كما نطالب بإصدار قانون جديد وعدم تعديل القديم، لأننا نملك فضاءات واسعة من الحريات وهذا ما لم يتضمنه القانون القديم.

وعن إمكانية إصدار قانون المطبوعات العراقي من قِبل البرلمان، قال: «لا أتوقع إصدار هذا القانون، خصوصا وأن هناك أكثر من 70 قانون ينتظر التصويت عليها، وهنا من غير الممكن إن يتمكن برلمان الدورة الحالية من إقراره ونأمل أن يكون ذلك خلال الدورة المقبلة».