رمز الخبر: ۱۷۳۲۳
تأريخ النشر: 09:47 - 09 November 2009
الخطوط الحمراء لطهران في مباحثات فيينا
وعلى اثر طلب ايران، قامت الوكالة باطلاع الأمر لأمريكا وروسيا فقط من بين أعضائها، وتقدم هذان البلدان المنتجان للوقود النووي بمقترح يفيد بتوفير وقود نووي مخصب بنسبة 20% للمفاعل مقابل تسلمهما (1200 كغم) من نفس المادة بتخصيب نسبة 5%.
عصرایران - ان موضوع توفير الوقود النووي لمفاعل طهران البحثي، جعل هذا المفاعل الأكثر شهرة بين المفاعلات الناشطة في العالم. وكانت ايران قد بعثت قبل بضعة أشهر، رسالة الى الوكالة الدولية للطاقة النووية اطلعتها فيها على وشك نضوب وقود هذا المفاعل الخاضع لإشراف الوكالة، وطلبت من هذه الأخيرة العمل وفقاً لواجباتها القانونية في صعيد توفير الوقود للمفاعل المذكور.

وعلى اثر طلب ايران، قامت الوكالة باطلاع الأمر لأمريكا وروسيا فقط من بين أعضائها، وتقدم هذان البلدان المنتجان للوقود النووي بمقترح يفيد بتوفير وقود نووي مخصب بنسبة 20% للمفاعل مقابل تسلمهما (1200 كغم) من نفس المادة بتخصيب نسبة 5%.

وفي اكتوبر الماضي تم دراسة هذا المقترح في اجتماع بفيينا شارك فيه ممثلون عن ايران، وامريكا، وروسيا وفرنسا تحت إشراف الوكالة، وأسفر الأمر عن مسودة مقترح البرادعي، المدير العام للوكالة، والتي صادقت عليها الأطراف المتحاورة مع ايران كل في بلدها، معلنة استعدادها لوضع المقترح موضع التنفيذ.
ويقول علي أصغر سلطانية، ممثل ايران في الوكالة، ان روسيا اعتبرت الطرف الرئيسي في مسودة العقد مع ايران، في حين ان فرنسا تم إبعادها عن دور الطرف الرئيسي للمسودة. وقد سعى المسؤولون ووسائل الإعلام الغربية في تصريحاتهم الى التأكيد على انه نتيجة لتنفيذ هذه المسودة سيتم عملياً إبعاد العناصر اللازمة لصنع قنبلة نووية واحدة (حوالي الطن) من متناول يد طهران بصورة عملية، وبهذا ستقل ولمدة من الزمن مخاوف المجتمع الدولي، مما وصفوه التقدم الذي أحرزته ايران.

ثلاثة خيارات على الطاولة:

مع انتهاء مباحثات فيينا، أفصح خبراء وأهل الرأي عن تصوراتهم بشأن التعامل النووي مع الغرب، مبدين قلقهم من احتمال خداع الغرب وعدم تسليمه الوقود (المخصب بنسبة 20%)، واعتبروا ان (الثقة) بالغرب هي الحلقة المفقودة في هذا الاتفاق المحتمل.

وفي غضون ذلك، وضع مسؤولوا القضية ثلاثة خيارات على الطاولة بما يخص توفير الوقود لمفاعل طهران، وهي:

1- شراء الوقود النووي نقداً: الغرب يمتنع عن هذا العمل بذريعة القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي.

2- انتاج وقود بنسبة 20% من التخصيب داخل ايران: هذا الأمر يتطلب تغيير تركيب مواقع أجهزة الطرد المركزي في منشأة (نطنز). ويذكر ان الاحتياطي الحالي لليورانيوم (بنسبة تخصيب 5ر3%) يمكن استخدامه لإنتاج الوقود، ولكن هذا سيؤدي الى توجيه البلدان الغربية الاتهام لإيران بسعيها لإنتاج السلاح النووي.

3- تسليم الوقود (بنسبة 5ر3%) واستلام الوقود (بنسبة 20%): في هذه الحالة، ستتواصل عملية انتاج الوقود (بنسبة 5ر3%) في نطنز، واحتياطي الوقود المتبادل سيتم انتاجه مرة أخرى في فترة زمنية محددة. وفي حالة تطبيق هذا الاتفاق، فإن ايران ستحصل على وقود (بنسبة تخصيب 20%)، وأيضاً ستزيد احتياطيها من اليورانيوم (المخصب بنسبة 5ر3%) لاستخدامه في مفاعلات المياه الخفيفة والثقيلة.

مسودة البرادعي من وجهة نظر المصالح الوطنية الإيرانية

ان المسودة المقترحة من قبل البرادعي والتي تضمنت وجهة نظر ايران بوجوب مواصلة المباحثات، هذه المسودة تنطبق في نواحي منها مع المصالح الوطنية الإيرانية، ومن جهة أخرى تواجه أسئلة جديدة أيضاً.

فإيران في البداية طالبت بإبداء ملاحظاتها الفنية والاقتصادية في المباحثات المقبلة مع البلدان الأخرى المعنية. كما ان وزير الخارجية، منوجهر متكي، أعلن مؤخراً أيضاً عن مقترحات ايرانية حول استمرار التعامل النووي، لكن قال في حديث متلفز: ان الوكالة نفسها غير مطلعة على هذه المقترحات التي تعتبر سبلاً تشكل ورقة رابحة بيد ايران للمحافظة على مصالحها في اتفاقية الوقود لمفاعل طهران.

ان الخبراء يرون ان تنفيذ المسودة المقترحة من قبل الوكالة وتبادل الوقود النووي ستكون مترافقة مع نتائج هامة. وأهم هذه النتائج هي الاعتراف رسمياً وكاملاً من قبل المجتمع الدولي بحق ايران في التخصيب. علماً انه وفقاً لما وصل الى الأسماع، تعهدت أمريكا في المباحثات الأخيرة بفيينا بالحصول على قرار من مجلس حكام الوكالة حول عدم منع تقديم الوقود المخصب بنسبة 20%. وهذا القرار من شأنه ان يلغي آلياً القرارات المضادة لإيران في منظمة الأمم المتحدة، وبالتالي سيعتبر نصراً دبلوماسياً آخر لطهران.

وفي الوقت الحالي أعلن ان احتياطي ايران من اليورانيوم بنسبة تخصيب 5ر3% يزيد على 1500 كغم. ونظراً لعمل سبعة آلاف جهاز طرد مركزي في نطنز، سيمكن انتاج مثل هذا المقدار من اليورانيوم المخصب بنهاية العام القادم.

التردد والتساؤلات

كانت هناك حلقة مفقودة أخرى في مباحثات فيينا، عدا (الثقة) وتقديم الضمانات الغربية.

فعلى أساس الدراسة الخبيرة التي جرت، فإن المشكلة الأولى في المقترح الأمريكي والروسي تتمثل في عدم وجود تناسب بين اليورانيوم المسلم والمستلم. حيث انه في أحسن الأحوال يحتاج انتاج 116كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 75ر19% الى نحو 800كغم من اليورانيوم بتخصيب 5ر3%. وعلى هذا الأساس فإن استلام حوالي 400كغم اضافي من اليورانيوم بتخصيب 5ر3% من ايران هو أمر غير مبرر.

المشكلة الثانية هي حول الفترة الزمنية المستغرقة لتحويل اليورانيوم الى قضبان وقود. حيث ان هذه العملية تتطلب فترة لا تزيد على شهرين الى ثلاثة أشهر (مع الأخذ بنظر الاعتبار عملية النقل من روسيا الى فرنسا لتعبئة اليورانيوم في القضبان)، في حين ان القول ان العملية تستغرق 15 شهراً، هو قول لا معنى له. مضافاً الى هذا الحالات المتعددة في ماضي التعامل مع فرنسا وروسيا اللتان نقضتا تعهداتهما ولم تكن هناك أي قيمة للضمانات التحريرية من قبلهما، وهذا لا يمكنه ان يزيل مخاوف وقلق ايران.

التبادل التدريجي لليورانيوم في ايران

خلال الأيام الأخيرة له كمدير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، اقترح محمد البرادعي ان تقوم دولة صديقة لإيران، مثل تركيا، بالاحتفاظ بالمخزون الإيراني من اليورانيوم 5ر3% بدلاً من ارساله الى روسيا، على ان يتم التبادل بعد الانتهاء من إعداد اليورانيوم 20% بصورة متزامنة.

يأتي هذا في وقت يرى فيه بعض الخبراء ان وجهة النظر الإيرانية هي أقرب ما تكون الى فكرة التبادل المتزامن للوقود النووي 5ر3% وقضبان الوقود في داخل الأراضي الإيرانية، على ان يتم اختزان المخزون الإيراني الذي تعود ملكيته الى الوكالة الدولية حتى يتم اعداد الوقود 20%، ثم يتم ارساله الى بلد ثالث (حسب قول هؤلاء الخبراء).

ان اليورانيوم المخصب الموجود في ايران، مهم من حيث انه من وجهة النظر الغربية يعتبر الورقة الرابحة بيد ايران في المفاوضات النووية، لأن الغرب يتخوف من ان تقوم ايران باستخدام اليورانيوم المخصب بنسبة 5ر3% لغرض انتاج اليورانيوم المخصب بنسب 20 و60 و90% عبر ثلاثة مراحل تخصيب.

وتعتقد المصادر الغربية بأنه إذا ما تم أخذ هذه الكمية من اليورانيوم - الذي يشكل القدر الأكبر من اليورانيوم المخصب الإيراني خلال السنوات الأخيرة - فإن ايران ستكون خالية اليد من أية ورقة رابحة في المرحلة القادمة من المفاوضات.

لذا من المتوقع ان ينجح الطرف المقابل في ظل وضع كهذا في احراز تقدم دبلوماسي وتقديم طلبات جديدة.

وان أياً من المقترحات المعروضة، ومن ضمنها الإعلان والالتزام الرسمي للطرف المقابل الى ايران، لا يمثل ضماناً حقيقياً يعتمد عليه، ومن الطبيعي ان يكون مرفوضاً من قبل ايران. وفي ظل ظروف كهذه كان التساؤل الغربي هو: ما العمل؟

جاء الرد على هذا التساؤل ما كان يعد خطاً أحمر بالنسبة لإيران لا يمكن تجاوزه وهو الاحتفاظ باليورانيوم المخصب داخل الأراضي الإيرانية وتبادله بصورة متزامنة مع ارسال الوقود الى بلادنا.

يأتي ذلك في وقت اقترح الطرف المقابل، وبالتحديد امريكا وروسيا، ان تسلم ايران ما بحوزتها من اليورانيوم الى روسيا وان تصبر عاماً واحداً حتى تستلم الوقود النووي، وطبعاً من غير المعلوم ما الذي سيحدث خلال فترة العام المقبل وكيف يمكن التأكد من عودة هذه الثروة. ان ايران مصرة على موقفها في استلام الوقود أولاً وبعد ذلك تقوم بتسليم ما بحوزتها من اليورانيوم، وان يتم هذا التبادل تحت إشراف الوكالة الدولية وبصورة متزامنة.

علاوة على ذلك، لا تنوي ايران تسليم ما لديها من اليورانيوم دفعة واحدة، وإنما ستقوم بتبادل قسم منه بغية الاحتفاظ بمخزونها من اليورانيوم المخصب داخل البلاد، وان تحتفظ بهذه الورقة الرابحة في يدها.

ان بعضاً من الخبراء ينصحون بتنفيذ عملية تبادل الوقود النووي على مراحل. ولكي تتم تلبية حاجة ايران الى 116كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، ينبغي على ايران تسليم حوالي 800كغم كأقصى كمية من اليورانيوم المخصب بنسبة 5ر3% المنتج في ايران للطرف المقابل، وذلك عبر دفعتين مقدارهما 400كغم لكل دفعة.

ومن أجل إزالة مخاوف الطرفين، يتم استلام الشحنة الأولى بمقدار حوالي 60كغم من اليورانيوم 20% بعد إبرام عقد دفع مبلغه، بالتزامن مع تسليم 400كغم من اليورانيوم 5ر3%. اما تبادل الشحنة الثانية من اليورانيوم، وكما جاء في مسودة الوكالة، فيتم بعد حوالي 15 شهراً من استلام الشحنة الأولى التي مقدارها 400كغم المستبدلة مع قضبان الوقود النووي، في حين يجري تبادل 400كغم من اليورانيوم 5ر3% إزاء 60كغم من اليورانيوم 20% الثانية.

ويرى هؤلاء الخبراء، انه إذا ما رفض هذا الاقتراح من قبل الجانب الغربي، فإن ذلك سيكون معناه أنهم يبيتون النية لأهداف أخرى من إجراء هذه الصفقة. ويؤكد علاء الدين بروجردي، رئيس لجنة الأمن الوطني والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإسلامي، على ان موضوع التسليم التدريجي أو من خلال دفعة واحدة للوقود 5ر3% من أجل استلام الوقود 20% الذي يحتاجه مفاعل طهران البحثي مرفوض تماماً.

وحول هذا الموضوع أيضاً أشارت صحيفة (لوموند) الفرنسية الى حديث رئيس الجمهورية، وكتبت قائلة: ان ايران تفضل شراء الوقود النووي. كما أعلن أندريه نسترنكو المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية: ان هذه الوزارة تأمل في ان تقدم ايران رداً إيجابياً قريباً على اقتراح الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن نسبة تخصيب اليورانيوم الإيراني في خارج البلاد. ولم يبد هذا المسؤول الروسي موقفاً إزاء الإعلان عن الحاجة الى ضم الملاحظات الفنية والاقتصادية الإيرانية للمقترح. وقبل ذلك كانت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، وصفت مسودة الوكالة الدولية للطاقة الذرية غير قابلة للتعديل، ودعت الى الرضوخ لجميع بنوده من قبل ايران.

فرضيتان حول نهاية التعامل النووي

هناك فرضيتان أحداهما متشائمة والأخرى متفائلة بشأن الأسلوب الذي يتخذه الغرب وخاصة أمريكا حيال التعامل النووي مع ايران.

الأولى ترى ان الغرب لن يعترف بتنفيذ الاتفاق المقترح، حتى مع الرؤية الإيجابية الإيرانية إليه، وذلك على ضوء الأسلوب الذي تتخذه أطراف المفاوضات (روسيا: محطة بوشهر، أمريكا: الخطوات المضادة لإيران بعد الثورة، فرنسا: عدم تسليم حصة مشاركة ايران في منشآتها النووية). وفي مثل هذه الحالة فإن الرأي العالمي أيضاً سيكون لديه انطباع بأن طهران ستتابع موضوع تأمين وقودها النووي بنسبة 20% لمفاعلها البحثي المخصص للأغراض الإنسانية.

ونظراً للحاجة المتزايدة الماسة التي يعاني منها المرضى في البلاد، وخاصة منهم 850 ألف شخص يعانون من السرطان، وكذلك بسبب طول الزمن المحدد لاستقرار العقاقير الإشعاعية المنتجة، يبدو ان انشاء مفاعلات جديدة في أماكن مختلفة من البلاد سيكون ضمن برامج الحكومة، وسيتم تأمين حاجة هذه المفاعلات من الوقود 20% الذي يتم انتاجه في مفاعل نطنز.

أما الفرضية المتفائلة، فتتوقع اقدام أمريكا بجدية على الخروج من الطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات.

وقد انعكست مؤشرات هذا التغيير في التعامل في تصريحات عدد من المفاوضين الأمريكان، من بينهم هاوارد برمن، ممثل أمريكا في مفاوضات فيينا، الذي يعتبر اقتراح تبادل الوقود تكتيكاً للاتصال بإيران ضمن الحفاظ على ماء الوجه. هذا يأتي في وقت كان لبرمن هذا، وهو الممثل الحالي لأمريكا في الوكالة الدولية وفي المفاوضات النووية الحالية، مواقف متطرفة إزاء النشاط النووي الإيراني، وكان يؤمن بضرورة توقف هذه النشاطات، وإزالة المنشآت الإيرانية والقضاء عليها في نهاية الأمر.

كما ان تصريحات هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية حول إنشاء مظلة دفاعية لإسرائيل، تتم عن نظرة التزمها البيت الأبيض حول ضرورة عبور ايران من نقطة اللاعودة ولزوم الاستعداد للتعايش مع ايران النووية. وبيّنت هذه التصريحات ان امريكا تنوي في الحقيقة ان تستخدم الإعلام بشأن مسودة الاتفاق الذي لم يصبح نهائياً بعد، كوسيلة لحفظ ماء الوجه وتبرير للاتصالات مع ايران، أكثر مما هو لفرض ايقاف ايران.

ومع كل هذه التحليلات، فإن النقطة الرئيسية التي تؤكد عليها ايران لمواصلة المفاوضات بشأن تأمين الوقود النووي، هي موضوع التبادل المتزامن للوقود 5ر3% و20%، حيث ان أخذ هذا الأمر بنظر الاعتبار وبالنظر للسوابق السيئة لأطراف التفاوض في تقديم ضمانات عملية بإمكانه تأمين مطالب ايران، وفي نفس الوقت إلزام الطرف المقابل برعاية الاتفاقيات. عدا ذلك ومع اتضاح محاولات ايران لكسب الثقة بالنظر للطاقات والقابليات الموجودة داخل البلاد، سوف لن يكون هناك أي مبرر يقف في وجه مواصلة التخصيب الى مستوى 20%، في وقت يعد استمرار وتوسيع النشاطات النووية السلمية الهدف الأكيد للمفاوضات وان مسودة اتفاقية التبادل المحتملة التي قام بتنظيمها السيد البرادعي لا تمنع أو تنفي استمرار نشاط التخصيب الى نسبة 5ر3 وإلى 5% في نطنز، ولا يوجد في أي من بنودها ما يمنع التخصيب الى نسبة 20% في ايران.

من جهة أخرى فإن ثقة علماء الذرة الإيرانيين بامتلاكهم للقدرات الفنية اللازمة للتخصيب الى نسبة 20% في داخل البلاد، بإمكانها ان تزيد من الضغوط على أمريكا وروسيا لقبول ملاحظات ايران الفنية والاقتصادية.