رمز الخبر: ۱۸۰۶۴
تأريخ النشر: 08:03 - 30 November 2009
عصرایران - الانتعاش في دبي كان ضخما بمقاييس فاجأت العالم باسره، حتى انها اصبحت محجا لكل الباحثين عن الثراء السريع، ورجال الاعلام الغربيين الذين كتبوا المعلقات عن هذه المعجزة التي قامت فوق صحراء ملتهبة، ولكن هذه المعجزة لم تعمر طويلا، وانفجرت 'الفقاعة' في زمن قياسي ايضا وبشكل مدو.

المسؤولون في دبي سيدخلون التاريخ على انهم اعظم خبراء تسويق في العصر الحديث، فقد نجحوا في بيع بلادهم وازدهارها البراق الى العديد من البنوك العالمية الكبرى، علاوة على عشرات الآلاف من الحالمين بالثراء من الفقراء الذين شاهدوا اسعار العقار تتضاعف في اقل من عام، فاستدانوا او باعوا كل ما لديهم من اصول للدخول في مصيدة المقامرة العقارية هذه، فخسروا كل شيء تقريبا في طرفة عين، ومن المتوقع ان تزداد خسارتهم، وآخرين مثلهم، هذا الصباح حيث يتوقع خبراء المال ان تنخفض الاسهم بمقدار عشرة في المئة في البورصات الاماراتية خصوصا، والخليجية الاخرى، وهو الحد الادنى للانخفاض في يوم واحد بمقتضى القوانين.

ولعل الخاسر الاكبر هم المساهمون في البنوك الاسلامية التي استثمر المسؤولون فيها مليارات الدولارات من اموال الفقراء في الشركات العقارية مثل 'عالم دبي' و'اعمار'، وهي شركات مملوكة بنسب كبيرة للدولة.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة في اوساط دوائر المال الغربية هو عن اسباب غياب الوضوح، والسكوت عن هذه الازمة طوال الاشهر الماضية، دون الحديث عنها، او طلب المساعدة للخروج منها. ويذهب بعض الخبراء الى درجة اتهام دبي والاسرة الحاكمة فيها باخفاء الحقائق بطريقة متعمدة، على اعتبار ان هذه الحقائق من اسرار الدولة العليا التي لا يجب ان يطلع عليها احد.

قبل ثلاثة اسابيع طالب حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم منتقديه 'بان يخرسوا' مؤكدا ان حكومته مسيطرة سيطرة كاملة على مشكلتها المالية. وقال انه لم يرتكب اي خطأ طوال السنوات الماضية. وفي الاسبوع الماضي ابلغ ابنه وولي عهده الشيخ حمدان المستثمرين والصحافيين ان اقتصاد الامارة يتقدم بشكل سلس، بينما ادعى اكبر 'هوامير' العقار في الامارة ان معدل النمو في الامارة سيبلغ خمسة في المئة هذا العام. هذه التصريحات اعطت انطباعا بان دبي ستتجاوز الازمة المالية الى بر الامان.

لا نعرف لماذا اختار المسؤولون عن القطاع المالي في دبي يوم وقفة عرفة لاعلان عجز شركة 'دبي العالمية' للعقار عن تسديد اقساط ديونها للبنوك الاسلامية، وتأجيل الدفع ستة اشهر دفعة واحدة. الامر الذي ادى الى افساد فرحة العيد لمئات الآلاف من صغار المستثمرين في هذه البنوك الاسلامية وسنداتها.

اقتصاد دبي يجب ان لا ينهار، ولا بد من انقاذه من عثرته الحالية باسرع وقت ممكن، وهذه مسؤولية امارة ابوظبي التي تجلس على صندوق سيادي تصل قيمته الى اكثر من تريليون دولار، مستثمرة في غالبها في دول اوروبية.

صحيح ان امارة ابوظبي قدمت عشرة مليارات دولار الى شقيقتها امارة دبي هذا العام. وعادت وقدمت خمسة مليارات اخرى مساعدة قبل اسبوع فقط كقرض، ولكن هذه الاموال كانت بكل تأكيد مشروطة بدفع مستحقات شركات المقاولات الاجنبية، وليس الى الشركات العقارية المحلية.

والمأمول ان تواصل حكومة ابوظبي المنحى نفسه، وضخ المزيد من المليارات لتقليص الخسائر والحيلولة دون حدوث الانهيار الكبير.

تجربة دبي هذه يجب ان تدرس بشكل جيد من قبل كل الدول الخليجية التي حاولت اتباع النهج نفسه، ونحن نشير هنا الى كل من ابوظبي وقطر وبدرجة اقل البحرين وسلطنة عمان.

عنوان هذه التجربة هو 'الجشع' من قبل بعض كبار رجال الاعمال الذين كشفوا عن استعداد للتضحية بالبلاد وامنها واستقرارها وهويتها ومستقبل اجيالها القادمة، من اجل زيادة ارصدتهم المالية في البنوك بعشرات المليارات.

المشكلة ان صغار المستثمرين والموظفين العاديين، من اهل البلاد او الوافدين اليها من عرب واجانب، هم الضحية الاكبر لمثل هذه الازمة، لانهم اشتروا الوهم من عرقهم ومن قوت اطفالهم واسرهم، ولن يجدوا من يعوضهم بسبب غياب القوانين التي تحتم ذلك.