رمز الخبر: ۲۲۹۳۱
تأريخ النشر: 09:16 - 18 May 2010
عصرایران - اجتماع المرشد الأعلى للثورة في ايران مع الرئيس البرازيلي ودعوته اياه لتشكيل مجموعة الدول المستقلة على مستوى العالم للحد من الهيمنة الامريكية الاحادية، وتصريح الرئيس البرازيلي بأن العالم يتغير بسرعة وعلى الأمم المتحدة اللحاق بركب هذه المتغيرات، وإن قوى جديدة فاعلة أخذت موقعها على خارطة الجغرافية السياسية المتغيرة بينها ايران، يجعل من المراقبين للحدث الايراني التنبؤ بحصول انفراج كبير يجبر الامريكيين على التخلي خيار الحرب الاسرائيلي نهائيا والإذعان لشروط طاولة الحوار!

بعد جنيف وفيينا، كانت نيويورك هي نقطة انطلاق المرحلة الجديدة لديبلوماسية حياكة السجاد الايراني هذه المرة، حيث العشاء الديبلوماسي الرفيع الذي اقامه رئيس الديبلوماسية الايرانية منوجهر متكي للاعضاء المؤقتين والدائمين لمجلس الامن الدولي على هامش مؤتمر منع الانتشار النووي، والذي حضره من الجانب الامريكي مساعد سوزان رايس مندوبة الادارة الامريكية في المجلس المذكور، والذي يقال أن متكي عقد معه على هامش ذلك العشاء محادثات هي الأهم منذ مدة بين طهران وواشنطن، وهو الرجل الذي يقال أنه رجل المهمات الصعبة في الخارجية الامريكية!

وأول الغيث الذي انهمر من وراء هذا الاجتماع كان في واشنطن، حيث تسلمت أمهات المعتقلين الامريكيين الثلاثة المتهمين بدخول الاراضي الايرانية خلسة لاهداف تجسسية، وهو ما قد يشير الى انفراج ما يبحث عنه الجانبان لابعاد العالم والمنطقة العربية والاسلامية من جنون طبول الحرب الاسرائيلية على خلفية النووي الايراني او سواه!

نقطة الغيث الثانية كانت تفعيل الوساطتين التركية والبرازيلية على طريق صفقة تبادل اليورانيوم المخصب بنسبة منخفضة لطهران بيورانيوم مخصب بنسبة عالية من الدول الكبرى المحتكرة لهذا النوع منه، من أجل احباط خطوة العقوبات الجديدة التي تهدد بها واشنطن ضد العاصمة الايرانية!

وهكذا طار متكي من نيويورك الى انقرة، ومن بعده طار وزير خارجية البرازيل الى طهران، ودارت دورة المباحثات المكثفة على اكثر من صعيد والتي يفترض أن تفضي في احدى سياقاتها الى استئناف مفاوضات جنيف بين طهران والدول خمسة زائد واحد ولكن هذه المرة في انقرة!

هذا بينما سيتوج سياق الاتجاه الثاني وهو ما يخص صفقة التبادل بالذات في اجتماعات طهران حيث تشخص إليها الانظار في هذه الساعات لتخرج ما عندها بعد القمة التي جمعت بين رئيسي البرازيل وايران، وذلك على هامش اجتماعات مجموعة الـ 15 العالم ثالثية التي تذكرنا بمجموعة باندونغ والتي صادف أن تكون العاصمة الايرانية محل انعقاد دورة اجتماعاتها الرابعة عشرة!

وفيما وصفت واشنطن المحاولة الجارية كعادتها بأنها قد تكون الفرصة الأخيرة لطهران قبل اطلاق موجة جديدة من العقوبات كما ترغب وتتمنى، فإن طهران ترى في القمة بمثابة محاولة لإنقاذ ما يمكن انقاذه من سمعة للدول الكبرى التي تلطخت بتهديدات اوباما لإيران بمهاجمتها بالاسلحة النووية، اضافة الى ترسيخ ايران بمثابة دولة كاملة العضوية في النادي النووي الدولي بحضور شهود دوليين من نوع متفاوت عن الدول الكبرى الاحتكارية!

المتتبعون لهذا الحراك الايراني والاقليمي والدولي حول مستقبل الملف النووي الايراني، يعتقدون بأن ثمة ضوء في آخر النفق المظلم الذي لطالما حاولت واشنطن تصويره بخصوص هذا الملف ما قد يدفع الى تبلور فضاءات من الانفراج ويفضي تاليا الى انجاز الصفقة، وهو ما سيبطل ويفند اذا ما حصل كل التهويل والتزمير الذي كان يروج للحرب ولساعة الصفر!

وأولى بشائر هذا الحراك هو التصريح الهام الذي تردد على انغام هذه الجهود من قبل الرئيس الروسي حيث قال بأن مجموعة الدول خمسة زائد واحد باتت مقتنعة جميعا بالحل التفاوضي مع طهران!

نعم قد تكون ثمة جزئيات وتفاصيل كثيرة لابد من متابعتها بعناية من قبل الوسطاء وقد تتعرض هذه الجهود لبعض الانتكاسات هنا او هناك او تتعثر على ابواب هذه العاصمة او تلك لاسيما اذا ما أخذنا بعين الإعتبار المنافسة التركية البرازيلية على دور الوسيط الأول الأمر الذي جعل الطيب اردوغان يبعث وزير خارجيته لطهران بدلا عنه، لكن المهم هو انجاز عملية الاطلاق لإطار التفاهم!

وإطار التفاهم الذي يفترض أنه في طريقه الى الإنجاز هو أن تقبل طهران بمبدأ التبادل، فيما تقبل الدول الكبرى بمبدأ التزامن وتقديم الضمانات العينية!

اما موضوع مكان التبادل، والذي كانت طهران تعلن أنها تريده أن يكون على أراضيها، فانه مع دخول الصديقين التركي والبرازيلي مترافقا مع الضمانات العينية فانه يصبح ثانويا بعض الشيء، الا اللهم اذا ما ابدت الدول الكبرى تلكؤها المعهود!

وزير خارجية البرازيل كان واضحا بهذا الصدد، وذلك عندما أكد بأن صيغة الغرب لصفقة التبادل المطلوبة لتجسير الثقة، صيغة غير مشجعة وغير مقبولة!

وهنا لابد من الاشارة أيضا بأن المفاوض الايراني هو الآخر بات اليوم في وضع لم يعد فيه مضطرا كثيرا لانجاز صفقة التبادل بأي ثمن كان كما كان من قبل، وذلك بعد أن زاد من احتياطييه الاستراتيجي من اليورانيوم المخصب من جهة، كما أن دورة التخصيب نفسها قد تم رفعها الى ما يوازي النوعية التي تنوي الدول الكبرى تقديمها له، وهو ما من شأنه أن يجعل ايران تعزز موقفها اكثر فاكثر ويجعلها تمتلك اليد العليا في عملية التفاوض الحالية!

وحده الصبر الاستراتيجي اذن، والحنكة في ادارة المفاوضات دون الدفع بها نحو الاستفزاز، كما عدم الوقوع في فخ الابتزاز هو الذي اوصل الامور الى ما نحن عليه الآن!

مصادر رفيعة المستوى في طهران اكدت لنا بما لا يقبل الشك والترديد بان الغرب لم يبق امامه الا التعامل السلس والمرن مع الحكومة الايرانية و أن ايران ستثبت للعالم في هذه الايام وبشهادة اصدقائها وأصدقاء امريكا المشتركين، بأنها تملك ارادة الحوار الهادئ، وترغب صادقة في تجسير علاقتها مع المجتمع الدولي رغم معرفتها التامة باختطاف هذا المجتمع من قبل المحور الامريكي الاسرائيلي، وتصميمه على وضع ايران في قفص الاتهام زوراً وبهتاناً.

انها لعبة الامم التي لطالما حاول البعض التخفي تحت عبائتها، فيما تحاول طهران اليوم كشف الحقيقة على الملأ كما هي، حيث لم يبق للكبار من محتكري القرار الدولي او مختطفيه سوى الرضوخ والاذعان لمجريات امور باتت اكثر اوراقها خارج سيطرتهم!

وهي تفاوض واشنطن حول مستقبلها النووي بالوكالة عمليا عبر الوسيطين البرازيلي والتركي، شهدت العاصمة الايرانية اجتماعات عالمثالثية مهمة تذكرنا باجواء مؤتمر باندونغ حيث اللقاءات على مستوى زعماء ومسؤولين كبار من دول العالم الثالث من قارات امريكا اللاتينية وافريقيا وآسيا بينهم تشافيز ولولا وبوتفليقة ورؤساء السنغال وزيمبابوي ووزراء خارجية الهند وتركيا، جاءوا جميعا ليبحثوا حقوق الدول النامية في مجال التجارة والتكنولوجيا وكيفية استحصالها من الدول الاحتكارية الكبرى!

انها ديبلوماسية الكفاح البناء من اجل انتزاع الاعتراف بالحقوق و الادوار بروح لا تخاف التهويل بطبول الحرب وتكذب انباء ساعة الصفر، من خلال احباط كل اساليب الحرب النفسية القائمة على الخداع والتحايل والمخاتلة، ورمي الخصم بالتهم الباطلة في الغرف المظلمة والمغلقة!

وهكذا تصبح الكرة من جديد في ملعب الدول الكبرى، والصادق منهم هو من سيقبل التحدي ويقبل التفاوض المتكافئ والا تم تعريته امام الرأي العام الاقليمي والدولي!

الايام المقبلة ستكشف المزيد مما يثبت ان لا خيار مع طهران ينجح الا خيار الحوار والتفاوض والتعامل المتكافئ وكل خيار آخر لن تكون حصيلته الا الصفر، خاصة اذا كان خيار الساعة صفر والذي اثبتت طهران حتى الآن قدرتها على احباطه كلما روجت واشنطن وتل أبيب بأنه بات قريباً!

محمد صادق الحسيني