رمز الخبر: ۲۳۵۱۴
تأريخ النشر: 10:51 - 10 June 2010
مازيار اقازادة
عصر ايران -  مازيار اقازادة

ان السلطان محمد الفاتح الثاني او زعيم الامبراطورية "العثمانية الحديثة" ايا كان، فان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان يلقب هذه الايام كثيرا بهذه الالقاب والاسماء.

واذا كانت سفن السلطان محمد الفاتح السلطان العثماني القوي استطاعت عام 1453 ، الاستيلاء على ميناء القسطنطينیة قلب امبراطورية الروم الشرقية بعد اشهر من محاصرته وان تضع بذلك نهاية لهذه الامبراطورية التي استمرت على مدى الف سنة، فان رجب طيب اردوغان يسعى اليوم ، من خلال ارسال سفن المساعدات الى ميناء غزة فتح المزيد من القلوب في العالم الاسلامي بدلا من فتح البلدان.

ان رئيس الوزراء التركي، يدعم اليوم وبشدة الحملة الدولية الرامية الى كسر حصار غزة وحول بلاده الى احد المعاقل الرئيسية لدعم اهالي غزة المحاصرين.

وبذلك فان تركيا تكون قد ادارت ظهرها للعلاقات الحميمة التي كانت تربطها لعدة عقود مع اسرائيل وعقدت الامل على المضي قدما نحو افاقا بعيدة ، الافاق التي يرى القادة الاتراك انها في المتناول وان احدى الطرق السريعة لنيل هذه الافاق هو احياء "الامبراطورية العثمانية الحديثة" وكسب زعامة العالم الاسلامي واستقطاب الراي العام الاسلامي والعربي.

ان تركيا اليوم مختلفة تماما عن تركيا قبل عقد من الزمن والعقود السالفة. ويبدو ان الزعماء الاسلاميين الاتراك الجدد قد تخلوا عن توصيات ونصائح مصطفى كمال باشا اب تركيا الحديثة، وكان اتاتورك يؤكد على "الشعب التركي" ورسم مسارا عن الحداثة والانبهار بالغرب على انقاض الامبراطورية العثمانية المقسمة ، واوصى الاجيال المستقبلية "للشعب التركي" ان ينظروا الى "الغرب" اكثر مما يتقيدون بالتقاليد والماضي ان ارادوا تحقيق التنمية والرخاء والتقدم.

وكان قد تم التقيد بنصيحة اتاتورك هذه حتى الاعوام الاولى من القرن الحادي والعشرين ، وكلما لم يحدث ذلك ، كان العسكريون والجيش المدافع عن الاتاتوركية، يتدخل لاصلاح ما يتصوره المسار الخطأ ، واعادة عربة السياسة التركية الى سكتها التي ارساها "اتاتورك".

الان وقد اربك وصول حزب اسلامي الى السلطة في تركيا باغلبية باهرة من اصوات الشعب ، كل شئ. فقد دخل رجل جديد وبافكار ورؤى مختلفة عن اتاتورك الساحة السياسية في تركيا وتولى اعلى منصب تنفيذي في هذه الجمهورية العلمانية ، وهذا الشخص ما هو الا "رجب طيب اردوغان".

ومنذ ان وضع اجداد واسرة اردوغان من ميناء باتومي بجورجيا اقدامهم على ارض الاناضول والى ان دخل رجب الشاب الى البرلمان التركي عام 1990، كان هو الرجل الوحيد من اخلاف اجداده واسرته الذي بذل هكذا جهدا وامسك بحبال السياسة ليرفع نفسه الى اعلى منصب سياسي.

ولم يمض رجب طيب اردوغان عقد التسعينيات بشكل جيد، وعندما تولى رئاسة بلدية مدينة اسطنبول شبه الاوروبية وشبه الاسيوية، وقرأ قصيدة شعرية ، اعتبر فيها ان مآذن المساجد تشكل سيفا لمواجهة اعداء الاسلام والايمان، وذلك في العصر الذي كانت تسيطر فيه الاحزاب والنخبة العلمانية والاتاتوركية على السلطة بالكامل.

ان اردوغان الذي انفصل عن ابيه المعنوي "نجم الدين اربكان" عام 2001 ، سار على طريق تاسيس حزب جديد باسم "العدالة والتنمية" وجمع حوله جمعا من النخب الشابة والتي تشاطره الراي والتفكير، الى ان استطاع حزب "العدالة والتنمية" الحديث التاسيس في نوفمبر 2002 وبشكل لا يصدق من الفوز بنحو 40 بالمائة من الاصوات في الانتخابات وحصل على اغلبية المقاعد في البرلمان التركي وتشكيل حكومة من حزب واحد مستقرة وغير ائتلافية. وهذا كان على وجه الدقة الشئ الذي تحتاج اليه تركيا المنهكة بازمة الحكومات الائتلافية وغير المستقرة وكذلك الازمات الاقتصادية المتتالية.

ومنذ عام 2003 ، وبعد رفع الحرمان عنه عن ممارسة العمل السياسي ، تمكن اردوغان الامين العام لحزب العدالة والتنمية الحديث التاسيس من احراز منصب رئيس الوزراء وتمكن من الاحتفاظ بهذا المنصب لاكثر من سبع سنوات.

وقد استطاع اردوغان من خلال انجاز الاصلاحات الاقتصادية والسياسية ، استقطاب الراي العام في بلاده ، وكسب وجهة نظر الاتحاد الاوروبي الايجابية تجاهه من خلال انجاز الاصلاحات الديمقراطية وتقليص سلطات مؤسسات مثل الجيش.

وقد اتى المفكر الامريكي صموئيل هنتينغتون في كتابه "صراع الحضارات واعادة تاهيل النظام الدولي" على ذكر تركيا بانها احدى الدول الاسلامية الست الكبرى التي تملك قدرات كامنة وفعلية في قيادة العالم الاسلامي. وخلاصة ما ذكره هنتيغنتون في كتابه هو "ان من الافضل لتركيا وبدلا من الاستجداء والانتظار خلف ابواب الاتحاد الاوروبي، ان تقوم بتطوير وتنمية نفسها بوصفها دولة تقع ضمن مجموعة الحضارة الاسلامية وفي الوقت ذاته حديثة وديمقراطية وان تتحول بين الدول الاسلامية الى دولة كبيرة وحديثة".

ان قول هنتينغتون واخرين من المراقبين للشان التركي اخذت على محمل الجد من قبل اردوغان وفريقه السياسي (لاسيما وزير خارجيته احمد داود اوغلو) قبل سبع سنوات ويبدو ان تركيا وضعت قدميها على طريق احياء الدولة "العثمانية الحديثة".

والمؤشرات البارزة على هذا التغيير والتوجه التركي تتمثل في النقاط التالية :

- التوجه نحو الشرق بدلا من التوجه البحت نحو الغرب

- العمل على تسوية مشكلة الاكراد

- العمل على اقامة علاقات مع ارمينيا

- تفعيل العلاقات مع روسيا

- تنشيط السياسات الاقليمية التركية في الشرق الاوسط

- احياء العلاقات مع العالم العربي

- الوساطة بين اسرائيل وسورية

- التقرب من ايران

- متابعة سياسة عدم تحدي الجيران او تقليص احتمال التوتر والصراع مع الدول الجارة الى الحد الادنى منه او الى الصفر.

ان متابعة هذه السياسات وتدوير عجلة السياسة الخارجية التركية باتجاه الشرق والعالم الاسلامي وصلت الى مرحلة جعلت من تركيا اليوم تقف بوجه اسرائيل.

لقد كانت تركيا منذ العقود المنصرمة اهم حليف اقليمي لاسرائيل وحتى انهما وقعا عام 1996 اتفاقا للتعاون الاستراتيجي، يقومان بموجبه بالتعاون الاستخباراتي والامني والعسكري.

وكانت تركيا واسرائيل اقرب حليفين اقليميين لعقود الى الولايات المتحدة، ومن هذا المنطلق فقد حاولت واشنطن بناء اسس سياساتها الشرق اوسطية على تعميق وتمتين التعاون مع تركيا واسرائيل.

ان الانعطاف التركي نحو الشرق وتولى باراك اوباما السلطة في اميركا والمتطرفون اليمينيون في اسرائيل احدث ثغرات عميقة في كل من اضلاع مثلث الاتحاد هذا ، بحيث ان العلاقات بين اميركا واسرائيل تمر اليوم بفتور كما ان العلاقات بين اميركا وتركيا لم تعد تملك الحيوية السابقة بسبب عدم التعاون التركي في حرب العراق وكذلك توجه السياسة الخارجية التركي نحو الشرق.


الا ان اكثر اضلاع هذا المثلث تازما ، هو العلاقات بين تركيا واسرائيل. ان تركيا ومنذ حرب ال22 يوما على غزة (في ديسمبر 2008) غيرت من لهجتها وسياستها تجاه اسرائيل. وان البادئ في النزاع بين انقرة وتل ابيب هو رجب طيب اردوغان. فقد وصف في منتدى دافوس في ربيع 2009 الكيان الاسرائيلي بانه كيان "مجرم" وذلك بسبب ارتكابه جرائم حرب في غزة، وغادر الاجتماع الذي جمعه مع رئيس اسرائيل شيمون بيريز تعبيرا عن الاحتجاج والغضب.

ان اجراء اردوغان هذا قوبل بردود فعل ايجابية من الراي العام التركي وكذلك الراي العام في البلدان العربية والاسلامية. واعتبر العرب ، اردوغان بانه بطل واثنوا على دعمه لمظلومية الشعب الفلسطيني.

لكن الامر لم يتوقف عند هذا الحد ، فقد بدات حكومة اردوغان الحرب مع اسرائيل في المجالات الثقافية ايضا وتم عرض مسلسلات تلفزيونية معادية لاسرائيل في بعض القنوات التلفزيونية الحكومية والخاصة في تركيا.

ان اسرائيل وكرد فعل على بث هذه المسلسلات التلفزيونية ضدها في التلفزيونات التركية ، استدعت السفير التركي الى وزارة خارجيتها ، وقام داني ايالون نائب وزير الخارجية الاسرائيلي متعمدا امام عدسات التلفزيون باهانة السفير التركي واعلن صراحة امام الصحفيين بان السفير التركي يجب ان يبحث عن اسباب هذه الاهانة لا في اسرائيل بل في سياسات حكومته المعادية لاسرائيل.

ان هذا الاجراء الاسرائيلي قوبل بردة فعل تركية واستدعي السفير الاسرائيلي لدى انقرة الى وزارة الخارجية التركية وتم استدعاء سفير تركيا لدى تل ابيب الى تركيا. كما اعلن الاتراك بان على اسرائيل ان تعتذر عما بدر عنها من اساءة وهذا العمل الذي لا يتسم باللياقة الدبلوماسية.

وبعد هذا الاجراء ، اعتذر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو من تركيا ، وتمت التغطية على الازمة الحادثة الى حد ما من خلال اعتذار نتانياهو وايالون شخصيا وكذلك زيارة وزير الدفاع الاسرائيلي الى انقرة الى ان حان دور الحملة الدولية لرفع الحصار عن غزة والدور المتالق لحكومة اردوغان الداعم لهذا الاجراء ، فادخل العلاقات بين تركيا واسرائيل مرحلة جديدة من الازمة والتوتر.

ان الهجوم الذي شنه الكوماندوس الاسرائيلي على سفينة "مرمرة" ضمن قافلة الحرية والتي كانت تنقل 10 الاف طن من المساعدات الانسانية لاهالي غزة ، الحق صدمة اخرى بالعلاقات بين تركيا واسرائيل. ان هذا الاجراء الاسرائيلي رسم خطا داميا على حدود العلاقات بين الطرفين واعلن المسؤولون الاتراك ، انهم لن ينسوا العمل الاسرائيلي هذا ضد المواطنين الاتراك حتى ولو قدمت اسرائيل اعتذارا ورفع الحصار عن غزة.

ومع تسليط الضوء على السياسة الخارجية التركية في المنطقة والعالم يمكن مشاهدة فكرة حكومة اردوغان في مجال احياء الدولة العثمانية الحديثة. وبعد حادث سفينة مرمرة، شهدت اغلبية الدول العربية تجمعات احتجاجية ومظاهرات عارمة كان المشاركون فيها يحملون صورا لاردوغان اكثر من رموز واعلام دولهم.

ان حكومة اردوغان تعرف جيدا بانه ومن اجل احياء الامبراطورية العثمانية الحديثة يجب استقطاب الراي العام في العالم وان احد الطرق لذلك هو ان تكون في الجبهة المعادية للصهيونية. ان الراي العام العربي يشهد بانه في الوقت الذي تلوذ فيه حكوماته المحافظة وغير المنتخبة بالصمت والخمود ، فان تركيا هذه الدولة الحديثة والاسلامية التوجه في نفس الوقت ، تقف في الصف الامامي في مواجهة اسرائيل وتدفع حتى ثمن هذه المواجهة.

لذلك وعلى الرغم من ان العرب لا يحملون ذكريات جيدة تاريخيا عن الاتراك العثمانيين وهيمنتهم لعدة قرون على الدول العربية ، لكن في الدولة العثمانية الجديدة التركية ، فان قوة انقره بامكانها الوقوف كسد حصين امام الاطماع التوسعية الاسرائيلية والدفاع عن حقوق العرب والفلسطينيين.

ان الاتراك ومن خلال تغليب توجههم العملي هذا على التوجهات العاطفية والنظرية، حريصون من خلال تقديم حلول بناءة وتتسم بالقوة في الوقت ذاته ، جعل المجتمع الدولي والراي العام والحكومات في العالم الاسلامي تسايرهم في هذا المجال.

وهذا اهم ميزة جعلت الساسة الاتراك ياملون باكتساب موقع قيادة العالم الاسلامي ، القيادة التي تكون افضل خيار وقناة للاتصال بين الغرب والاسلام . ومن يدري فربما ان تركيا ستنضم بسبب ذلك يوما ما الى عضوية الاتحاد الاوروبي في المستقبل وان القارة الخضراء لا خيار امامها سوى القبول بذلك. ويبدو ان حكام تركيا اليوم يريدون "ارغام" اوروبا على قبول حقيقة تركيا لجعلهم يقتنعون بالقبول بها.