رمز الخبر: ۲۵۳۷۳
تأريخ النشر: 14:02 - 02 September 2010
الاخبار - قلل الكاتب الأميركي جورج فريدمان، من أهمية الجدل العام الدائر في الغرب حول احتمال شن هجمات إسرائيلية وأميركية على منشآت إيران النووية، ووضعها في إطار التهويل الرامي إلى تحسين شروط التفاوض. وعزا المحلل الاستراتيجي الأميركي المختص بشؤون الشرق الأوسط، في مقال نشره موقع «ستارفور» الاستخباري الأميركي، زيادة التسريبات المتعلقة بتوجيه ضربات جوية، إلى الحاجة الغربية لإشاعة جو من الاستنفار الحربي بهدف تعزيز مصالح واشنطن وتل أبيب، وكتب قائلاً «إنها تتزامن مع المبادرات الدبلوماسية، ويرمي مهندسوها إلى استفزاز الإيرانيين وترويج تسوية أكثر ملاءمة للولايات المتحدة وإسرائيل».

لكن فريدمان يستطرد بأن هذه التسريبات «فشلت في السابق، ومن المعقول أن يتم الربط بين موجة التقارير المتداولة بفرض عقوبات جديدة على إيران، ورؤيتها كمحاولة لزيادة الضغط، أو فرض تغيير في السياسة والاستفادة من الانقسامات داخل النظام». ورأى أن كل هذا اللغط يندرج في خانة الحرب النفسية ومصدره إسرائيلي لأن كل التقارير تتحدث عن أن «إسرائيل توشك على مهاجمة إيران»، مستبعداً في القوت نفسه هذه الفرضية كلياً.

ويرى فريدمان في مقاله أن الإسرائيليين «يحاولون الظهور بمظهر الكلب المسعور الذي يوشك على الإفلات من قيوده الأميركية. والأميركيون يحثّون الإيرانيين عبر وسطاء بتقديم تنازلات تجنباً لنشوب حرب».

ورأى هذا السيناريو «مكرراً وغير مجد». وأن الإيرانيين باتوا يقيسون على التجارب الماضية ويعتبرون أن رفع أصوات الحرب يعني بُعد احتمالها، بينما تقليل الحديث عنها قد يزيد من احتمال وقوعها.

غير أنه رأى أن ما يجري على الأرض من استعدادات لا يوحي بأن الحرب وشيكة أو بعيدة. لكنه قرأ في تحديد موعد جولة مباحثات جديدة بأنه يرمي إلى إقناع الإيرانيين بأن الحرب بعيدة، فيما الاستعدادات لحرب مخفية تمضي على قدم وساق.

وأضاف المحلل، إن هناك ثلاث مراحل مرّت كانت الحرب فيها محتملة. الأولى في تموز 2009 عندما كانت إيران تعمل، حسب رأيه، على إنتاج سلاح نووي. وهذا لا يتوقف على مدى التقدم الذي حققته في تخصيب اليورانيوم. وحسب رأيه فإن إيران ربما تقترب من إنتاج قنبلة نووية يمكن اختبارها، لكنها كانت بعيدة كل البعد عن القدرة على إيصالها إلى الهدف. وتم استبعاد احتمال توجيه الضربة في حينها بناءً على هذا التحليل.

وفي مرحلة الانتخابات الرئاسية الإيرانية، رأى أن الرهان على التظاهرات في تغيير النظام كان مبالغاً فيه. وأشار إلى أن التعاون الوثيق الذي برز بين روسيا وإيران جعل فرض عقوبات فعالة على إيران ضعيفاً من الناحية العملية. لذا تزايدت عندها احتمالات توجيه الضربة العسكرية. وكان عندها أمام إيران ثلاثة خيارات. الأول تحريك مجموعات (أبرزها حزب الله)، والثاني إيجاد فوضى في العراق، والثالث إقفال مضيق هرمز الذي تمر فيه 45% من شحنات النفط العالمي. والأخير يعدّ الأخطر بل يوازي حسب رأيه وزن خطر الضربة النووية، لأنه يغرق العالم في كساد شامل أو في ما هو أخطر، ولا سيما في ظل نمو اقتصادي متعثر للغاية.

لذا استبعد فريدمان في حينها احتمال توجيه الضربة العسكرية غير المضمونة النتائج، ولا سيما بالنسبة إلى القدرة على إعادة فتح مضيق هرمز بالسرعة المناسبة.

ولا يصدق فريدمان أن «إسرائيل جادة في عزمها منفردة على توجيه ضربة إلى إيران. لأن الإسرائيليين أقل حظاً في النجاح من الأميركيين، أقلها لأنهم مضطرون إلى المرور بالأجواء التركية والعراقية والسعودية.. لأن إسرائيل غير قادرة على تخفيف عواقب تصرفها كما تستطيع الولايات المتحدة». ويضيف «لو أن إسرائيل تصرفت منفردة ولم تنسق مع الولايات المتحدة، وخاصة في موضوع هرمز، بإتاحة المجال أمام القوات الأميركية تخفيف الآثار في إقفاله، فإنها ستحدث أزمة من الوزن العالمي الشامل. أزمة ستكون في بعدها السياسي تفوق القدرة الإسرائيلية على التحمّل. لذا كان من الصعب تصور انفراد إسرائيلي في العمل العسكري أو في المشاركة بعمل عسكري إن وقع».

أما في الوقت الحالي، فيرى فريدمان أن تجميع اليورانيوم المخصب لا يعني أن الإيرانيين باتوا قاب قوسين أو أدنى من إنتاج سلاح نووي. كما أن المخاطر من عواقب ضرب منشآت إيران النووية تفوق أي فوائد عسكرية يمكن جنيها من امتلاك السلاح النووي. والتعويل على قدرات الولايات المتحدة في كسح الألغام البحرية بسرعة قد يكون خاطئاً. لذا فإن الحسابات تبقى محفوفة بالغموض واحتمالات الخطأ، ما يجعل كل الحكومات تتلكأ في اتخاذ قرارات. وحتى لو نجح الغرب في تقويض قدرات إيران النووية، فإن فريدمان يرى أن إيران تتمتع بثقل استراتيجي إقليمي من الصعب تجاهله. فهي أكبر قوة عسكرية في الخليج بعد الولايات المتحدة التي سحبت غالبية قواتها من العراق. أمر من شأنه إضعاف خيارات الولايات المتحدة العسكرية في تطويق إيران. لذلك فإن «توجيه ضربات جوية جراحية إلى المواقع النووية الإيرانية إلى جانب الانسحاب من العراق، من شأنهما إيجاد أزمة استراتيجية بالغة العمق في الخليج الفارسي».

كذلك يرى المحلل الأميركي أن السعودية وليس إسرائيل هي الأكثر قلقاً من الوضع الناشئ في العراق وإيران.

وأضاف إن لدى إيران القدرة العسكرية على غزو السعودية، و«ربما لا يهبون السعوديين الهدية التي أعطاهم إياها صدام حسين عند انسحابه من الكويت. ربما واصلوا (الزحف). من المؤكد أن لديهم القدرة العسكرية لكي يحاولوا».

لكن المحلل رأى أن السعودية لن تنتظر عملاً عسكرياً إيرانياً لكي تبادر إلى درء المخاطر عن نظامها. فاختلال التوازن العسكري في حد ذاته «سيرغم السعوديين وسواهم من دول الخليج على السعي إلى تسوية سياسية مع الإيرانيين. والهيمنة الاستراتيجية على الخليج لا تقتضي بالضرورة احتلالاً عسكرياً».

من هنا، ينطلق المحلل في تفسيره لزيارة الملك السعودي عبد الله آل سعود، إلى بيروت أخيراً، مصحوباً بالرئيس السوري بشار الأسد، رغم الهوة السياسية التي تفصلهما، ولا سيما بالنسبة إلى الساحتين الإيرانية واللبنانية. لكنهما «كانا معاً، واجتمعا مع الحكومة اللبنانية ووجّها معاً تحذيرات غير مواربة لتنظيم «حزب الله» اللبناني». فالنفوذ والمال السعوديان، والتهديد بتعريض النظام السعودي للخطر من خلال المغامرة المفرطة، تبدو مجتمعة قد أوجدت دينامية مضادة لحزب الله في لبنان على حدّ قول فريدمان. ووجد حزب الله فجأة الكثير من حلفائه المفترضين يتعاونون مع بعض خصومه. وبالتالي فإن مخاطر ردّ حزب الله على أي ضربة جوية توجه إلى إيران تراجعت بعض الشئ.

ويبقى الجانب الأهم وهو موضوع مضيق هرمز الذي لا يمكن الولايات المتحدة تحمل عواقب إقفاله بأي شكل من الأشكال. وبالتالي فإنها قد تلجأ قبل أي ضربة للقواعد النووية الإيرانية، إلى تدمير القدرات البحرية الإيرانية في الخليج، وهي عملية شاقة للغاية لأن إيران تعتمد على قوارب صغيرة سريعة في وضع الألغام. كذلك سيتعين على الولايات المتحدة تدمير كل المواقع والمنشآت المطلة على الخليج خشية الصواريخ الإيرانية، ولا سيما البحرية منها.

وهنا يستبعد المحلل قدرة حتى الولايات المتحدة على توجيه ضربات لمئة هدف إيراني في وقت واحد. ويرى أن العلماء الإيرانيين سيخلون المنشآت النووية ويلوذون إلى ملاجئ آمنة بسرعة بمجرد بدء الحملة الأميركية على الأهداف البحرية وعلى مقارّ القيادة والسيطرة العسكرية الإيرانية.