رمز الخبر: ۲۶۰۰۴
تأريخ النشر: 12:12 - 28 September 2010
حافظ الشيرازي من بين الشعراء الذين تعرضوا لهجوم كاسخ من قبل اقلام وألسنة غير المنصفين او الجاهلية بلغة العرفان، بل وبالحياة العرفانية التي لا يدركها الا اهلها.وراح الكثير من هؤ‌لاء يشككون في عرفانية هذا العارف الكبير من خلال التأشير على المفردات والألفاظ الواردة في شعره والتي يفهمون منها معان اخرى لا صلة لها بالعرفان، بل وربما تصب –من وجهه نظرهم- في وديان اللاتدين، والانغماس في الملذات، واتباع الهوى.

شخصيته الصوفية :

لا شك ان العرفان يشكل غرضاً مهماً من اغراض الشعر الفارسي، واذا كان (الحب) يؤلف الغرض الاكبر في هذا الشعر، فان العرفان والشعر يكمل كل منهما الآخر، ولا يستغني احدهما عن الثاني، ذلك لان الحب هو اساس العرفان، ولا يمكن للعارف ان يعرف الله تعالى دون ان يملأ حب الله جوانحه ويملك عليه لبه.ولهذا لا غرو ان نرى ثلثي العرفاء الايرانيين هم من الشعراء.فسنائي والعطار وجلال‌الدين عرفاء لا شعراء، وسعدي وحافظ شعراء عرفاء.

ومن الطبيعي ان لكل منهم اصطلاحاته الخاصه به، ولا يشذ العرفان عن هذه القاعدة، فله اصطلاحاته الخاصة ولغته الخاصة القائمة على الرمزية في اغلب الاحيان.ولاشك ان النزوع نحو الرمزية في التحدث عن مكنونات الفكر والقلب- ولا سيما في موضوع حساس كالعرفان – يمنح الشاعر الحرية في التحدث والانطلاق بشكل اكبر في آفاق الخيال واضفاء المزيد من الصور والملامح الفنية.كما انه اسلوب يحتمي به الشاعر من كل ما يمكن ان يفسر على انه رياء‌ ونفاق، فضلاً عن انه يبعده عن المخاطر التي يمكن ان تترتب على الكلام الصريح، لا سيما في تلك العصور التي كان يتهم فيها المرء على كلامه بشتى التهم والتي قد يدفع حياته ضريبة لها.

واذا ما اراد احدنا ان يتحدث عن عارف مثل حافظ، فلابد ان نلقي على انفسنا هذا السؤال: ما هي الخطوات التي خطوناها نحن في وادي السير والسلوك، حتى نتحدث عن عارف كبير مثل حافظ؟

انها قضية شاقة جداً ان يتحدث احدنا عن حافظ او مولوي او ابن عربي او ابن الفارض، لان هؤلاء كانوا يعيشون عالما لم نعشه نحن ويسلكون وادياً لن نسلكه ويبصرون اشياء لم نبصرها، لهذا ليس بامكاننا ان نفهم اللغة التي يتحدثون بها وعبارات خاصة لا يستوعبها فكرنا القاصر ولا افقنا المحدود.ولهذا قد يلجأ البعض رمي هذا بالزندقة وذاك بالتمرد على الشريعة وثالث الركون الى لذائذ الحياة، اعتماداً على المصطلحات والمفردات التي يستخدمها هؤلاء في اشعارهم وكتاباتهم، ناسين او لهؤلاء لغة خاصة لا نفهمها نحن، وان لدينا افقاً فكرياً ونفسياً يضيق عن استيعاب هذه المفردات وفهمها.
وكان حافظ من بين الشعراء الذين تعرضوا لهجوم كاسخ من اقلام وألسنة هؤلاء غير المنصفين او الجاهلين بلغة العرفان، بل وبالحياة العرفانية التي لا يدركها الا اهلها.وراح الكثير من هؤلاء يشككون في عرفانية هذا العارف الكبير من خلال التأشير على المفردات والألفاظ الواردة في شعره والتي يفهمون منها معان اخرى لا صلة لها بالعرفان، بل وربما تصب - من وجهة نظرهم- في وديان اللاتدين، والانغماس في الملذات، واتباع الهوى، وغير ذلك من مخترعات اخترعتها افكارهم القاصرة ولصقوها به!

وقدم الشهيد مرتضى مطهري ملخصاً بالآراء المطروحة حول حافظ، اعتماداً على اشعاره، هي:

اولاً- انه شاعر بتمام معنى الكلمة.فيلم يكن لديه اي هدف سوى انتاج الشعر، وصياغة رائعة شعرية عظيمة، ولم يكن مهماً لديه المواد التي تشكل ديوانه!

واذا كان حافظ هكذا حقاً، فلا يمكن على هذا الاساس استنباط شخصيته من الديوان، فهو ليس اكثر من فنان او شاعر غير ملتزم يريد الشعر من اجل الشعر، او الفن من اجل الفن!

وهذه الفريضة مرفوضة اساساً، لان اشعار حافظ لم تكن اشعاراً ميته ولا مصطنعة، انما هي امواج صادرة من روح نبيلة شفافة، ومعبرة تعبيراً حقيقياً عن تفاعلات الروح ولواعج النفس.وليس بامكان اي كلام مصطنع ان تكون لديه هذه القابلية من القوة والعمق والتأثير بحيث ينفذ الى القلوب بكل بساطة ويحلق بالنفوس في آفاق رحبة بعيدة عن هذا العالم المادي الضيق.

فالشاعر غير المتفاعل مع شعره، والفنان غير المندمج مع فنه، ليس بامكان اي منهما ان يخلق مثل هذا الاثر العظيم الخالد.والشاعر مهما كان بليغاً او فصيحاً ليس بامكانه ان يبدع او يؤثر على النفوس ويهز الضمائر ويخلد خلود الحياة، اذا لم يكن كلامه صادراً من القلب ومتفاعلاً مع الروح.

ثانياً- والفرضية الاخرى فرضية عجيبة تقول ان حافظ قد انشد هذه الاشعار بتأثير حالات وظروف مختلفة مر بها، وهذا التردد والتذبدب الذي يلاحظ في شعره ناجم عن تذبذبه الروحي.

ويعتقد ادوارد براون في (تاريخ الادب الايراني) ان كافة الايرانيين على هذا النمط عند تحدثه عن العرفان يريد العرفان لا غير!؟

غير ان عدم فهم اصحاب هذا الرأي للرموز الشعرية العرفانية التي سبقت الاشارة اليها، يكمن في الدرجة الاولى خلف رأيهم هذا، سيما وان اغلب هذه الآراء صادرة عن مستشرقين لا يعرفون الشخصيات المسلمة.اذا لم نقل انهم يتعمدون التشويه.

وهل يمكن ان ينسجم تهذيب النفس وتربية الروح وترويضها مع اطلاق العنان للشهوات والرغبات والاهواء؟

ثالثاً- هناك من يقول ان حافظ قد قال هذه القصائد المتباينة في فترات مختلفة من حياته! فشعر الشراب والانس يعود الى مرحلة الشباب، وشعر التقوى والفناء في الله يعود لمرحلة الشيخوخة!

وطبقاً لهذه الفرضية، يكون حافظ شخصاً نزوياً منغمساً في الملذات، ثم انه اناب في شيخوخته مثل العرفاء الآخرين الذين انابوا في حياتهم كفضيل بن عياض وابراهيم الادهم وبشر الحافي.

وهذا الرأي مرفوض ايضاً،‌ لاننا طالما نجد في القصيدة الواحدة حالتي الشباب والشيخوخة التي اشار اليها اصحاب الرأي.

رابعاً- هناك فريق آخر يرى –وربما تكون رؤيته هذه عن سوء نية –واما ما يقال عن عرفانيته، فهو ليس الا من تأويل المهتمين به والذين لا يريدون له ان يظهر بغير هذا المظهر!

وهذا رأي لا تقوم له قائمة امام اشعار حافظ العرفانية الصريحة وسلوكه الملتزم الذي يشهد له به الآخرون.واذا كان علينا ان نرفض الصريح من شعره العرفاني الذي يحفل به ديوانه، كان الاولى بنا ان نرفض ايضاً اللاصريح من شعره العرفاني، ونريد به ذلك الشعر الذي يفسره الآخرون على انه شعر منحرف.

خامساً- والرأي الآخر- وهو الرأي الاقوى والذي يقف اكثر الباحثين والمهتمين بحافظ الى جانبه –يرى ان شعر حافظ شعر عرفاني من اوله الى آخره، وليس فيه ما يخرج من اطار العرفان حتى ذلك الشعر ذي الظاهر اللاعرفاني.وما يبدو من بعض شعره معارضاً للشريعة، انما هو مجموعة من الاصطلاحات التي تعارف عليها العرفاء، ولم ينفرد بها حافظ عنهم.

فليس هناك شك في ان فن حافظ هو السلوك والعرفان، ومن البديهي ان كل فن في مساره التكاملي ارضية لولادة اصطلاحات خاصة به.ومقدار وعدد ونوع الاصطلاحات ذو علاقة مباشرة ولا شك بمستوى تكامل كل فن، كما ان وجود تلك الاصطلاحات بمثابة الاعلان عن حياة ذلك الفن.
وعلى هذا الاساس، نجد اللغة التي يتحدث بها حافظ هي الاخرى لغة رمزية، اي لغة حافلة بالايماء والاشارة ومكتظة بالكناية والاستعارة.

شهادة التاريخ :

من حيث التاريخ، كان شاعرنا معروفاً في عصره كعالم فاضل وليس كشاعر صوفي عادي.ووصفه محمد غلندام –و كان معاصراً له وتلميذاً لقوام الدين عبدالله- في مقدمته على ديوان حافظ قائلاً (مولانا الاعظم السعيد المرحوم الشهيد مفخرة العلماء، استاذ الأدباء، مخزن المعارف السبحانية، شمس الملة والدين، محمد الحافظ الشيرازي… طيب الله تربته ورفع في عالم القدس رتبته).

كما ان كاتب ديوانه الذي يقرب زمانه من زمانه، ذكر في آخر نسخة نقلها القزويني:

(تم الديوان (كذا) للمولى العالم الفاضل ملك القراء وافضل المتأخرين شمس الملة والدين مولانا محمد الحافظ روح الله روحه وأوصل فتوحه ونور مرقده).

ويفهم من لقب (ملك القراء، الذي اضفاه عليه كاتب ديوانه، انه كان من مشاهير قراء عصره، واشتهر بهذه الصفة في زمانه.

وكانت باقي جوانب شخصيته تغلب في عصره على شخصيته كشاعر، وهذا ما يؤكد انه لم يكن يمتهن الشعر كما حاول البعض ان يصور ذلك، فلو امتهن الشعر لعرف كشاعر في عصره ولهذا السبب لم يكن شاعراً مكثاراً وانه كان يقول قصيدة في كل شهر تقريباً. ورغم هذا فقد اكتسب شعره شهرة عجيبة في عصره، فيلم يخرج من بوابات شيراز فحسب، بل خرج من بوابات ايران بأسرها.

كما لم يعرف حافظ كصوفي محترف بل عرف كعارف متق.فيلم يكن المتصوفة آنذاك اناساً متخفين وغير معروفين، وكان لكل متصوف شيخ وطريقة، ويختلفون عن عامة الناس في الزي والمظهر وليس الخوذة وعدم حلاقة شعر الرأس وغيرها من العلامات الاخرى.

ورغم هذا لم يقل احد حتى اليوم مَنْ هو استاذ حافظ على الصعيد العرفاني، وهذا ما يؤكد على عدم رغبته في الظهور امام الناس او التبجح بذلك المظهر كما كان يفعل الكثيرون.ونحن لا نشك بوجود استاذ لحافظ، لكن يبدو ان ذلك الاستاذ لم يكن من صنف مشايخ الصوفية المعروفين ولا من سلسلة المتصوفة المعروفة.

والمتصوفة الشيعة بشكل عام – وعلى العكس من الآخرين - لم يكونوا من اهل الثرثرة ولم‌ يبلغوا لانفسهم او يتحدثوا عن تصوفهم وعرفانهم. وقلما يعرف المتصوفة الشيعة او اساتذتهم رغم انهم كانت لديهم اسمى المقامات العرفانية، ولم‌ يعرف بهم حتى اسرهم وجيرانهم.

وسعى حافظ لقطع الطريق العرفاني دون استاذ في بداية الامر، لكنه شاهد بعد فترة عجزه عن تحقيق التكامل بدون دليل ولهذا كان يقول:

لا تنطلق الى حارة الحب بدون دليل فقد انطلقت لوحدي فيلم افلح

ولقب (لسان الغيب) الذي اضفى عليه، لم يكن من الالقاب المتأخرة، وانما من الالقاب التي اطلقت عليه في عصره، وهذا شاهد آخر على انه كان يعرف كرجل ذي تقوى وعرفان وعلى اتصال بالله تعالى في اوساط مجتمعه.