رمز الخبر: ۲۶۵۷۴
تأريخ النشر: 09:41 - 20 October 2010
علي قادري
عصر ايران - علي قادري

يجب اعتبار الفترة من حزيران 2009 الى حزيران 2010، الايام الذهبية للسعودية في الشرق الاوسط. وعلى الرغم من كل الخلافات بين اسرة "بن سلطان" و ذوي "بن عبد العزيز" والانقلاب الذي تجاوزه الملك عبد الله في سبتمبر 2008، فان افاق المنطقة في حزيران 2009، بدت جلية امام "الملك".

ففي السابع من الشهر ذاته، فاز الحريري الابن في لبنان على منافسه القوي حزب الله وحلفائه المسيحيين والسنة وبعد ستة ايام من ذلك اي بعد الانتخابات الرئاسية في ايران، تصل الغيوم السوداء الى سماء طهران. وتبذل قناة "العربية" السعودية كل ما بوسعها لاظهار ان ايران قد "انتهى" امرها.

ويستغل الملك الازمة التي حدثت في طهران ويضغط على زر تشغيل مشروع محاصرة ايران اقليميا. ولم ينتبه احد بعد في طهران الى اي مدى يمكن للصراع في الشارع ان يهدد المصالح القومية واولئك الذين يعرفون، اما انهم لاذوا بالصمت او منشغلون واما ان صوتهم لا يسمع!

وفي يناير 2010 يخوض جنوب السعودية حربا مع الحوثيين، وهذا لا يعد علامة جيدة بالنسبة للرياض.

لكن العراق اهم كثيرا. فالانتخابات في بلد تحده حدودا مشتركة بطول 1300 كلم مع ايران، على الابواب وعلى الجهاز الدبلوماسي والامني في بلدنا ان يراقب هذه التطورات بدقة.

ويخوص الحلفاء التقليديون لايران في العراق الانتخابات من خلال جبهة مضطربة، رغم ان نوري المالكي لا ينوي تمرير الكرة الى احد. وفي اواخر مارس تعلن النتائج الرسمية للانتخابات، وتتقدم قائمة "العراقية" بزعامة اياد علاوي على قائمة "ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي بفارق مقعدين، وتتحول الى كتلة الاغلبية، الا ان سلطة الحقائق في هذا البلد اكثر بكثير من 89 مقعدا للعراقية والدولارات النفطية السعودية. ويفهم رئيس الوزراء العنيد سريعا انه يجب عليه ان ينال دعم الحكيم والصدر وكان عليه ان يعلم منذ البداية بان طريق تشكيل الحكومة في بغداد يمر عبر بوابة التعامل مع طهران.

وفي بيروت يبدا ربيع عام 2010 ساخنا . وعلى الرغم من انه قد تبين بان شهود المحكمة الدولية التي تبت في ملف اغتيال رفيق الحريري ادلوا بشهادة زور، وبالتالي مرت ظلال تهمة اغتيال رفيق الحريري من على دمشق، الا ان لعبة المحكمة الدولية قد وصلت الى دقائقها الحساسة. وتتحقق تنبؤات غابي اشكنازي رئيس الاركان الاسرائيلي. وتهتز دعائم حكومة الوحدة الوطنية في لبنان مع سماع صوت الحكم الظني للمحكمة الدولية حول ضلوع عناصر من حزب الله في اغتيال رفيق الحريري.

اما السيد حسن نصر الله وفي جلسة وجها لوجه مع الحريري الذي يطلب منه ان يقبل بتدخل عناصر "غير منضبطة" في حزب الله في اغتيال والده او ان يحمل عماد مغنية مسؤولية الاغتيال لكي ينتهي كل شئ على مايرام، يبتسم ابتسامة ذات مغزى لرئيس الوزراء الشاب ويقول له "انس عماد فانه رمز المقاومة لكن فيما يخص سائر الاشخاص يجب ان اقول بان حزب الله حزب يسوده النظام وتنفذ فيه جميع القرارات بتاييد الامين العام. كن على ثقة باننا لن نسلم حتى نصف شخص بسبب هذه التهمة".

ويغادر الحريري ، الضاحية وعندما يصل الى "قرطيم" ، تتجاوز درجة الحرارة في لبنان حدود الاربعين درجة بحيث انه حتى زيارة بشار الاسد والملك عبد الله المشتركة الى لبنان ، لم تقدر على خفض درجة الحرارة هذه.



ويصل حزيران 2010، موعد قطاف الرياض لحصيلة جهودها في محاصرة ايران في ملفها النووي. ويصادق مجلس الامن الدولي على اقسى عقوبات ضد ايران. ولم تكن الدولارات السعودية غير ذي اثر على تغيير الموقف الروسي والصيني. لكن السعودية واميركا يعرفان بان ايران تملك اوراقا كثيرة في اللعب.

وتبدا الدبلوماسية الهجومة الايرانية: ففي لبنان حيث حزب الله لن يتراجع وانه لصالح سورية بان تتخلى في العراق عن اياد علاوي. ورغم ان بشار الاسد كان دائما الى جانب حزب الله لكن طهران تبلغ دمشق انه لا يمكن الامساك بالعراقية بيد وبحزب الله بيد اخرى.

ويعلم الرئيس السوري موقع حزب الله في الامن القومي لبلده وانه لمصلحة دمشق بالا تقترب اكثر من هذا من الرياض، حتى وان اعتذر الابن الروحي للملك، سعد الحريري من بشار الاسد بسبب اتهامه السابق لسورية.

وعلى الرغم من ان السعودية لا تدعم تفتت حكومة الوحدة الوطنية في لبنان لكن العراق بالنسبة للسعودية اهم في الظروف الحالية من لبنان. وينظر الملك الى الطاولة، فيرى ان اوراقه قد نفدت.

وينظر بقلق كيف ان الرئيس السوري سافر الى طهران. فالاوضاع تسير على حساب السعودية. ويعرف احمدي نجاد جيدا بان اوباما ليست لديه مشكلة ازاء تولي المالكي رئاسة الوزراء. ويقنع الرئيس الايراني، بشار الاسد بان ينسى خلافاته مع المالكي وفي المقابل فان رئيس الوزراء سيعد باعادة تاهيل علاقاته مع دمشق.

ان حزب الله يشكل الحدود الاستراتيجية بين طهران ودمشق وبعبارة اخرى الخط الاحمر الذي لا يجب لاحد تجاوزه. ويعود بشار الاسد الى سورية، وتغلق قناة وسام حسن ورستم غزال الاستخباراتية – الامنية، وبعد 24 ساعة، يصدر القضاء السوري 33 قرارا اتهاميا ضد شخصيات لبنانية وسورية وعربية وغربية فيما يخص شهادة الزور ضد سورية بشان ملف اغتيال رفيق الحريري.

والحريري لا يتلقى رسالة واضحة من الرياض. وتوقف رئيس الوزراء ومن حواليه في مكانهم دون حراك. ويسمع صوت "فارس خشان" من باريس. والاهم من كل شئ فقد فشلت محادثات التسوية. وكل شئ يصبح جاهزا لذهاب "نجاد" الى لبنان.

ويتم استدعاء رفيق الحريري الى القاهرة. وفي القاهرة يستذكر مبارك كلام جونز، مستشار الامن القومي السابق لاوباما والذي قال له في 2 سبتمبر في نيويورك ان احمل نجلك وارحل لانه ان فشلت المحادثات، فان الولايات المتحدة لن تستطيع دعم نجلك ليكون خليفتك.

وعلى غرار كل القادة العرب، حيث ان نجلهم يشكل اهم قضية بالنسبة لهم في الايام الاخيرة من حياتهم، فان مبارك عازم على التمسك بهذا التقليد العربي العريق حتى وان كلفه ذلك ثمن الدخول الى قفص الاسد!

ويقول مبارك للحريري بان اسعوا جاهدين لتتم هذه الزيارة بهدوء وتحاشوا اتخاذ المواقف السلبية، وبلغ عزيزي جعجع (!) بالا يحرك حاليا يده اليمنى كثيرا.

وعلى اي حال، يصل الرئيس الايراني الى بيروت كبطل ويعود الى بلاده كبطل. لقد استطاعت ايران كسر الحصار العربي وان تذهب من موقع القوة الى المحادثات النووية.

وليعلم الملك انه حتى اذا صفح عن بندر بن سلطان (مدير انقلاب سبتمبر 2008) ويدعوه الى الرياض، فانه غير قادر على تغيير الواقع الجديد. واذا اراد استخدام مواهب بندر بوش (اللقب الذي اطلقه بوش الاب على بندر) في اثارة فتنة جديدة في العراق، فحتى تلك الوزرات الرئيسية في حكومة المالكي لن تصل الى علاوي.

واغلب الظن ان هذه الحقيقة قد ثبتت لدى ملك السعودية وهي انه اذا تحولت يد ايران المفتوحة الى قبضة مشدودة، فانه سيكون من الصعب فتحها ، لذلك فالافضل ان ياخذ رسالة الرئيس الايراني على محمل الجد، بدلا من استدعاء الابن المشاكس للاسرة المالكة. ان الملف العراقي قد اغلق وانه لمصلحة الجميع ان يتم في لبنان نقل ملف شهود الزور في قضية اغتيال رفيق الحريري الى القضاء اللبناني. فقد فتحت ايران مرة اخرى يدها ليعود الاستقرار الى لبنان.