رمز الخبر: ۲۶۷۵
تأريخ النشر: 13:51 - 10 February 2008
حسن خامه يار
مقال بمناسبة الذكرى السنوية التاسعة والعشرين لانتصار الثورة الاسلامية
طهران / حسن خامه يار
عندما نريد أن نتحدث عن الثورة الاسلامية الايرانية، وهي على اعتاب ربيعها الثلاثين، وما احدثته من تغيير هائل في موازين القوى وصراعاتها على امتداد الوطن الاسلامي الكبير وعالم المستضعفين، وما أوجدته من قوة دفع متواصلة لجميع الحركات والتيارات‏ في العالم الاسلامي والمنطقة الراغبين في الثورة والنهضة والاحياء، ينبغي الحديث قبل كل شيئ عن الامام السيد روح الله الموسوي الخميني، الذي كان علامة فارقة في تاريخ الاسلام المعاصر، ليس بما قدمه من قيادة فذة لواحدة من ‏ابرز ثورات القرن العشرين، بل بما حمله وقدمه من رؤى اسلامية تعبوية، شاملة مهدت‏ لهذه الثورة، وما تلاها من ثورات، عل أمتداد وطننا الاسلامي الكبير. وقد أعاد هذا الرجل للاسلام وجهه النقي، النزيه، الثائر، وقدم للامة، ‏الاسلام الرسالي، «الاسلام المحمدي الاصيل» في وجه «الاسلام الذي زيف‏» وأخلي من مضمونه الاستراتيجي، ومحتواه السلوكي الهادي إلى الرشاد والانعتاق، نحو الحرية والاستقلال والحياة الحرة الكريمة...
كما وينبغي قبل الخوض في غمار هذه التجربة الفذة، أن نعود بالذاكرة قليلا إلى الوراء لنستشرف أبعادها الفكرية والسياسية والثقافية والعلمية والاستراتيجية، ولابد من القول ان الوطن الاسلامي الكبير، وقبل انتصار ثورة الامام الخميني الراحل كان قد مرّ بمراحل صعبة ومعقدة للغاية، حيث لعبت التيارات العلمانية ـ التغريبية في ظل تواجد القوى الاستعمارية أدواراً أساسية مهمةً، في احباط تطلعات الامة، والتمهيد لتنفيذ المؤامرات الكبرى التي حيكت ضده، وحالت دون تأسيس إتجاه إسلامي ـ سياسي ـ ثوري بمقدوره أن يلعب دوراً حاسماً في تغيير موازين القوى ومعادلة الصراع القائم بين الامة والاستعمار والاستبداد.
وكان الوطن الاسلامي الكبير قبل ذلك التاريخ مسرحاً لتكالب الاعداء والغزوات الاستعمارية، وكانت الامة عرضة للهجمات الثقافية التغريبية والالحادية والليبرالية وتداول الغرب والاسلام صراع القوة والغلبة منذ سيطرة الهولنديين على اندونيسيا عام 1800 واحتلال الجزائر على يد الفرنسيين عام 1830 وسقوط القوقاز وما وراء النهر على يد الروس في اواخر القرن التاسع عشر وسيطرة بريطانيا العظمى على الهند عام 1857 واحتلالها لمصر والسودان اواخر القرن التاسع عشر، دخول الحلفاء بيت المقدس وبدء سقوط العثمانيين وتحقق السيطرة شبه التامة للانكليز والفرنسيين على العالم الإسلامي عام 1918 وسقوط الدولة العثمانية عام 1924 وأخيراً انشاء الكيان الاسرائيلي المحتل في فلسطين عام 1948.
هذا الهجوم الكاسح أغرق العالم الإسلامي في حالة من الذهول، وسرعان ما بدأت ردات فعل قوية وقاصمة، وثورات مسلحة على أمتداد الوطن الجريح وكانت البداية لانطلاق الثورة الجزائرية بزعامة الشهيد عبد القادر الجزائري وبن باديس عام 1830 وأعقبتها الحركة السنوسية في ليبيا عام 1831 والثورة العرّابية في مصر سنة 1882 وعمّت حركة الاصلاح في العالم الاسلامي التي قادها السيد جمال الدين الاسد آبادي (الافغاني) ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي في الفترة 1839 ـ 1897 ثورة المسلمين في القارة الهندية عام 1882 وثورة الدستور في ايران عام 1895 وثورة العشرين في العراق عام 1920 والثورة الخطّابية في الريف المغربي عام 1924 وثورة عمر المختار في ليبيا عام 1930 وثورة الشيخ شامل الإسلامية في الهند الشرقية وتركستان والقوقاز والثورة الفلسطينية بزعامة الشيخ عزالدين القسام سنة 1936 وكانت انتفاضة تأميم البترول في بزعامة محمد مصدق وارهاصات الثورة الاسلامية بقيادة الامام الخميني في ايران عام 1952 كانتا استمراراَ لتك الثورات.
وقد بشّر الامام، الامة منذ انطلاق نهضته في بداية الخمسينيات بمستقبل مشّرف ومشرق للمسيرة الإسلامية، سواء ما يتعلق منها بالصراع مع القوى الكبرى, أو ما يتعلّق بمستقبل المنطقة الإسلامية ذاتها، ولايخفى على المتتبع لشؤون ايران وشجونها إن الإمام طرح رؤاه ومشاريعه عبر مجموعة من القرارات والمواقف التي تشكل فهماً ثورياً في العمل السياسي وكيفية إدارة الصراع مع قوى الكفر والاستكبار والهيمنة، ولم تمنعه الهموم الداخلية من مواكبة الحركة السياسية في المنطقة والعالم برمّته، بل لعلّه ذهب إلى أبعدَ من حد الاهتمام في الأمور السياسية.. إنما هو يعتبرها الهدف الأساسي للإسلام كرسالةٍ في أبعادها الكونية والاجتماعية والإدارية.. وكنظام جاء به الرسول الأكرم (ص) وأرسى دعائمه من بعده الإئمة الاطهار الاثني عشر (ع) ومن هنا فإن الإمام الخميني أعطى المعنى الحقيقي لدور المرجع المصلح في توظيف دوره وموقعه لإيجاد التغيير والاصلاح في بناء الامة.
لماذا الثورة؟
مما لاشك فيه ان الأوضاع والتطورات الداخلية، لعبت دوراً بنيوياً وحاسماً، في اندلاع الثورة، معجزة القرن العشرين. حيث تراكمت العوامل السلبية، مثلها، مثل جميع المجتمعات التي تعاني من الانظمة الاستبدادية والقهر وفقدان الحريات وتسلط الاجهزة الامنية القمعية وسجن وتعذيب أصحاب الاصوات الحرة. ورغم عائدات النفط الهائلة، كان الوضع الاقتصادي والاجتماعي سيئاً للغاية، وينذر بكارثة انسانية. فسادت الأمية وانعدمت الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية في الارياف والمدن النائية، في وقت كثر فيه الإنفاق على شراء وتكديس السلاح، مع تزايد معدلات البطالة، وانتشارها بين الشعب، الناجمة عن تلاعب العائلة الملكية بأموال البلاد ونهب الكثير منها. أما الأمريكان فقد كان لهم نصيب وافر في هذا التردي الذي أودى بحكم الشاه محمد رضا بهلوي، حيث أحاطوه بمستشارين بلغ عددهم أربعين ألفا، وكانت حصتهم تفوق على الأربعة مليارات دولار سنويا، دون تقديم أي نصح إيجابي له في القضايا الاجتماعية والمشكلات الداخلية.
وبالاضافة إلى الحصانة القانونية التي كان يتمتع بها الخبراء والمستشارون الامريكان امام القضاء الايراني، فقد خصص للحزب الجمهوري الأمريكي، حصة مالية كبيرة من عوائد النفط الايراني، لدعم مرشحيه في الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ما أدى إلى زجّ الشاه في لعبة التنافس السياسي داخل الولايات المتحدة. فحين تولى مرشح الحزب الديمقراطي، جيمي كارتر الرئاسة، وهو على علم بما أنفقه الشاه لدعم خصومه في الحزب الجمهوري، أعرب عن إحساسه بالمرارة لتدخل شاه إيران في لعبة الانتخابات الأمريكية. وقد أقسم كارتر خلال الحملة الانتخابية في أنه لن يتخذ سياسة من شأنها دعم النظم الاستبدادية، ولهذا وجّه الكثير من النصح للشاه، بشأن منح المزيد من الحرية للشعب الإيراني ووقف أساليب القهر والاستبداد.
وفي احدى خطاباته التعبوية، الموجهة والمعبرة، شن الامام الخميني هجوما لاذعاً على امريكا واسرائيل، واعتبرهما العدو المشترك للشعب الايراني، وقال بالحرف الواحد: ان امريكا هي أم الفساد و«الشيطان الاكبر»، وان جميع المصائب التي حاقت بنا وكل مشاكلنا من امريكا. ان كل المصائب التي لحقت بنا، وكل مشاكلنا مع اسرائيل، انظروا إلى هؤلاء النواب في البرلمان والوزراء في الحكومة يدافعون عن مصالح امريكا، كلهم منتخبون من قبلها لقمع هذه الامة‏ المظلومة، بينام التجار يعيشون في فقر وافلاس، اما اصلاحات السادة فقد فتحت سوقا سوداء لامريكا واسرائيل‏. ان امريكا اسوا من بريطانيا عند الخميني والسوفييت اسوا منهما معا، والكل اسوا من الآخر واكثر قذارة من الآخر، لكن صدامنا في هذه المرحلة مع امريكا.
وكان يرى، في تجسيده هذا لحجم العلاقة التي اقيمت بين رجال الشاه وامريكا ونوعيتها، ويقول: انهم جعلوا الشعب الايراني اكثر ذلة من كلاب امريكا، اذا داس أحدهم كلباً امريكياً بعربته لن يسلم من العقاب، حتى شاه ايران لو داس كلباً امريكياً لن ‏يسلم من المساءلة، لكن لو ان طباخا امريكياً داس الشاهنشاه، فليس لاحد الحق في التعرض له، لماذا؟ لان الحصانة واجبة للطباخين والميكانيكيين والعمال الفنيين الامريكيين، ولكن علماء المسلمين ووعاظ الاسلام وخدام الاسلام ينبغي عليهم ان يكونوا في السجون والمنافي.!!
محطات فاصلة في تاريخ الثورة
لقد كانت الحرب الظالمة التي شنها النظام العراقي البائد، ضد الجمهورية الإسلامية الفتية أولى المحطات الصعبة والمصيرية، التي تطلبت من قائد الثورة ليس حكمة وبعد نظر لاتخاذ الموقف الصحيح فحسب، بل تطلبت أيضاً الشجاعة والصلابة الروحية لإعلان الموقف المبدئي، في وقت بدا فيه أن الغوغائية والديماغوجيا واستغلال العواطف، اتحدت جميعها في تيار جارف يصور الموقف العراقي بمثابة دفاع عن بوابة العرب الشرقية أمام الخطر «الفارسي» ويكتسح أمامه أي صوت عقلاني أو تحليل سليم للأمور. فحين وقع العديد من العرب حكاماً وغير حكام سواء من كان منهم برغبته أو انجراف في التيار، تحت تأثير التضليل الإعلامي الهائل العربي والغربي على حد سواء الذي صور الحرب العراقية الإيرانية بأنها دفاع من جانب العراق أمام قوة معتدية، تدارك الامام الموقف برؤية سياسية واضحة وثورية ثاقبة وقال بالحرف الواحد «الخير في ما وقع» وأعّد العدة والجماهير للوقوف بوجه الغزاة الذين اختاروا الباطل، ولم يدركوا عمق التحول الاستراتيجي الكبير، فدفعت الثورة الثمن غالياً من دماء أبناءها وامكاناتها الشعبية والمالية والاقتصادية والعسكرية.
لقد غيرّت الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام روح الله الخميني، رغم جميع مؤامرات الاعداء والحاقدين في كل مكان، في الخارج والداخل، الكثير من المفاهيم السياسية السائدة في المنطقة في تلك المرحلة، لصالح شعوبها المناضلة والمتطلعة نحو التحرر، والدفاع عن قضاياها المصيرية والعادلة، وأدرك المراقبون والمحللون والخبراء والسياسيون حكما، أن هذه المنطقة ستكون بعد الثورة مختلفة التقاسيم والتضاريس عما كانته قبلها. فلقد اقتلعت أعتى نظام استبدادي تبعي في المنطقة، الذي كان يمثل أحد الركائز الأساسية للاستراتيجية الأمريكية ـ الصهيونية في الشرق الاوسط. والجميع يذكر حجم المساعدات والامكانات والأسلحة المتطورة التي كانت تغدقها الدوائر الامريكية على نظام الشاه ضمن مشروعها الشامل لاعداده ليكون القوة الإقليمية الرئيسية في المنطقة ممثلاً وحارساً للمصالح الامريكية ـ الصهيونية في هذا الجزء من العالم وليكون الحلقة المكملة للكيان الصهيوني في وضع اليد نهائياً على مصائر الثروة ومقدرات الأمة ووضعها بالكامل في خدمة المصالح الأمريكية، ولخنق القوى المناهضة للوجود الاجنبي.
الدور الاقليمي للثورة الاسلامية
وبعد عوته المظفرة إلى أرض الوطن، وانتصار الدم على السيف، تزلزلت الاستراتيجية الأمريكية، وانهار مشروعها الإقليمي، تحت ضربات الجماهير الإسلامية التي اقتلعت الشاه، وأسقطت أوتاد القواعد الامريكية وأعلنت بزوغ فجر نظام جديد، أصطفت الجماهير العربية وقياداتها الشعبية حولها، وتقاطروا من كل حدب وصوب إلى طهران ليباركوا هذا الانتصار العظيم، لأنهم أدركوا منذ اليوم أبعادها الاستراتيجية الحقيقية التي انطوت عليها لصالح قضايا الشعوب الاسلامية والعربية بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص، وإن الأهمية الاستثنائية لانتصارها تكمن في عدة عوامل، أولها اقتلاع الركيزة الاساسية للغرب وللصهيونية في المنطقة، والجميع يعلم متانة العلاقات التي كانت قائمة بين النظامين البهلوي في طهران والصهيوني في تل أبيب بدءاً في مجال التعاون الاستراتيجي والاقتصادي والتسليحي وصولاً إلى التنسيق الأمني والاستخباراتي ودور كل منهما المتكامل مع دور الآخر في الضغط على الحركات الثورية المعادية للاستكبار والصهيونية.
أما العامل الآخر يكمن في أن هذه الثورة جاءت في ظرف عربي بالغ الحراجة والتعقيد. فلقد كان العالم العربي وقتها يئن تحت وطأة الحرب الاهلية في لبنان، والغزو الصهيوني العسكري لهذا البلد، واخراج المقاومة الفلسطينية منه، وتوقيع اتفاقات التسوية المنفردة مع الكيان الصهيوني، وقد أدت هذه العوامل كافة إلى بروز خلل كبير في موازين القوى في المنطقة، أعتبرها المراقبون إنجاز استراتيجي لأمريكا والكيان الصهيوني، وتعويض عما فقداهما في ايران بفضل انتصار الثورة. ولكن سرعان ما سحبت شعوب المنطقة البساط من تحت أقدام القوات الامريكية والصهيونية والاطلسية التي وجدت موطأ قدم لها في لبنان، لتعيد الاعتبار إلى التوازن الذي أحدثته الثورة الاسلايمة وكأنه رد رباني على الخلل الذي حدث على الساحة اللبنانية والساحة الفلسطينية والساحة المصرية. ولذلك يمكن القول ان الثورة المباركة في ايران قدمت للعالم نموذجاً جديداً للإسلام وهو الإسلام المكافح والنقي والمدافع عن المستضعفين والمسحوقين.
إلى ذلك واصلت الثورة مشوراها بانتظام، مثلما رسم منهاجها الامام الخميني وخط بيده الكريمة خطوطها العريضة، حيث تم تحويل سفارة الكيان الصهيوني إلى سفارة للثورة الفلسطينية، وأكمل بمبادرته المباركة، بإعلان يوم القدس العالمي في آخر جمعة من شهر رمضان الكريم، كيوم يحييه كافة المسلمين في أرجاء المعمورة وكان هذا بمثابة البوصلة التي تشير إلى أين يتوجه قلب وعواطف الثوار والاحرار، وعندما بدأت الحرب الظالمة، كان الجميع يعلم أن هذه الحرب إنما شنت نيابة عن أولئك الذين تضررت مصالحهم من الثورة، وإن هذه الحرب التي دمرت اقتصاد الحرث والنسل لم تنطلق من اعتبارات قومية أو دفاعاً عن مصالح الأمة بل بتحريض ولصالح الأعداء إذ أن المصالح الحقيقية للأمة كانت تقتضي الوقوف إلى جانب الثورة ومؤازرتها وفسح المجال أمامها لتأخذ مكانها إلى جانب العرب في الدفاع عن مصالحهم ومن أجل قضيتهم المركزية فلسطين.
الثورة الاسلامية قوة دعم للقضايا العربية العادلة
وأمام الاحباطات والتراجعات التي عصفت بالمنطقة لفترة وجيزة في بداية الثمانينات، نسجت الثورة علاقات مبدئية متينة، ووضعت حجر الأساس لبناء محور الصمود والممانعة مع تيارات المقاومة في لبنان وفلسطين وسوريا، مما شكل جداراً صلباً وتحالفاً راسخاً امام المخططات الغربية والصهيونية، ساعد على لبنان على الصمود في وجه الهجمات الصهيونية المتتالية، ولاسيما أبان الحرب العدوانية الدولية في صيف عام 2006، وقبل ذلك استطاعت في أيار/ مايو عام 2000 على اجبار العدو الصهيوني ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي، للانسحاب من جنوب لبنان دون شروط، سوى ضمانات بألا تلاحقه المقاومة إلى ما وراء الحدود، معلناً بذلك إفلاسه التام وتخليه عن أطماعه في الأراضي والمياه اللبنانية.
والثورة الاسلامية في كل مراحلها السابقة، لم تنثن عن دعمها للقضية الفلسطينية، ومن خلال التحالف مع قوى المقاومة والممانعة لكل أنواع التطبيع في الساحة الفلسطينية، والدعم السياسي والمعنوي اللامحدود لها، وبفضل قدرتها على ترسيخ مبدأ المقاومة حتى التحرير الكامل، أثبتت الجمهورية الاسلامية، مصداقية كاملة وجمعت بين القول والعمل، رغم كل الأخطار المحدقة بها، ورغم كل الصعوبات التي تواجهها في ظل عالم معاد، ومؤامرات محلية وعالمية، ووسط تهديد وتهويل تمسكت الثورة بخطها السياسي الواضح والثابت، هذا علاوة على إنجازاتها في الداخل ولقد أثبتت أنها ثورة جاءت لتستمر.
انجازات وحقائق
وإذا نظرنا بصدر رحب إلى الحياة السياسية، منذ انبثاق فجر الثورة حتى اليوم، لوجدنا أن هذا النموذج الديمقراطي المتمثل في انتخابات مجلس الشورى ومجلس خبراء القيادة والانتخابات البلدية والقروية، إنما يشهد على ثقة الثورة بنفسها وبجماهيرها، كما أنه يقدم الدليل الساطع على إن الإسلام الحقيقي قادر على بناء دولة عصرية ديمقراطية تحترم فيها حقوق الإنسان. ولذلك فإن من يتابع أخبار الجمهورية الإسلامية وانجازاتها المحلية على كافة الاصعدة، بعد مرور ثلاثة عقود على انتصارها، لابد أن تتولد لديه قناعة راسخة على أن هذا البلد بأكمله هو بمثابة حلقة نقاش كبيرة، فالصحف في ازدياد ووسائل التعبير عن الرأي محفوظة في ظل قضاء وقيادة رشيدة وضمن المصلحة العليا للوطن والثورة، كما استطاعت ايران في هذه الفترة تحقيق إنجازات ملموسة على الصعيد الدولي. فلقد استطاعت كسر طوق العزلة العالمي الذي حاولت الإدارة الأمريكية فرضه على ايران على خلفية برنامجها النووي السلمي، وتنامت علاقاتها مع العالم الإسلامي، ودول الجوار العربي والآسيوي، ولقد كان لانعقاد مؤتمر القمة الإسلامي في طهران قبل عقد من الزمن، وانعقاد قمة الدول المطلة على بحر قزوين، أيضاً في طهران بمشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العام الماضي، ولأول مرة، وأيضاً مشاركة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد لأول مرة في قمة دول مجلس التعاون في الخليج الفارسي، تتويجاً للاحترام الذي باتت تحظى به ايران على الساحة الدولية.
إذاً، فبعد مضي ثلاثة عقود من عمر الثورة بات من المتوقع المتيقن، إن تأخذ العلاقات الإيرانية ـ العربية ولاسيما مع دول الجوار، بعداً متطوراً ومتنامياً. فالخلاف الإيراني العربي لا يخدم في النهاية إلا أعداء الطرفين. فالمصلحة العامة لشعوب الوطن الاسلامي الكبير العربية تقتضي في تقوية عناصر الصمود وتعزيز هذه العلاقات في كافة المجالات وجسر الخلافات للوقوف أمام تيار العولمة الجارف وإن أية خلافات هامشية يجب ألا تقف حائلاً أمام رؤية تحقيق المنافع الكبرى للطرفين وعدم السماح لمن جاء من وراء البحار، استغلال الخلافات لتوسيع الهوة بين الجانبين. وكما أكد المسؤولون في ايران دوماً إن بلادهم لا تشكل تهديداً لأحد، بل إنها تمثل ضمانة للجميع من أي ابتزاز خارجي. والجميع يعلم علم اليقين، لو أن طهران اختارت موقفاً سياسياً منسجماً مع عملية التسوية في الشرق الاوسط، لما عانت من كل هذه الضغوط والمضايقات الامريكية والاوروبية.
وفي الختام لايسعنا إلاّ أن نحيي ذلك الامام الهمام، مفجر ثورة المستضعفين الذي لازال وجهه المنير ماثلاً أمام أعيننا، ذلك اللغز المحيّر الذي تدور كل دوائر الاستكبار العالمي لاستنطاق أسراره وكوامن قوّته الروحية والوجدانية, التي استطاعت أن تتحدى النظام الدولي القديم، وأن تُربك كبار هذا العالم، وأن تعرقل قيام النظام الدولي الجديد.. إذ لازال هذا النظام لم يتشكّل حتى الآن، ويراد له أن يقوم على أنقاض تراث الإمام من الحركة الثورية السياسية للإسلام التي قادها هذا الراحل العظيم بعنفوان قلّ نظيره، وبتحد تحوّل فيما بعد إلى مدرسة ثورية في المقاومة، تجد مصاديقها الباهرة في شتّى أرجاء العالم الإسلامي