رمز الخبر: ۲۷۲۵۷
تأريخ النشر: 08:43 - 22 November 2010
عصرایران - وکالات - تحديات كبيرة تواجه المسؤولين الأتراك مع انعقاد قمة لشبونة في العاصمة البرتغالية، وعلى جدول أعمالها طلب حلف شمال الأطلسي نشر رادارات وصواريخ في تركيا كبند رئيسي في القمة، ويمكن اعتبار هذه التحديات بمثابة الامتحان الأهم على مستوى التوجه الجديد للسياسة التركية الهادفة إلى إقامة علاقة جيدة مع جيرانها، خصوصاً أن حلف شمال الأطلسي يتطلع إلى نشر نظام الدرع في تركيا باتجاه الأماكن التي يتوقع أن تنطلق منها تهديدات الصواريخ البالستية، والمقصود هنا إيران، بعدما تخلى عن نشر هذه المنظومة في تشيكيا وبولندا بعد اعتراض روسيا وموقفها الصارم حيال هذه الخطوة التي تمثل تهديداً صريحاً في خاصرتها الأوروبية.

وبات في حكم المؤكد أن هذه الخطوة التي كانت تعتبر مشروعاً أمريكياً بامتياز، تحولت مطلباً "أطلسياً" بفعل الضغط الأمريكي والقدرة على تمرير أهداف واشنطن من خلال تأمين مظلة ما لتأمين شروط سياستها عبر الضغط المباشر في محاولة لإحراج تركيا، من موقع أن أنقرة عضو في الحلف وعليها التعاون، لكن في المقابل تملك تركيا حق الاعتراض وتعطيل أي قرار أطلسي بمفردها وفقا لحقها في النقض (الفيتو)، بما يجعلها في موقع قوي للتفاوض وفرض شروطها.

لكن بالرغم من ذلك، بدت ضغوط الحلف كبيرة هذه المرة، وهي لا تتقصد تعزيز الدفاع "الأطلسي" عن القارة الأوروبية ضد الصواريخ الإيرانية فحسب، وإنما تهدف كذلك لإحراج تركيا ودفعها إلى حسم خياراتها من العلاقة بين الشرق والغرب، وليس من قبيل الصدفة أن يؤكد مسؤولون أمريكيون أن الموقف التركي من نشر الدرع الصاروخي سيقرر موقف تركيا، "فإما أن تكون جزءاً من الغرب أو من الشرق، وفي ضوء ذلك تتحمل مسؤولياتها".

وسط هذا المناخ الضاغط، قدم الرئيس التركي عبد الله غول قبل مغادرته أنقرة إلى لشبونة للمشاركة في القمة، توضيحات أراد من خلالها طمأنة الدول المجاورة، وتأكيده أن تركيا تشترط ألا يستهدف مشروع الدرع الصاروخي بلداً محدداً، وكان واضحاً عندما أكد أن الحلف ليس منظمة للترهيب والتهديد".

ونظراً لخطورة الموضوع وحساسيته، ارتفعت أصوات داخل تركيا طالبت بعرض الموضوع على الاستفتاء الشعبي قبل اتخاذ أي قرار نهائي من جانب الحكومة والسلطة السياسية، وليس بمستغرب أن يسود الترقب والحذر الشارع التركي، ما دفع أحد كبار المحللين الاستراتيجيين الأتراك للقول إنه في عيد الأضحى تحولت تركيا بفضل مسألة الدرع الصاروخي إلى أضحية في العيد على مذبح المصالح الغربية، معتبراً أن الشعب التركي يضع رأسه تحت سكين الصواريخ.

لكنّ ثمة سؤالا يبقى حتى الآن دون إجابة واضحة: لماذا لم يتحرك الشارع التركي حتى الآن على غرار ما قام به التشيكيون والبولنديون عندما تظاهروا اعتراضاً على نصب الدرع الصاروخي قبل عامين على أراضيهم؟

صحيح أن الضغوط الروسية كان لها تأثير واضح دفع إدارة البيت الأبيض إلى التخلي عن هذه الخطوة في البلدين الأوروبيين، ربما ما يزال الأتراك يترقبون تطورات ما متصلة بما ستؤول إليه نتائج القمة، بالرغم من أنه ليس ثمة من يدرك إذا ما كان الرئيس غول قادراً على لجم الاندفاعة الأمريكية التي اختارت فجأة تركيا كمكان أكثر ملاءمة، نظراً لقربها من إيران بهدف الضغط عليها بذريعة سعيها لإنتاج قنبلة نووية.

لكن لا تخرج روسيا مع ذلك من كونها أيضاً هدفاً، لأن روسيا قالت للإدارة الأمريكية انه إذا كانت إيران هي الهدف فلتستخدم واشنطن الأراضي الأذربيجانية التي تقع تحت التأثير الأمريكي والإسرائيلي لنصب الدرع الصاروخي، لكن رفض واشنطن هذا الاقتراح يطرح علامات استفهام ومنها أن أمريكا تريد إحراج تركيا، ووضعها تحت الضغوط لتغيير سياساتها، خصوصا أن كل الحراك الأمريكي في المنطقة يتطلع لضمان أمن إسرائيل والسيطرة على منابع النفط.

وسط هذه التساؤلات، هل تكفي طمأنات رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان من أن القضية تتمثل في من ستكون له قيادة المشروع، منطلقا من مسلمة تقول إنه ينبغي أن تمنح لنا خصوصا إذا كانت خطة داخل حدودنا وتغطي أرضنا وإلا فمن المستحيل قبول مثل هذا الشيء، ما يعني أن تركيا تريد الاحتفاظ بالسيطرة على أي جزء من الدرع الصاروخي في أراضيها.

لكن في المقابل، فإن مراقبين أتراكاً وإيرانيين يرون أن هذه الشروط غير كافية، إذ ان عدم ذكر إيران بشكل مكتوب في عقيدة الحلف الجديدة لا يلغي أنها المقصودة ضمنا بهذه التهديدات، فضلاً عن أن نشر الصواريخ في أكثر من جبهة لا يلغي حقيقة أنها ستنشر في وضع مواجه لإيران وسوريا، وتتقصد أي خطر يأتي منهما، كما أن أحدا لا يضمن عدم تسرب المعلومات المتحصلة من النظام الصاروخي إلى إسرائيل في ظل العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة وكل الدول الأطلسية.

في هذا السياق أيضاً، حتى ولو لم تظهر إيران رد فعل سلبيا علنيا تجاه أنقرة، فإن نشر الدرع الصاروخي في تركيا ضد إيران سيترك انعكاساته السلبية على العلاقات التركية – الإيرانية، وأيضاً على العلاقات التركية – السورية وعلى الثقة المتبادلة القائمة بين أنقرة وكل من طهران ودمشق.

بدا جلياً أن الولايات المتحدة، تهدف إلى زعزعة الاستقرار في تركيا، وإصابة عصفورين بحجر واحد: مواصلة الحصار على ايران بتهديد عسكري مباشر، وتأزيم علاقات تركيا بالدول المجاورة وإعادتها إلى دور يناقض توجهاتها كقوة إقليمية عندما كانت تتقن الدوران في فلك السياسة الأمريكية!.