رمز الخبر: ۲۷۸۶۷
تأريخ النشر: 15:58 - 22 December 2010
الفارسیة نت - ماجد نيسي واحد من ألمع المخرجين التسجيليين الإيرانيين الجدد. وهو سينمائي يصرف وقتا طويلا في تحقيق افلامه. من اعماله السينمائية "قنابل برتقالية”، "صديقي الثور”، "نساء في الحدود”، "People  Rusty   ”، وغيرها من الأفلام التي اثاررت الاعجاب وحصد بعضها الجوائز. وينتمي السينمائي ماجد نيسي إلى جيل الحرب الذي عاش اهله ويلاتها وكان شاهدا عليها. فهو من الايرانيين العرب الذين عاشوا في منطقة الاهواز مآسي الحرب العراقية الإيرانية، وشهدوا اللجوء من مناطق الحرب إلى خيام اللجوء، بل إنه هو نفسه ولد في خيمة والدين لاجئين في اصفهان.

لكن تسجيلية ووثائقية اعمال هذا المخرج ليست مباشرة ولا هي سهلة، ولا هي ايديولوجية تبشيرية، إنها سينما تنهض على نظرة انسانية شاسعة وعلى وعي بالانسان وعالمه وعلى تأمل فلسفي بالحياة والانسان تجعله يستدرك الطريف والمهمل والعرضي والهامي وكل ما هو جمالي وعميق ولكن غير ملحوظ في حياة الانسان وعالمه، ويومياته.

شارك ماجد نيسي بأفلامه في العديد من المهرجانات العربية والدولية، وعرضت افلامه في محطات تلفزيونية عربية ودولية مرات عدة.

وهو يخطط حاليا لعمل تسجيلي كبير يتعلق بالرحالة العرب والمسلمين.

"المشاهد السياسي” التقته في طهران ودار حديث مطول حول تجربته السينمائية وافلامه التي قدمها للسينما الإيرانية، وبينها فيلمان واحد للبنان صوره في جنوبه والثاني للعراق صوره في جنوبه ايضا. كاني به ابن الفكرة الجنوبية جنوب الفقراء والصابرين في العالم. وكذلك لديه فيلم صور في الامارات وفيلم صور في الحدود الافغانية الإيرانية، والآنم هو في منطقة افغانستان حيث يعمل على شريط سينمائي جديد.

- لماذا اخترت السينما الوثائقية للتعبير عن نفسك وعن تطلعاتك الفنية في حقل السينما؟

-       عندما بدأت علاقتي بالفيلم لم أكن أحبذ السينما الوثائقية وكنت أميل نحو السينما الروائية، غير أن عاملاً أساسياً ربطني بالفيلم الوثائقي وهو عدم توفير الإمكانيات اللازمة لصناعة الفيلم الروائي. فأقبلت مكرهاً نحو السينما الوثائقية إذ كنت أعتقد أنه سوف يتسنى لي الدخول في ساحة الفيلم الروائي من جراء ذلك. فأنا كنت أصنع الأفلام بالمصروف الذي يعطيني أبي. ولكن نظرتي تغيرت تماماً حالما صنعت أول فيلم وثائقي. وكنت في السادسة عشر أو السابعة عشر آنذاك. فانفتح أمامي عالم مختلف جدا عما عهدته في خيالي وفي مراهقتي، عالم حقيقي يمر سريعاً من أمام عدسة الكاميرا، يعبر عيني ويطرق على دماغي. دخلت بعد ذلك في المجتمع وصورت الناس من حولي وشاهدت تلك التصاوير كثيراً في وحدتي. لم يكونوا سوى الذين أراهم كل يوم. ولكنهم اختلفوا بالنسبة لي عما كانوا قبل أيام. كنت أشاهدهم في خلوتي وأتساءل أمام التصاوير التي سجلتها بالكاميرا. لماذا؟! لماذا هذه المدفعيات … فوق الهضاب التي تحيط بحارتنا، ونحن كنا نذهب إلى تلك الهضاب لنجمع الشظايا فكل واحد منا يملك مجموعة من الشظايا. لماذا كانت جدران مدينتنا مغطاة بآثار شظايا الصواريخ والقذائف؟ لماذا أمي، وهي امرأة عربية، أنجبت تسعة أطفال؟ لماذا كان يتصاعد الدخان من لهيب البترول في شمال حارتنا وينير ليل سمائها ليترك الذرات السوداء على قراميط باحتنا وأمي تغسل الباحة في الساعة السادسة صباحاً في ذلك البرد الشتوي القارس، وعندما تتخدر قدماها من البرد كانت تسب شركة النفط و ترفع رأسها إلى السماء وتقول بلهجتها الأهوازية: "ربي يشربون بالنفط ويندون لنا الدخان”.

كنا نعيش في الأهواز, في جنوب غرب إيران حيث قضيت سني طفولتي فيها، المدينة التي تعرضت لحملات صدام الحربية. تلك الأسئلة التي تبدأ كلها ب‍”لماذا” أتتني عندما مسكت الكاميرا وصورت مدينتي بها. لم أحتج بعد إلى ممثل وقصة ومبالغ باهظة لصناعة الفيلم. القصة كانت قصة مدينتي والممثلون أصبحوا أهل المدينة. تصور أنك تواجه حكايات كلها مستندة إلى قصص قوية لم تخطر ببال السينما الروائية قط. ومنذ ذلك الوقت أنا عشقت السينما الوثائقية. وفي نهاية هذا السؤال يسعدني أن أقدم شكري إلى وزير الثقافة آنذاك إذ كان التعليم الثقافي للصبيان في حقبته غير مهم لدرجة لم يتسن لهم النمو في حقل السينما، فنحن توصلنا للوثائقي من جراء الحرمان.

القنابل البرتقالية

- في فيلمك القنابل البرتقالية نكتشف الحياة مجدداً بوصفها مشروعا عظيماً بمقدار ما هو العالم المحيط بهذه الحياة إجرامياً وعبثياً في إجراميتيه.. ما الذي حملك إلى جنوب لبنان لتصوير هذا الفيلم، وكيف اهتديت إلى الموضوع؟

-       الحرب هي أول الأشياء التي أخذتني نحو جنوب لبنان.. والحرب هي قصة طفولتي. فأنا كما ذكرت قضيت فترة طفولتي في الحرب. عندما ولدت كانت عائلتي تركت مدينتها واستقرت في إحدى حدائق مدينة أصفهان وأخذت تواصل حياتها في خيمة، كانوا يسمونهم "جنك‌زدة” أي "منكوبي الحرب”. وأنا ولدت في إحدى المدن التي تقع بين طرق هروب عائلتي من مدينتهم، في بناية شركة المياه والكهرباء وهي حولت إلى مستشفى صحراوي في ذلك الوقت. وعند مولدي تأتي الإجابة على سؤالك وهي أن الحياة فكرة كبيرة والعالم يرتكب الجرائم بسبب جهله. العالم كان طرد عائلتي من بيتهم وسحق هويتهم وشخصيتهم وكرامتهم. فما الذي كان عليهم ان يفعلوا؟ هل عليهم أن ينتحروا؟ وكان الأمر عكساً لذلك، فإنهم واصلوا الحياة، وفي النهاية هي الحياة تنتصر. وإن لم يكن كذلك فلن يبق إنسان على سطح الأرض. فمنذ بداية الخلق كان العالم يقترف الجريمة ولكن الحياة دائماً تنتصر على الجريمة، لأن الإنسان يحب الحياة ويحب أن يعيش ويحيا، ولأنه ولد لكي يحيا. ولذلك يقاتل الإنسان أمام جرائم العالم أحياناً وأحياناً ما يتكيف معه وأحياناً.. .

ومثل كل الأيام التي كانت تمر في بيروت، إذ كنت أذهب في العصاري وبعد انتهاء التصوير إلى مقهى يقع بالقرب من شارع الحمراء، دخلت المقهى لأشرب قهوة بيروتية واغسل تعبي. وبينما كنت أرتشف القهوة سمعت رجلين يتحدثان معاً:

-       هل سمعت أن هناك في الجنوب رجلاً وزوجته لهم حديقة برتقال وامتلأت الآن حديقتهم بالقنابل؟ والآن عند مجيء موسم الاقتطاف، هم يبطلان مفعول القنابل حتى يتمكنوا من اقتطاف البرتقال.

فسألت ما إذا كانا يعرفان مكان تلك العائلة في الجنوب؟ فأجابا أنهما لا يعرفان. وغد ذلك اليوم استعرت سيارة وبحثت جنوب لبنان مدينة بعد مدينة وقرية تلو قرية وراء أثر لتلك العائلة وشاهدت في طريقي أشخاصاً كثيرين يعملون نفس الشيء، غير أنهم لم يكونوا مثلي رجلا سينمائيا وزوجته. وبعد حوالي عشرة أيام من البحث وجدتهما وكان فيلم "القنابل البرتقالية”.

فيلم عن العراق

- في فيلمك People Rusty تزج بنا في قلب الماساة الانسانية لعراقيين ينبشون في التراب بحثاً عن معادن صدئة من مخلفات الحرب للانتفاع بثمنها. كيف اهتديت إلى الموضوع وما الرسالة النهائية للفيلم؟

-       في الحقيقة كانت رحلتي إلى العراق فضولاً. كنت أريد معرفة أمة كانت أمامنا طوال ثمانية أعوام من الحرب. كنت في الثالثة والعشرين من عمري. هناك في العراق عرفت تجربة كنت أقرا عنها في الكتب ولكني لم أفهمها حتى ذلك الوقت وهي أن قضية الشعب تختلف عن قضايا الدولة. الشعب العراقي كان شعباً مثلنا وهم أيضاً كانوا قد ذاقوا طعم الحرب المر مثلما كنا.

التسكع مهمتي. والضياع والوجدان هما يشكلان شخصيتي. ويبدأ دائماً تسكعي حالما أدخل أية بلاد. الضياع والوجدان في ال‍‍”لوكيشن”. أتسكع وأضيع نفسي وأجدها إلى أن أجد قطعة من نفسي وتلك القطعة هي التي تصبح فيلماً. فمن خلال تسكعي وجدت هذا الموضوع في العراق مثلما سبق وحصل ذلك في الأفلام السابقة.

الحرب تغير الحياة ولكنها لا تمحوها، بل هي تسبب طريقة جديدة لها. فعلى سبيل المثال عندما كنت طفلاً وكانت الحرب تغيرت ألعابنا. أتذكر أن في أحد الألعاب كنا نذهب مسرعين بعد القصف الجوي وإعلان "الوضعية البيضاء” أي الهدوء ونصعد وأولاد الحارة إلى سطح الدار لنجمع الشظايا التي خلفها القصف على سطوح البيوت ونأتي بها إلى الشارع ونتبادلها. فالحرب كانت لعبة جديدة لنا. أو كانت أمي تخرج الزاد وأيضاً الأسناد التي خبأتها في المأوى…… الذي أنجزته عند زاوية البيت لتنظفها أكثر من مرة يومياً، وحتى أنها كانت تنظف ذلك القسم أكثر من البيت نفسه. أو إنها كانت اقتربت من أبي وكانت تحبه أكثر مما كانت. وزد على ذلك حب الفتيات والفتية في مآوي الحارة وفي صوت آجير خطر….. والذي كان يولد من وميض المشعل الوحيد في المأوى. كل ذلك كان حياة لكنها كان قد تغير شكلها.

وفي العراق رأيت امرأة تعيش في بلد انحنى ظهره بسبب التعسف السائد والآداب الخاطئة وسلطة الرجال لكنها وبالرغم من ذلك كانت تحب الحياة وتحب أسرتها وزوجها الذي سلبت الحرب يده وقدمه. كانت تعشق زوجها وأنا رأيتها إنسانة تماماً.

أما الرسالة النهائية للفيلم فهي عبارة عن أن الحياة تستمر رغم المأساة التي يعيشها ويعانيها الإنسان.

ايرانيات وافغانيون

- في فيلمك Hair My Disturb تتحدث عن الإيرانيات اللواتي تزوجن أفغانيين وعذابات الهجرة من أفغانستان إلى إيران، على مدى ربع القرن الأخير، ما هي الرسالة، وما الذي تمكن الفيلم من إثارته حول هذه القضية؟

-       بداية أذكر مجملاً عن وضع الأفاغنة في إيران. الحرب التي جرت واستمرت أكثر من ربع قرن في أفغانستان تسببت في هروب الأفغانيين إلى بلاد أخرى وإيران كانت البلد الوحيد الذي آوى وفق الإحصائيات المختلفة بين مليونين ونصف إلى خمسة ملايين من الأفاغنة. كل العالم لاسيما الدول النامية والمناصرة لحقوق الإنسان أغلقت حدودها أمام أولئك المتشردين. أما إيران فكانت تعتقد أن الحرب ستنتهي بعد حين وسمحت لعدد كبير من الأفاغنة أن يدخلوها بسلام ولكن معارك أفغانستان لم تنته بل استمرت ما يربو على نصف قرن.  فبقي الأفاغنة في إيران، وولدوا وبما أن غالبية المهاجرين إلى إيران كانوا من القرويين والعمال فواصلوا مهنهم وفتحوا طريقهم بين المجتمع القروي في إيران وانخرطوا فيه وصاهروه……

وتبدأ القصة من أن أفغانستان انتهت الآن من الحرب ووفق المعاهدات التي تم التوقيع عليها مع منظمة الأمم المتحدة على الأفاغنة أن يعودوا إلى بلادهم. وبين أولئك هناك نساء إيرانيات تزوجن من رجال أفغانيين وبما أن أزواجهن وأطفالهن اضطروا إلى…. الخروج من إيران فاضطررن هن الأخريات إلى الذهاب معهم أو أن يبقى أزواجهن بشكل غير شرعي في إيران.

عندما ذهبت أولئك… النساء إلى أفغانستان واجهن صعوبة في مواصلة العيش هناك لسببين أساسيين هما أن النساء وأطفالهن الذين ترعرعوا في إيران لم يستطعن التكيف مع مجتمع أكثر تقيداً ورجعية من المجتمع السابق ولذلك واجهن مصاعب جمة. والثاني هو أن  الفقر كان  سائداً في أفغانستان إلى درجة أصبح رجالهن بلا عمل فأصبحت الحياة لهن غير محتملة، وكثير من أزواج أولئك النساء اضطروا إلى مغادرة الأسرة والرحلة إلى سائر مدن أفغانستان لإيجاد عمل أو إنهم أقبلوا على تهريب المخدرات. أما إيران فهي لا تستثني شيئاً في قانون الأجانب ولا تمنح الهوية الإيرانية لأزواج الإيرانيات من غير إيرانيين.

وفي الحقيقة عندما بدأت بهذا الفيلم كنت أعتقد أن المتلقين والمشاهدين هم المسؤولون والجهات المعنية، وكنت أريد أن أنجز فيلماً يحل من مشاكل أولئك الأخوات الإيرانيات ليرجعن هن وأسرهن إلى إيران.

وبعد إنجاز الفيلم، سلمه المنتج إلى بعض المسؤولين وكما سمعت أن المسؤولين المعنيين أقروا قانونا يسمح بمنح تأشيرة عمل للنساء الإيرانيات اللواتي تزوجن من أفاغنة  ليتمكن من العودة مع عوائلهن إلى إيران. وكان ذلك انتصاراً كبيراً لي ولتلك الأسر ويجب أن يقدم الشكر لمن قرر لذلك القانون. على الفيلم الوثائقي ان يغير في صورة ما أن يكشف عن حقائق وأن يلهم المعنيين في ابتكار وسائل أكثر انسانية وجمالا.

الفيلم الوثائقي

- هل مطلوب من الفيلم الوثائقي أن يثير نقاشاً، ويفتح طريقاً مسدودة، أم ان من شأنه ان يوثق وحسب؟

-       ما معنى الوثيقة في الفيلم الوثائقي؟ هو أن تكون لديك وثائق تستند بها، إن استندت بوثائق هذا يعني أنك تستطيع أن تترك أثراً على الآخرين، يمكن أن يخلق جواً للمناقشة حول الموضوع أو يفتح طريقاً كان مغلقاً من قبل. ومن الطبيعي أن الفيلم الوثائقي يستطيع أن يؤثر بشكل أعمق بما فيه من علاقة مباشرة مع عواطف الإنسان وأحاسيسه وأفكاره. ثم إن قدرة الصورة تساهم في تأثير الوثائق وبقائها في ذهن المشاهد، فمن ذلك على الفيلم الوثائقي الذي يستند بحدث أو حالة أو بجغرافيا خاصة أن ينجز ما يمكن عندما يشعر أنه يستطيع فتح طريق ما أو فتح مناقشة يواجه بها العالم المحيط به، وبذلك يمكنه العمل برسالته تماماً.

الانسان لا الجغرافيا

- صورت أفلامك في اكثر من جغرافيا لبنان، الحدود الافغانية الإيرانية، العراق، الإمارات، هل تسعى وراء فكرة في جغرافيا، ام المصادفة تلعب دورها في عملك؟

-       تصوير الإنسان بمفهومه الإنساني هو أول ما يمكن مشاهدته في أفلامي فلذلك ليست الجغرافيا همي وهاجسي، ولم يأت ذلك صدفة بل هاجسي الأول هو الإنسان. أحب أن أرى الناس بصرف النظر عن الحدود الجغرافية والسياسية، أحب أن أراهم في ثقافات مختلفة وتلك التعددية الثقافية التي تلاحظها في أفلامي هي حجة لأشاهد الناس دون النظر إلى الأعراق والقوميات، وسوف هكذا أواصل المشوار. أما لو كنت تعني: لماذا عملت في الشرق ما بين ايران وافغانستان والعالم العربي، ولماذا تدور أفلامي في البلاد العربية والجغرافيا الإيرانية، فأقول أن هاتين الثقافتين هما اللتان تشكلان ذاتي، فأنا ولدت في أسرة عربية تعيش في بلد ناطق بالفارسية، ولذلك السبب أعرف الثقافتين جيداً، وأنا عشت فراغاتهما وميزاتهما الثقافية في نفس الحين، وأنا واجهت الإنسان الذي يعيش فيهما عن كثب، وجربت الظروف السياسية، والثقافية، والاجتماعية في هاتين الثقافتين. نتيجة لذلك ولو نحن رفعنا الحدود السياسية والجغرافية في هذه المنطقة، إذ ذاك في كل ناحية من تلك الجغرافيا أجد بيتاً لنفسي.

السينما الوثائقية

- هل تطمح إلى عمل فيلم روائي أم أنك متخصص في الافلام الوثائقية وهو الحقل الذي ترغب في المواصلة فيه؟

-       أنا أحب عالم السينما الوثائقية والآن وبعد كل ما أنجزت أكاد أكون متخصصاً، ولذلك لا أريد أن استبدلها بالسينما الروائية، ثم أعتقد أن الإنسان وفي العالم الذي نعيش فيه اليوم يحتاج إلى السينما الوثائقية أكثر من احتياجه لأخواتها، من أجل أن يستطيع الخروج من أحلامه ومعرفة نفسه وقدراته بشكل واسع.

صديقي الثور

- في فيلمك "صديقي الثور”  نحن بإزاء تسجيل لا يخلو من طرافة لعلاقة شخص بثيرانه، في إمارة الفجيرة. هناك أكثر من إشارة تتعلق بإنسانية الإنسان وطرافته على هامش الحياة الحديثة حيث التطور والمدنية في صحراء غير معرفة؟

-       قصة الإنسان الإماراتي قصة غريبة ومأساة في نفس الوقت. هناك فجوة عميقة بين جيلين، أشخاص من الجيل السابق يهربون من تصميم المدينة الحديثة لكونهم عاجزين عن التكيف مع الظروف الراهنة، يلوذون دائماً بالصحراء وبتراثهم، وهناك في المقابل الجيل الشاب الذي وقع بين الحداثة والتراث، يعرف من التراث سهرات الصحراء وسباق امتطاء النياق وحسب، ويفهم فقط السيارات الفارهة والبيوت الفخمة والكنبات الضخمة من الحياة العصرية، فهذا الجيل لا يستطيع أن يرجع إلى أصل تراثه ولا أن يكيف نفسه مع الحياة الحديثة. في الحقيقة إن الجيل الحالي في الإمارات هو جيل الأزمات وجيل تجاوز المرحلة، هو كبش الفداء لمن يأتون في المستقبل وليس لديه إلا تجاوز مرحلة اختبار تغيير الإنسان في بلده. وأما في الجيل السابق الذي نرى مؤشراً له في الفيلم، يلوذ الإنسان بطفولته هارباً من الحياة الحديثة، تلك الطفولة التي كان هو عاشقاً للحيوان فيها يكلمه والآخر أيضاً يكلمه. وبرأيي أنا صورت الذات الطفلة لذلك الرجل في الفيلم، وليس هناك مفهوم للإنسانية أطهر من البعد الطفولي في ذات الإنسان. طفولة تستطيع أن تقرب الإنسان من إنسانيته.

الطرافة الانسانية

- هنا في هذا الفيلم "صديقي الثور”  نكتشف الطرافة الانسانية والفكاهة في جو غرائبي بعض الشيء.. رغم البساطة المفرطة…تكاد تكون هناك حبكة قصصية طريفة.. ما هي الحدود بين التأليف والتسجيل في الفيلم التسجيلي؟

-       بداية دعني أذكر لك أن لكل إنسان قصة هي قصة حياته، أكبر قصة على سطح الأرض، أي نحن لدينا قصص رائعة بعدد الذين يعيشون على سطح الكرة الأرضية. وإن حكيت أنا كمخرج لأفلام وثائقية قصة أي إنسان فذلك يعني أنني صورت وثيقة من حياة ذلك الإنسان. وهناك نقطة مشتركة بين التأليف والتسجيل وهي حياة الإنسان وحقيقة تلك الحياة، أي أنا أحب أن أصور قصة حياة بطل فيلمي التي هي موثقة.

سينما ايرانية

- حدثني عن رؤيتك للسينما التسجيلية في إيران، ومستواها نسبة غلى السينما التسجيلية العالمية؟

-       الحمد لله أن السينما التسجيلية الإيرانية لها مكانتها في العالم وتلك المكانة وصلت إلى درجة أننا لا نرى مهرجاناً راقياً في العالم يفتتح أعماله دون السينما التسجيلية الإيرانية، كما أننا لا نرى تلفزيوناً فارغاً من الأفلام التسجيلية الإيرانية، وربما يعود السبب إلى القضايا السياسية التي تسود في العالم وهي تميز إيران نوعاً ما. ولكن تأكد إن لم يكن لهذه السينما كلام لتقوله لما طرح اسمها في العالم مثلما هي الآن.

السينما التسجيلية العربية

- ما رأيك بالسينما التسجيلية العربية اليوم؟ من هم السينمائيون التسجيليون العرب الذين أثاروا اهتمامك؟

للأسف أعترف أنه لا معرفة لدي عن السينما التسجيلية العربية وتتمحور معرفتي – حول السينما التسجيلية الأوروبية والأمريكية والأفريقية. ربما أحد الأسباب هو عدم وجود الأفلام التسجيلية العربية في إيران. ولكني سمعت أن المخرجين التسجيليين العرب لا سيما السوريين واللبنانيين لديهم ما يطرحونه في العالم وسمعت قبل عدة أيام من صديق هو من أشهر المخرجين التسجيليين في إيران أنه شاهد فيلماً تسجيلياً سورياً وقال إننا لو وضعنا كل السينما التسجيلية الإيرانية على جهة من الميزان ووضعنا ذلك الفيلم في الجهة الأخرى لكان الفيلم أثقل زنة. فنتيجة لذلك من المؤكد أن هناك سينما تسجيلية لم يتعرف عليها الإيرانيون حتى الآن.

نساء كثيرات

- هناك شيء ملاحظ في أفلامك وهو موضوع النساء، هل السبب هو البيئة أم المشاكل التي تغمر النساء دائماً أو إنه هاجس شخصي أم ماذا؟

-       في الحقيقة أن شخصية أمي أثرت كثيراً في هذا الأمر، امرأة تعيش في مجتمع رجولي ومنكوب من الحرب وكانت تحاول أن تبلغ المكانة التي تفكر أنها تستحقها. لكنها لم تصل إليها وللأسف. فأخذت تنخرط في ذلك المجتمع التقليدي فأصبحت جزء منه. وهناك نساء كثيرات في العالم الثالث يشبهن أمي.

المصدر : مجلة المشاهد السياسي اللندنية