رمز الخبر: ۲۷۸۹۱
تأريخ النشر: 11:55 - 25 December 2010
عصرایران - وکالات - في إطار الجدل الذي أثارته وثائق السفارات الأمريكية التي سربها موقع ''ويكيليكس'' في كافة أرجاء المعمورة، تحدث الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تأثيرات تلك الوثائق في حلقة الخميس من برنامجه ''مع هيكل'' على فضائية الجزيرة، مرجعاً أهمية تلك البرقيات لسببين، هما إعطاء انطباع عن استراتيجية موجودة في منطقة الشرق الأوسط، وإعطاء صورة اجتماعية سياسية إنسانية متناقضة.

وأشار هيكل إن هناك من يتصور أن الربع مليون وثيقة المسربة كبيرة الحجم بشكل غير مسبوق، الأمر الذي أعطى انطباعاً بأن إعصاراً من الوثائق يتدفق، موضحاً أن الناس لم تتوقع كم الوثائق الغير معلومة.

ولفت إلى أن هناك وكالتان فقط مجموع ما يسجلانه 6 بليون وثيقة او محادثة يومياً، وبالفرض أن 1% منها هام فنحن امام طوفان هائل وبالتالى 250 ألف وثيقة ليس بالحجم الضخم.

واضاف الكاتب الكبير أن كل الوثائق التى تم نشرها جميعها على نفس القدر من الاهمية ولكنها لم تكن موضوعة في اطار من السرية بالشكل الكامل لانها موجودة في وزارة الخارجية الامريكية وهى ليست الجهة المختصة بالتعامل مع منطقة الشرق الاوسط لأنه لسوء الحظ يتم التعامل مع المنطقة بالشكل الأمنى وذلك من وجهة نظر الولايات المتحدة والنظم الحاكمة في المنطقة.

وأوضح أن الفكر الأمنى يوجهنا إلى الأجهزة الإستخباراتية أو وزارة الدفاع ''البنتاجون'' أو الأمن القومى باختلاف درجاته، فجميع ما نشر يكشف نواحي ولكن ليست هذه هي اسرار المنطقة وهى لا تزال في بئر عميق وموجودة في البيت الابيض وفى البنتاجون وغيرها.

ولخص الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل ما تظهره الوثائق المسربة من حقائق إستراتيجية خاصة بالشرق الأوسط، في سبعة حقائق، أولها تفكك النظام العربي الذي كانت أمريكا تخشاه، مشيراً إلى أن الأنظمة العربية كارهة لبعضها وأن هناك سياسة أمريكية تتعامل مع أطراف عديدة في المنطقة ولا تعرف اليد اليمنى ماذا تعطى اليد اليسرى في تلك التعاملات.

وبالنسبة للحقيقة الثانية، قال هيكل إنها تتمثل في قرب كال النظم العربية الموجودة بما هو أكثر مما هو صحي وضروري مع الولايات المتحدة، وتظهر الوثائق أن هناك نوعاً من الحميمية بهذا القرب وإطلاع الولايات المتحدة على كل شئ داخل تلك البلاد.

اما الحقيقة الاستراتيجية الثالثة فهى ان الولايات المتحدة لم تعد تخشى من أى خطر في المنطقة الا بقايا جماعات ارهابية و بقايا من الصراع العربي الإسرائيلى، وأشار هيكل إلى أن الولايات المتحدة ترغب في تصفية القضة الفلسطينية لسببين فبجانب أنها تريد أن تضع حل آمن في الشرق الاوسط فهى تريد أيضا ان تمهد للرئيس الامريكى لسببين اولهما ان الرئيس أوباما في ازمة لتراجع شعبيته وعدم تحسن الأزمة الاقتصادية وخريطة العالم امامه مغلقة ولا يوجد شئ يتحرك فيه سوى القضية الفلسطينية.

وأوضخ هيكل أنه لو استطاع الرئيس أوباما تقديم نفسه للناخب الأمريكي في الانتخابات التي ستجرى بعد أقل من عامين على أنه الرجل الذى استطاع أن يصنع السلام في أرض السلام فهذا منطلق جيد له، مشيراً إلى أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تقوم بجهد حقيقي لحل المشكلة وذلك لانه في حالة عدم مجيء أوباما رئيساً فتستطيع ان تترشح على مقعد الرئيس أو ان تتحول من وزير خارجية الى نائب للرئيس ورغم انها صرحت ان وزارة الخارجية هو آخر منصب عام ستتولاه إلا أن هيكل رأى أن حلم البيت الأبيض لا يزال مسيطراً على أسرة كلينتون.

وقال هيكل إن الحقيقة الرابعة التي تزيح الوثائق عنها الستار تتمثل في ''أن العدو الرئيسي في المنطقة للولايات المتحدة هي إيران وأن كل الأخطار تلاشت ولم يعد يبقى سوى إيران وتصفية الأوضاع فيها متعلق بتعاون الدول العربية بدون محاذير، مشيراً إلى ان بعض الناس يقولون لن نستطيع التعاون في موضوع ايران والقضية الفلسطينية لا زالت عالقة، وما يبدو هو ان هناك توجه لاعفاء بعض الدول العربية من حرج التعامل مع ايران طالما بقت القضية الفلسطينية عالقة.

وبالنسبة للحقيقة الاستراتيجية الخامسة قال هيكل إنها تتمثل في أن القوة الفعالة والذى يضع جدول الأعمال في المنطقة هو إسرائيل والباقى كله هو ردود فعل على ما تفعله الدولة العبرية سواء بالموافقة أو الممانعة وكل هذه الحقائق واضحة.

وتحدث هيكل عن الحقيقة السادسة قائلاً إن كل الوثائق أوضحت تراجع دور الجيوش في المنطقة لصالح البوليس ولم تعد المخاطر هى الأمن القومي للدول العربية ولكن تحول إلى امن الأنظمة لذلك فهم لا يحتاجون الى جيوش بقدر ما يحتاجون إلى الأمن الداخلي والجيوش دورها تراجع بالمقارنة بسبعينات القرن الماضي.

وقال إن الحقيقة الإستراتيجية تتمثل في أن هناك باستمرار نقطة خلاف بين الأنظمة العربية والولايات المتحدة الأمر الذي يشكل توتراً في العلاقات، مرجعاً الأمر إلى أن هذه النظم تعطي للولايات المتحدة ما تريده استراتيجياً، وفى المقابل لا تريد الولايات المتحدة ان تتدخل في الشان الداخلي لتلك البلدان وينشأ نزاع منشأه ان الولايات المتحدة تقول انهم يقدمون خدمات لها والشان الداخلي لا علاقة لنا به ولكننا نرى في بعض الاحيان ان ما تفعلونه في بلدانكم قد يؤثر على مستقبلكم ولذلك نحن ننصحكم في بعض الأحيان حفاظا على علاقات وصداقات دائمة في المنطقة.

ولفت إلى أن المشكلة تكمن في أن العالم العربي في اكثر من مكان يرد ويقول لا علاقة لكم بذلك وهذا يتعلق بخصوصيتنا.

وشبه هيكل هذا الأمر بما كان يجري في إيران أيام حكم الشاه، الذي كان يضع نفسه في خدمة المصالح الأمريكية، وينفرد بالشأن الداخلي في بلاده، الأمر الذي اقلق الولايات المتحدة عليه، وفي النهاية ساءت أحواله بما لم تستطع الولايات المتحدة مد يد العون له، وتخيل هو أنهم تخلوا عنه.

وبعد عرضه للحقائق الإستراتيجية السبعة التي أوضحتها وثائق ويكيليكس، قال هيكل إن تلك الوثائق ''يبدو فيها أيضاً بانوراما وصورة عريضة للأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية''.

وبعد قرأ الوثائق قراءة متأنية، أكد الكاتب الكبير أن الوثائق لم تعطه ''جديداً كبيراً يمكن أن يبهره''، ملفتاً أن ما انبهر به هو عرض صورة تعطيها وتقدمها من حيث الحقائق الاستراتيجية او الصورة البانورامية التى عرضتهاالوثائق.

وتحدث الكاتب محمد حسنين هيكل عن عدة مشاهد قال إنها هامة في دلالتها ومعانيها، فالمشهد الأول هو أن كل بلد عربي توجد به أسرة متحكمة أو متملكة بصرف النظر عما يوجد في الدساتير الموجودة في تلك البلدان، والثاني هو أن كل البلدان في المنطقة بها محاولات توريث تحت أي اسم وأي صورة، موضحاً أنه في ظل منطق الأسرة فالتوريث أمر طبيعي.

وبالنظر إلى المشهد الثالث قال هيكل إن جزءاً كبيراً من حيوية الثراء وفائض الإنتاج وأشياء أخرى تؤول إلى هذه المجموعات – الأسر المتحكمة أو المتملكة - إلى الدرجة التى تكاد تكون  ''تحالف السلطة والمال''، مشيراً إلى ان ما يزعجه هو وصف الوثائق لتلك المجموعات بـ ''عصابات المافيا''.

ووفقاً لتحليل هيكل، جاء المستوى المعيشي الخرافي الذي تعيش فيه هذه النخب كرابع المشاهد، وهو ما وصفه سيفراء الولايات المتحدة في تلك البلدان بأن مأدب الطعام يُقفدم عليها أكثر من عشرة أطباق وهو أمر مزعج أيضا.

وبالنسبة للمشهد الخامس قال هيكل إن إن هذه البلدان تسيطر عليها الفبضة البوليسية، ويشير المشهد السادس – وفقاً لتحليل هيكل – إلى أن هناك محاولات لتلطيف الردع وعدم الاعتماد فقط على القوة البوليسية واللجوء إلى المال أو الإعلام إو الإلهاء أو إشاعة فكرة الرضا بالمقسوم والحظوظ.

وقال هيكل إن المشهد السابع يتلخص في أن فكرة الدولة أو ما تبقى منها تلاشى في البلدان العربية والقانون في المنطقة تحول إلى نص تحكمي والحديث في القانون لا يؤثر فيهم، موضحاً أن الشرعية غائبة في البلدان العربية وأن الحكومات تحولت إلى أجهزة تسيير شئون، ورغم أن هذا هو هدف النظم العربية إلا أنه لا يكفي.