رمز الخبر: ۲۹۷۳۲
تأريخ النشر: 10:53 - 06 April 2011
ان‌ تاريخ‌ الأدب‌ الفارسي‌ يتجسد في‌ اللغة‌ الفارسية‌ والخط‌ الفارسي‌، اذ لابد أن‌ نتعرف‌ على نشأة‌ وفترة‌ ولادتهما وكيف‌ تطورت‌ ونمت‌ واكتملت‌ هذه‌ اللغة‌ وانسابت‌ في‌ لجج‌ بحور الأدب‌ العالمي‌.
وكما نعلم‌ فان‌ الانسان‌ في‌ نشأته‌ الأولى‌ لم‌ يكن‌ يعرف‌ الكتابة،‌ فكان‌ يعبر عن‌ ما يرغب‌ بيانه‌ عن‌ طريق‌ الكلام‌ والتكلم‌ وذلك‌ بشكل‌ محدود بهدف‌ تأمين‌ احتياجاته‌ اليومية‌ آنذاك‌.
ان‌ تاريخ‌ ظهور الخط‌ يعتبر غامضا لحد الآن‌ حيث‌ يمكن‌ الاشارة‌ هنا الى‌ أن‌ أولى‌ الكتابات‌ التي‌ قام‌ بها الانسان‌ في‌ عهوده‌ الأولى‌ كانت‌ بدائية‌ وبسيطة‌ جدا بحيث‌ كان‌ يرسم‌ ويصور ما يريد ان‌ يعبر عنه‌ ويفهم‌ الآخرين‌. فهذا النوع‌ من‌ الكتابة‌ كان‌ يسمى‌ (الخط‌ التصويري‌) او الهيلوغريفي،‌ اذ تجده‌ عند بعض‌ القبائل‌.
ان‌ هذا الخط‌ التصويري‌ اخذ يتكامل‌ بمرور الزمن‌ فتحول‌ من‌ رسم‌ الاشارات‌ والعلامات‌ الى المرحلة‌ الألفبائية‌.

ان‌ هذا الخط‌ الألفبائي ‌ظهر لأول‌ مرة‌ بين‌ الفينيقين‌ أي‌ بين‌ الاقوام‌ التي‌ كانت‌ تقطن‌ أرض‌ فينيقية‌ (أي‌ لبنان‌ الحالية‌ والاراضي‌ المحيطة‌ بها) قبل‌ حوالى‌ ثلاثة‌ آلاف‌ سنة‌ قبل‌ الميلاد.
وانتشر هذا الخط‌ في‌ سائر المناطق‌ وبما أن‌ حروف‌ الالفباء كانت‌ محدودة‌ ولا تتعدى‌ حداً معيناً، فقد كانت‌ تستخدم‌ للتعبير عن‌ المفاهيم‌ عند تركيبها وتكوين‌ الكلمات‌ حيث‌ كانت‌ كل‌ كلمة‌ تعوض‌ آلاف‌ الصور والعلامات‌.

وقام‌ الايرانيون‌ باقتباس‌ العلامات‌ المسمارية‌ البابلية‌ وذلك‌ خلال‌ مئات‌ السنين‌ قبل‌ الميلاد أي‌ في‌ عهد الامبراطورية‌ (المادية‌). وان‌ سبب‌ تسميته‌ بالمسمارية‌ يعود الى‌ استخدام‌ القضبان‌ الحديدية‌ الصغيرة‌ او الخشبية‌ التي‌ تشبه‌ المسامير عند الكتابة‌، اذ كانوا يكتبون‌ على‌ لوحات‌ طينية‌ فسميت‌ بالخط‌ الهجائي‌ والذي‌ يحتوي‌ على‌ 36 حرفاً هجائيا كانت‌ تكتب‌ من‌ اليسار الى‌ اليمين‌. هذا وان‌ كل‌ الكتابات‌ الحجرية‌ المتبقية‌ من‌ العصر الاخميني‌ كانت‌ مدونة‌ بهذا الخط‌.

أما الخط‌ (الاوستائي‌) فكان‌ في‌ الأصل‌ منحدراً من‌ الخطوط‌ السامية‌ حيث‌ كانوا يكتبون‌ به‌ حتى‌ العصر الساساني‌ النصوص‌ الدينية‌ الخاصة‌ بالدين‌ الزرادشتي‌ وبالأخص‌ الكتاب‌ المقدس‌ للايرانيين‌ القدامى‌ (أوستا). فكان‌ الخط‌ الأوستايي‌ كأغلب‌ الخطوط‌ السامية‌ يكتب‌ من‌ اليمين‌ الى اليسار وعدد حروفه‌ 44 حرفاً وبما ان‌ حركات‌ الكلمات‌ كانت‌ داخل‌ الخط‌ ولها علامات‌ منفصلة‌، لذا فان‌ قراءتها وكتابتها كانت‌ سهلة‌ وبسيطة‌ جداً.

لقد ظهر زرادشت‌ خلال‌ القرنين‌ السادس‌ والسابع‌ قبل‌ الميلاد مع‌ كتابه‌ الديني‌ (أوستا) الذي‌ قضي‌ عليه‌ الاسكندر المقدوني‌ عند غزوة‌ بلاد فارس‌. ونسخة‌ أوستا التي‌ بين‌ أيدينا الآن‌ تتألف‌ من‌ خمسة‌ كتب‌ بالخط‌ المسماري‌:
1ـ كتاب‌ يسنا
2ـ كتاب‌ يشتها
3ـ كتاب‌ ويسبرد
4ـ كتاب‌ ونديداد
5ـ كتاب‌ خرده‌ اوستا
وهذه الكتب‌ الخمسة‌ تحتوي‌ على‌ الأدعية‌ والتضرعات‌ لإله‌ الزرادشتيين‌ الكبير.
أما الخط‌ (البهلوي‌)، فكان‌ يستعمل‌ خلال‌ العصرين‌ الحثي‌ والساساني‌ وخلال‌ عدة‌ قرون‌ بعد ظهور الاسلام‌ في‌ المناطق‌ الشرقية‌ لايران‌ وذلك‌ لتدوين‌ الكتب‌ الفكرية ‌ الفلسفية‌ التي‌ كانت‌ تعود الى‌ الأديان‌ المتواجدة‌ قبل‌ الاسلام‌.
ويذكر ان‌ معظم‌ الأدب‌ الفارسي‌ المتوسط‌ كان‌ قد كتب‌ بالخط‌ البهلوي‌ الذي‌ كان‌ يتكون‌ من‌ 22 حرفاً هجائياً ويكتب‌ من‌ اليمين‌ الى‌ اليسار.
أما لغة‌ ايران‌ قبل‌ الاسلام،‌ فقد كانت‌ تدعى‌ اللغة‌ (الفارسية‌) أو (البارسية‌) وهي‌ أصل‌ وأم‌ لغة‌ ايران‌ الحالية‌ وهي‌ من‌ فروع‌ اللغات‌ الهندوـ أوروبية. واللغة‌ الفارسية‌ من‌ البدء لحد الآن‌ اجتازت‌ ثلاث‌ مراحل‌ منفصلة‌:

أولاً: الفارسية‌ القديمة‌ حيث‌ شاعت‌ في‌ العصر الاخميني‌ وهي‌ كانت‌ تكتب‌ وتدون‌ بالخط‌ المسماري‌ حيث‌ نجد هذه‌ اللغة‌ في‌ الآثار التاريخية‌ العريقة‌ بشكل‌ لوحات‌ حجرية‌ في‌ الآثار الاخمينية‌ الواقعة‌ في‌ (بيستون‌) في‌ محافظة‌ كرمانشاه‌ وألوند في‌ همدان‌ واستخر في‌ فارس‌ وشوش‌ في‌ خوزستان‌ وكذلك‌ في‌ مصر.

ثانياً: الفارسية‌ الوسطى‌ (البهلوية‌) التي‌ تنقسم‌ الى‌ مجموعتين‌ رئيسيتين‌ شرقية‌ وغربية‌ وهاتان‌ تنقسمان‌ الى‌ فرعين‌ شمالي‌ وجنوبي‌. الفرع‌ الشمالي‌ للمجموعة‌ الغربية‌ يسمى‌ (بهلوانيك‌) والفرع‌ الجنوبي‌ كان‌ يسمى‌ (البارسية‌ الوسطى).
ان‌ آثار الفرع‌ الشمالي‌ للغة‌ الفارسية‌ المسماة‌ (بهوانيك‌) أو (بارتي‌) نادرة‌ إلا أن‌ الفرع‌ الجنوبي‌ للغة‌ الفارسية‌ المسماة‌ (بارسي‌ ميانه‌) أي‌ الفارسية‌ الوسطى،‌ فقد عثر الكثير على‌ كتابات‌ ومدونات‌ حولها حيث‌ ان‌ بعضها كتبت‌ في‌ أوائل‌ ظهور الاسلام‌.

ان‌ آثار اللغة‌ الفارسية‌ الوسطى‌ التي‌ عثر عليها تنقسم‌ الى‌ قسمين‌:

1ـ المخطوطات‌ المنقوشة‌ التي‌ تنقسم‌ الى‌ نقوش‌ مكتوبة‌ وأحجار وصخور مكتوبة‌ حيث‌ الاولى‌ وجدت‌ على‌ الخواتم‌ والأواني‌ والنقود وهي‌ تعود الى‌ العصر الساساني‌ واغلبها موجود في‌ متاحف‌ روسيا ويبلغ‌ عددها 12000 قطعة‌ تقريبا.
أما الثانية‌، فوجدت‌ عليى الصخور والأحجار منذ العصر الساساني‌ وتعتبر كوثاتق‌ تاريخية‌ ولغوية‌ قيمة‌ وتعود الى‌ المائة‌ الثالثة‌ للميلاد وقد كتبت‌ باللغات‌ الفارسية‌ الوسطى‌ والفارسية‌ المسماة‌ بهوانيك‌ واليونانية‌ أيضاً. فهناك‌ على‌ سبيل‌ المثال‌ لوحات‌ حجرية‌ لملوك‌ وشخصيات‌ مثل‌ الملك‌ أردشير الأول‌ والقائد رستم‌ ومعبد زرادشت‌ وتخت‌ جمشيد وطاق‌ بستان‌ وشابور الأول‌ وبهرام‌ الأول‌ وبهرام‌ الثاني‌ وشابور الثاني‌ وشابور الثالث‌، حيث‌ تقع‌ بعضها في‌ مدينتي‌ شيراز وكرمانشاه‌ وكردستان‌ العراق‌ ومنطقة‌ القفقاز.

2ـ المخطوطات‌ المكتوبة‌ على‌ الجلود والتي‌ كتبت‌ باللغة‌ الفارسية‌ الوسطى‌ بالخط‌ البهلوي‌ وتعود الى‌ القرن‌ الثامن‌ الميلادي‌ حيث‌ عثر عليها في‌ منطقة‌ الفيوم‌ في‌ مصر وعلى‌ سواحل‌ نهر الفرات‌.
وهناك‌ الكتب‌ والرسائل‌ حيث‌ وجدت‌ باللغة‌ الفارسية‌ الوسطى‌ ونصوصها بلغة‌ (بازندي‌) أي‌ بالخط‌ الاوستائي‌.
وكانت‌ الكتب‌ والرسائل‌ تحتوي‌ على‌ مواضيع‌ مختلفة‌ منها العادات‌ والتقاليد والتاريخ‌ والأدب‌ وخلق‌ الكون‌ ويوم‌ القيامية‌ والفلسفة‌ والقانون‌ والأخلاق‌ والتعليم‌ والنصائح‌ والأمثال‌ والتعاليم‌ والطقوس‌ الدينية‌ والفنون‌ والجغرافيا.

3ـ اللغة‌ الفارسية‌ الحديثة‌: لقد تحولت‌ وتطورت‌ اللغة‌ الفارسية‌ باعتناق‌ الايرانيين‌ الدين‌ الاسلامي‌ الحنيف‌، اذ أثرت‌ اللغة‌ العربية‌ لغة‌ القرآن‌ الكريم‌ في‌ اللغة‌ الفارسية‌ حيث‌ تم‌ استعمال‌ الخط‌ العربي‌ وبدأت‌ تسمى‌ الفارسية‌ بالفارسية‌ الحديثة‌ أو اللغة‌ (الدرية‌).
وكما قال‌ الأستاذ مرتضى مطهري،‌ فان‌ الاسلام‌ قدّم‌ خدمات‌ كبيرة‌ الى‌ ايران‌ وان‌ ايران‌ أيضاً قدّمت‌ خدمات‌ كبيرة‌ الى‌ الاسلام‌.

فالاسلام‌ حرر الايرانيين‌ من‌ قيود الحكومات‌ المستبدة‌ كالدولة‌ الساسانية‌ ورجال‌ الدين‌ الزرادشتيين‌ المتغطرسين‌ ونادى‌ الاسلام‌ بالاخوة‌ والمساواة‌ وازالة‌ الامتيازات‌ المادية‌ والتمايز الطبقي‌.

ولقد تفتحت‌ العبقرية‌ الايرانية‌ خلال‌ العصر الاسلامي‌ في‌ ميادين‌ شتى‌ كالعلم‌ والأدب‌ واللغة‌ والرياضيات‌ والفلسفة‌ والطب‌ والفلك‌ والعلوم‌ الدينية‌ حيث‌ كان‌ الايرانيون‌ يحملون‌ راية‌ العلوم‌ والحضارة‌ بينما كانت‌ أوروبا تغط‌ في‌ ظلمات‌ القرون‌ الوسطى.

وتجاه‌ النفوذ والآثار العلمية‌ والاجتماعية‌ والثقافية‌ الايرانية‌ في‌ المجتمع‌ العربي،‌ فانه‌ لابد من‌ الحديث‌ عن‌ نفوذ اللغة‌ العربية‌ لغة‌ الدين‌ الاسلامي‌ في‌ المجتمع‌ الايراني‌ حيث‌ قام‌ العلماء الايرانيون‌ بالابتعاد عن‌ الكتابة‌ باللغة‌ الفارسية‌ البهلوية‌ التي‌ لم‌ تكن‌ تخلو من‌ صعوبات‌ وبدأوا باستعمال‌ اللغة‌ العربية‌ لغة‌ القرآن‌ الغنية‌ بمفاهيمها الدينية‌ والعلمية‌ واعتبروها هبة‌ إلهية.

وهكذا فقد قاموا بتطعيمها بلغتهم‌ وأنتجوا باللغة‌ هذه‌ وكتبوا ودونوا بها الكثير في‌ المجالات‌ المختلفة‌ مع‌ الحفاظ‌ على‌ اللغة‌ الفارسية‌ والثقافة‌ الفارسية‌ والاحتفاظ‌ بالهوية‌ الاسلامية‌ والهوية‌ الايرانية‌ المستقلة‌. وهناك‌ الكثير الكثير من‌ الايرانيين‌ ممن‌ أبدعوا وبرعوا وكتبوا باللغة‌ العربية‌ علماً وشعراً ونثراً.