رمز الخبر: ۳۲۳۹۸
تأريخ النشر: 14:48 - 13 April 2016
منتصف شهر آذار الماضي، اقترحت كل من قطر و السعودية وروسيا الاتحادية وفنزويلا في اجتماع عُقد في العاصمة القطرية الدوحة تثبيت الانتاج العالمية للنفط عند مستويات كانون الثاني 2016 ودعت الدول الأعضاء بمنظمة  أوبك والدول المنتجة الرئيسية من خارج المنظمة لتبني هذا الاقتراح وتطبيقه، لوقف نزيف الاسعار التي خسرت نحو 70% من قيمتها منذ جزيران 2014، وتراجع سعر البرميل من 120 دولار الى أقل من 40 دولارا تزامنا مع تراجع معنويات الاقتصادات الناشئة والمتقدمة، كالصين وروسيا ودول منطقة الاورو، ما إنعكس بشكل كارثي على العديد من ميزانيات الدول التي يؤمن النفط الجزء الاكبر من إيراداتها.

وكانت الدوحة وجهت الدعوة إلى الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبيك"، وعدد من الدول المنتجة الرئيسية من خارجها، للمشاركة في الاجتماع، الذي يهدف للتوصل الى إتفاق نهائي حول تثبيت الإنتاج وبحث أفضل السبل التي من شأنها إعادة التوازن إلى سوق النفط العالمية . واليوم تتجه انظار العالم بشكل عام والمستثمرين خصوصا الى اجتماع كبار منتجي النفط في العالم يوم 17 نيسان في العاصمة القطرية ايضا للبحث فيه إمكانية إقرار الاتفاق الذي تم التوصل اليه مطلع آذار خلال الاجتماع بين قطر والسعودية وروسيا الاتحادية وفنزويلا . وأكدت أكثر من 12 دولة رسميا مشاركتها في هذا الاجتماع يشكل إنتاجها معا نحو 73% من إجمالي إنتاج النفط العالمي وضمنها السعودية،روسيا، الكويت، الإمارات، فنزويلا، نيجيريا، الجزائر، إندونيسيا، الإكوادور، البحرين، سلطنة عمان، أذربيجان بالإضافة إلى قطر.

واليوم تضع هذه الدول كل أمالها على هذا الاجتماع لوقف نزيف الاسعار، وتسابقة التحليلات والتوقعات الخاصة بما قد يؤول اليه هذا الاجتماع بين تصريحات متفائلة وأخرى أقل تفاؤلاً وأيضا تصريحات حدت من نسب الامال الموضوعة على ما قد يخرج به هذا اللقاء النفطي وإنعكاسه على الاسعار.

فقد إعتبرت محافظة الكويت في "أوبيك" نوال الفزيع أنَّ كل المؤشرات تدل على أنَّه سيكون هناك اتفاق مبدئي على تثبيت الإنتاج في اجتماع الدوحة، متوقعة عودة التوازن الى "سوق النفط في النصف الثاني من هذه السنة، ليراوح سعر خام  برنت بين 45 و60 دولاراً للبرميل من هذا التاريخ حتى سنة 2018.

بدوره توقع وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك أن تتراوح أسعار_النفط في الأسواق العالمية بين 40 و45 دولاراً للبرميل في النصف الثاني من هذا العام مع احتمال ارتفاعها إلى 50 دولاراً للبرميل بنهاية 2016، معتبرا ان إجتماع الدوحة قد يساعد في التعجيل بإعادة التوازن لسوق النفط خلال ثلاثة إلى ستة أشهر رغم إشارته الى ان مخاطر تقلب الأسعار بأسواق النفط العالمية لا تزال قائمة. كما أشار نوفاك أن موسكو ملتزمة بالاتفاق المبدئي على تثبيت إلانتاج، كاشفا عن إمكانية طرح إقتراحات أخرى خلال إجتماع الدوحة لوضع حد لتراجع الاسعار.

أما المؤسسات المالية والمصرفية الكبرى فيبدو انها أقل تفاؤلا في هذا الشأن، حيث خفض بنك غولدمان_ساكس من احتمالات نجاح اجتماع منتجي النفط في الدوحة بوضع حد لتراجع الاسعار، حيث أفاد المصرف أنه من غير المتوقع أن يتمخض اجتماع منتجي النفط في الدوحة عن مفاجأة تدفع الأسعار للصعود. وأضاف أن تجميد الإنتاج عند مستوياته في الآونة الأخيرة لن يسرع عودة التوازن للسوق، إذ أن مستويات إنتاج منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبيك" وروسيا في العام الحالي تظل عند متوسطها السنوي المتوقع البالغ 40.5 مليون برميل يوميا. وذكر "غولدمان ساكس" إن عودة التوازن للسوق ستتطلب بقاء أسعار النفط منخفضة، متوقعا أن يبلغ سعر النفط في الربع الثاني من العام الجاري 35 دولارا للبرميل.

بدورها حذرت مؤسسة مورغان_ستانلي من أن أسعار النفط الحالية التي سجلت بعض المكاسب في الفترة الاخيرة تعود للتوقفات المؤقتة في الإنتاج في عدد من الدول بالاضافة الى انخفاض المخزونات الأمريكية وعدد منصات الحفر كما لقيت الأسعار دعما من توقفات بتثبيت المنتجين لمستويات الإنتاج، ولا تنم بالضرورة عن اتجاه صعودي للأسعار وصولا إلى سعر ثابت، أو عن دلائل على تعاف أسرع لاختلال التوازن العالمي (بين العرض والطلب) في السوق.
أما شركة بي_بي البريطانية فقد كانت أكثر حذرة في تحاليلها، حيث رجحت أن تشهد أسواق النفط العالمية استقرارا في المعروض هذا العام مع ارتفاع الإنتاج في إيران وانخفاضه بمناطق أخرى في العالم.

وبدورهم ، إستبق مصدرو النفط الرئيسيون في أميركا اللاتينية إجتماع الدوحة وحثوا الدول المنتجة سواء الأعضاء أو غير الأعضاء في منظمة أوبك على اتخاذ إجراءات للمساعدة في استقرار أسواق النفط في بيان خجول لا يساند بشكل واضح تجميدا للإنتاج أو يقدم مقترحات جديدة وأكثر حزما لدعم الاسعار المنخقضة. وبالفعل، إجتمع ممثلون عن كل من الإكوادور وكولومبيا والمكسيك وفنزويلا في العاصمة كيتو منذ أيام قليلة وأعربوا عن أملهم بأن يساعد إتفاق الدوحة في تقليل تخمة الإمدادات لتحقيق الاستقرار في سوق البترول الدولية وتحسين الاسعار بما يعود بالنفع على الدول المنتجة والمستهلكة، كما إتفقت الدول الاربع أيضا على إنشاء آلية إقليمية للحوار بشأن احتياطيات النفط و الغاز والانتاج والطلب و المخزونات.

ولكن أمام هذا الواقع لا يمكن ان ننسى التصريح الواضح والصريح لولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حيث أكد إن السعودية لن توافق على تثبيت إنتاج النفط الخام إلا إذا فعلت ذلك إيران وكبار المنتجين الآخرين، ليأكد بدوره ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف أن بلاده مستعدة لمواجهة فترة طويلة من تدني أسعار النفط . أما وزير البترول السعودي علي النعيمي فقد إستبعد خفض الإنتاج من قبل الدول المنتجة للنفط من أجل دعم الأسعار، واصفاً ذلك بالأمر المستحيل، وقال النعيمي على هامش المنتدى السادس للبتروكيماويات 2016، المنعقد في العاصمة السعودية الرياض إن تراجع الأسعار مفيد للشركات البتروكيماوية، ولكن الأسواق تعتمد على الطلب. ورغم تخفيف الجانب السعودي بشكل مستمر للتداعيات السلبية لتراجع اسعار النفط على الوضع المالي في المملكة الا ان للمؤسسات الدولية رأي أخر، حيث خفضت وكالة "فيتش " مرة جديدة تصنيف السعودية الائتماني من AA الى –AA كما أبقت على نظرتها المستقبلية تجاهها "سلبية". وأوضحت "فيتش" أنها اتخذت ذلك القرار بناءً على حقيقة أنه في حال ظلت أسعار النفط عند 35 دولاراً للبرميل هذا العام، وعند 45 دولاراً للبرميل في عام 2017، فإن ذلك سيكون له تباعيات سلبية كبيرة على الموازين المالية والخارجية للمملكة. وأشارت "فيتش" إلى أن العجز الحكومي في السعودية تضخم إلى 14.8% من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي من 2.3% في 2014.

وكلام الامير محمد بن سلمان الاخير كان ردا على ما قاله وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه إن بلاده سوف تواصل زيادة إنتاج النفط وصادراته حتى تصل إلى الوضع الذي كانت تتمتع به في السوق قبل فرض العقوبات الغربية عليها، رغم تأكيد ان إن الاتفاق على تثبيت الإنتاج هو خطوة إيجابية، فيما إعتُبر ما قاله حول ربط حضور إجتماع الدوحة بما إذا كان لديه وقت لذلك نوع من الاستفزاز والمراوحة.
وتقدر مصادر غير رسمية حجم إنتاج إيران حاليا بنحو 2.93 مليون برميل يوميا. وتسعى طهران إلى استعادة حصتها السوقية وبخاصة في أوروبا حيث أدت العقوبات إلى تراجع صادراتها من مستوى الذروة الذي بلغ 2.5 مليون برميل يوميا قبل 2011 إلى مليون برميل يوميا فقط في السنوات الأخيرة. وتسعى إيران لإنعاش قطاعها النفطي عقب رفع العقوبات_الدولية عنها في إطار اتفاق دولي بخصوص برنامج طهران النووي. فيما توقعت وكالة الطاقة الدولية أن تضيف إيران نصف مليون برميل يوميا إلى معروض النفط من حقولها الحالية خلال عام بعد رفع العقوبات لكن تطوير حقول جديدة سيستغرق وقتا. أما زنغنه فتوقع بدوره ان يصل إن إنتاج بلاده من الخام إلى أربعة ملايين برميل يومياً بحلول آذار 2017، بعد ان تجاوزت صادرات بلاده من الخام مليوني برميل يومياً في الشهرين الفارسيين اللذين ينتهيان في 19 من نيسان.

بإختصار، تحتلف الأراء والتحاليل والتوقعات حيال مصير السوق النفطي والاسعار للمرحلة المقبلة، بين من جهة من هو متفائل بعودة التوازن للأسعار قريبا مع إنحسار التراجع الكبير وارتفاع الطلب خلال 2016 و2017 ما يعني أن انكماش أسعار النفط في الوقت الراهن هو آخر الدورة الاقتصادية، وإننا على مشارف ربيع نفطي فيما يتعلق بالاسعار، ومن جهة أخرى من يعتبر ان فصل الشتاء لم ينتهي بعد والاسعار ستبقى في نطاق الضعف لفترة غير قصيرة بإنتظار إستيعاب السوق لفائض المعروض والعودة الى التوازن تدريجياً مع التخفيف من الأمال الموضوعة على إجتماع الدوحة، الذي يشهد صعوبة بالتوافق بين المنتجين على تجميد الإنتاج في ضوء اشتراط انضمام إيران وكبار المنتجين لاتفاق التجميد حتى يتم الالتزام به، فيما فسره البعض باحتمالية كبيرة لعودة التسابق الإنتاجي والمنافسة على الحصص السوقية.

جريدة النهار
الكلمات الرئيسة: النفط ، الدوحة