رمز الخبر: ۳۲۷۸۴
تأريخ النشر: 14:48 - 20 December 2016
وبوتين الذي كان يتهم في ما سبق الغرب والدول الغربية بالتدخل في الشؤون الروسية وباحتها الخلفية، متهم هو اليوم في لعب دور كبير في هندسة الانتخابات الأمريكية.
عصر ايران- "تزعم المنظمات الاستخباراتية الأمريكية متفقة أن روسيا لعبت دورا في الحملة الانتخابية الأمريكية الأخيرة، والأهم من ذلك أنها لعبت دورا أساسيا في انتصار الرئيس الأمريكي المنتخب."

أن نتخيل مثل هذا، مقارنة بما شهدناه في العالم خلال العقود الماضية، يعتبر تغييرا كبيرا في علاقة السلطتين الكبريين السابقتين في العالم أي الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية. اتهام بوتين بالتدخل في فوز ترامب يعني أن البيت الأبيض وقع تحت احتلال روسيا بعد عقود من المعارك بين موسكو وواشنطن.

وبسبب البنية السلطوية المغلقة لدى الروس، فإنهم لا يسمحون لأي بلد أجنبي بالتسلل إلى النواة الأساسية للسلطة في بلادهم، بينما في المقابل "الديمقراطية الأمريكية" فيها الكثير من الثقوب والطرق لكي يصل الآخر إلى أعمق طبقات السلطة في هذا البلد، ما يبدو أنه استطاع أن يفعله الرئيس الروسي المقتدر.

وبوتين، الواقف وراء كل القرارات الأساسية والمهمة في موسكو، يتهم منذ سنوات البنى الغربية بالتدخل والنفوذ في البنى الروسية، معتقدا أن الغرب ينوي التسلل إلى روسيا عن طريق المؤسسات المدنية والمنظمات غير الحكومية، ويعني خصوصا بذلك أمريكا ودول اوروبا الغربية.

غير أن الاتهامات الموجهة مؤخرا من قبل المنظمات الاستخباراتية الأمريكة تجاه دور روسيا في فوز دونلد ترامب في الانتخابات الأمريكية، حديث جديد، وقد وجه الاتهام هذه المرة صوب الروس أنفسهم بالتسلل إلى أمريكا، وبأنهم بالهجمات الالكترونية ضد الأجهزة الالكترونية للحزبين الرئيسيين في أمريكا، سربوا معلومات إلى الإعلام عبر موقع ويكي ليكيس، ليزعزعوا مكانة مرشح للانتخابات (هيلاري كلينتون) مقابل تعزيز مكانة المرشح المرغوب فيه من قبلهم (دونلد ترامب).

ورغم أن روسيا وفريق الرئيس الأمريكي المنتخب رفضوا مثل تلك الاتهامات مرارا، إلا أن وجود مثل تلك الاتهامات مبدئيا جدير بالانتباه. 

وبوتين الذي كان يتهم في ما سبق الغرب والدول الغربية بالتدخل في الشؤون الروسية وباحتها الخلفية، متهم هو اليوم في لعب دور كبير في هندسة الانتخابات الأمريكية، وينتظر أن يجني ثمار استثماره من أجل فوز مرشحه الأمريكي المفضل.

يستطيع بوتين الآن أن يتحول في العالم إلى شخصية بلا منافس؛ فبالرغم من أنه يرأس بلدا ممتلكا للبترول لا يلعب دورا اقتصاديا في العالم، بل وحتى يعاني من مقاطعات مزعجة من قبل أوروبا وأمريكا، غير أنه سياسيا يمتلك مكانة هامة على صعيد السياسة الدولية؛ فعند قضية الهجوم على جورجيا، وفصل أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا من هذا البلد عام 2008، وثم في انفصال شبه جزيرة القرم من أوكرانيا وضمها إلى روسيا، لم يواجه بوتين تحديا جادا على الصعيد الدولي إلا عقوبات غير حادة من قبل الدول الأوروبية.

ومنذ أكثر من عام وهو يلعب دورا بارزا في الشرق الأوسط، وقد تحول إلى أهم وأقوى لاعب دور في الأزمة السورية. وقد أسست روسيا قاعدة دائمية في سوريا تمكنها من الوصول إلى البحر المتوسط في أي وقت.

ومن جهة أخرى شهدنا قدرة بوتين في الأيام الماضية وخلال الاتفاق النفطي غير المسبوق بين الأوبك والدول النفطية غير الأعضاء فيها؛ فحسب اتفاق كثير من المنظرين ووسائل الإعلام كان الرئيس الروسي هو "اللاحم الرئيسي" لهذا الاتفاق، وقد حاول أن يقرب وجهات نظر العضوين المعارضين في الأوبك أي الجهورية الإسلامية الإيرانية والسعودية.

وتتفق اليوم المنظمات الاستخباراتية الأمريكية أن الرجل الروسي الأقوى لعب دورا في انتخاب رجل أمريكا (بل العالم) الأقوى.

يستطيع اليوم بوتين وبمثل هذه الخطوات أن يأمل أن دوره تجاوز كثيرا مستوى السياسة الروسية ودول الجوار وقد تحول إلى الرجل الأول في الشرق الأوسط، وحتى اللاعب الأساسي في تحديد رجل أمريكا الأول.

اتهام تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية، إن كان صحيحا أو تصورا موهوما، وإن كان مبالغا فيه أو حقيقيا، فلا يمكننا أن نتردد في قضية واحدة وهي أن مبدأ مثل هذا الاتهام الموجه إلى روسيا، يدل على إحياء قسم من القدرة الروسية المفقودة منذ 25 عاما، أي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، والرجل الذي نجح في إحياء القدرة الروسية "الصلبة والناعمة" في السنوات الماضية ألا وهو بوتين.