رمز الخبر: ۳۵۳۵
تأريخ النشر: 13:02 - 08 April 2008
أزمة البصرة من منظور آخر
عصر ايران – لقد كان عدد محدود من اصحاب الراي يتصورون بان الاضطرابات الاخيرة في البصرة ستنتهي مع المهلة التي حددتها حكومة المالكي لثلاثة ايام باقل قدر ممكن من التصادم بين الحكومة والمتمردين وان يصل الامر الى حد يطلب فيه مقتدى الصدر رسميا من انصاره بان يسلموا اسلحتهم الى الحكومة.

والان وبعد انحسار ازمة البصرة فانه يجب التطرق الى انجازات حكومة المالكي في احتواء هذه الازمة.
ان ازمة البصرة لم تكن التحدي الوحيد الذي مرت به حكومة المالكي. فثمة اختبارات عصيبة مرت بها حكومة المالكي هي ذات نطاق واسع منها : التعامل مع اميركا وبريطانيا ، تنظيم العلاقات مع جيران العراق بمن فيهم الجمهورية الاسلامية الايرانية وتركيا وسورية ، مكافحة المجموعات الارهابية مثل القاعدة واحتواء تيار التطرف السني والشيعي و... .

ان تراكم هذه الاختبارات العصيبة جعلت من حكومة المالكي على مر الزمن "نموذجا موفقا ومثالا ملائما للحكم" بالنسبه ل"العراق الجديد".

والحقيقة ان النصر الرئيسي لحكومة المالكي يتمثل في النجاح في التفريق بين المطالب الخاصة لبعض المجموعات والمطالب المنطقية للمجموعات الرئيسية في العراق. فبعد سقوط نظام صدام حسين وبسبب القمع الوحشي الذي تعرض له الشيعة في العراق على يد صدام فانه كان من الطبيعي ان تظهر في المناخ الجديد بعض المجموعات التي ترفع الشعارات الراديكالية ، ان تحركات كهذه كان يمكن ان تتحول الى نيران تمهيدية لفتنة طائفية كبرى في العراق ( وكما ظهرت شرر خطيرة لهذه القضية).

لكن اذا كانت اليوم اضطرابات البصرة (بوصف المدينة بانها القلب النفطي النابض للعراق) قد خمدت في غضون ثلاثة ايام اثر المهلة الحازمة التي حددتها حكومة المالكي ، فان هذا النجاح هو اعمق بكثير من احتواء تمرد في مدينة ما.

ان الدرس الاول من الاحتواء الناجح لاضطرابات البصرة يتمثل في انه لو كانت المجموعة المثيرة للاضطرابات تملك شعبية بين اغلبية الناس لما كانت الحكومة العراقية استطاعت احتوائها بهذه السرعة والقوة. ومن هذا المنطلق فان دعم اغلبية الشيعة لاجراء الحكومة في احتواء مجموعة ما يشكل بحد ذاته نجاحا كبيرا لحكومة المالكي وهذا يظهر بان الشيعة في العراق قد بلغوا مرحلة من النضج السياسي المرجو بحيث ان اي شعار او حركة حادة ليس بامكانها اجتذابهم وان الشيعة يستعدون للاضطلاع بدور وطني في التطورات بالعراق اذ يعتبر المالكي مثالا موفقا لهذا النضج السياسي.

ويجب الانتباه الى ان تمرد البصرة كان بامكانة ان يتحول الى تيار شامل وخطير ، ان الاضطراب في عاصمة العراق النفطية وانفجار انابيب النفط والاضطرابات الدامية في الميناء العراقي الوحيد كان يمكن ان تترك اثارا سلبية فورية على الاقتصاد والسياسة في العراق لكن هذا الامر لم يحدث في ضوء دراية وحكمة حكومة المالكي.

ويمكن استخلاص هذا الدرس من اضطرابات البصرة وهو ان المجموعة التي كانت قد احدثت في السابق اضطرابات في المدينتين المقدستين للشيعة اي كربلاء المقدسة والنجف الاشرف ، يئست او اصبحت عاجزة شيئا فشيئا عن ايجاد التحرك واثارة الاضطراب في "المدن الدينية" وتراجعت وقد فضلت اليوم ان تختبر حظها لاستعراض ذاتها في مناطق اخرى من العراق وهذا يحوي بحد ذاته رسالة ايجابية عن استقرار العراق.

ان حكومة المالكي تمثل الاغلبية الشيعية في العراق وان الشيعة يعتبرونها بانها "منهم". وهذا الامر اضفى متانة خاصة ومصيرية على حكومة المالكي وهي تمنح بدورها القدرة للحكومة للتصدي للمجموعات الهامشية واستمرار هذه السياسة المنطقية يظهر للعالم ان حكومة المالكي هي "حكومة وطنية".

ان الاوامر التي اصدرها مقتدى الصدر لانصاره لتسليم سلاحهم الى القوات الحكومية يحمل هذا المعنى بان الشخصيات الرئيسية للتيار المذكور مضطرة للاعتراف رسميا بالعملية السياسية في العراق الجديد ويتعين عليها دخول الساحة السياسية لعرض مطالبها.

يبقى ان نقول بان كفاءة وحصافة حكومة المالكي في احتواء الازمات الداخلية في العراق تلقي عمليا بظلال من الشك على فلسفة وشرعية "الاحتلال" وهذا الفخر يسجل في التاريخ للحكومة المدعومة من الاغلبية الشيعية في العراق.