رمز الخبر: ۳۹۴۸۱
تأريخ النشر: 10:31 - 05 March 2018

عصر إيران - إن الخطاب السیاسی للرئیس الإیرانی حسن روحانی والذی جذب من خلاله الرأی العام الإیرانی، وکثیراً من القیادات الدینیة والسیاسیة حوله، شکّل نموذجاً جدیداً فی قیادة إیران ونظامها السیاسی نحو الحداثة، وذلک لأنه أکد الرغبة بالتغییر باتجاه الفکر الإصلاحی بصورة عاقلة ومتّزنة.

ولعلّ أهم ما رکز علیه برنامج الحکومة الإیرانیة موضوعین أساسیین، هما الاقتصاد والتنمیة الشاملة.

ففی المجال الاقتصادی جرى تعدیل المشاریع القدیمة من منظور إصلاحی وسطی، کتوجیه الدعم وأسهم العدالة وإسکان المحبة. وفی مجال السیاسة حرصت الحکومة على عرض صورة معتدلة للنظام الحاکم فی التفاهمات والعلاقات والمباحثات الدولیة کلها، فضلاً عن السعی لإزالة کل أشکال التهدید الخارجی من خلال آلات الدبلوماسیة، وهو ما أدى إلى رفع العقوبات وزیادة العلاقات الاقتصادیة مع دول العالم، رغم الالتزام بمبادئ ونهج الثورة الإسلامیة والدفاع عن حقوق الشعوب المظلومة والمستضعفة وخاصة شعب فلسطین.

وهو ما ساهم بإیلاء إیران دوراً فعالاً یتناسب مع مکانتها على المستوى الإقلیمی والدولی. أما فی المجال الاجتماعی، فقد کان الترکیز على ضرورة الانسجام بین أطیاف المجتمع کافة، وعلى تعزیز حق المواطنة والاهتمام بالتنمیة البشریة لدى الشباب ورفع مکانة المرأة وحصولها على حقوقها.

أما فی المجال الثقافی، فقد کان التعبیر واضحاً عن تطویر استراتیجیة الثقافة الوطنیة، وتأکید محوریة الثقافة فی برنامج الحکومة، مع الحفاظ على الأسس الدینیة فی الثقافة المجتمعیة. فضلاً عن الحرص على نبذ أشکال العنف، وتحقیق التوازن بین العرقیات الثقافیة وانسجامها کأساس لانسجام الثقافة الوطنیة، مع إتاحة حریة الرأی والتعبیر فی إطار القیم المعنویة للمجتمع.

کما تمّ العمل على إیجاد النقابات للعاملین فی الحقل الثقافی وتشجیع الاستثمار الاقتصادی فی المجالات الثقافیة، الأمر الذی ساهم بتصدیر التراث الإیرانی للعالم من هذا المنظور.وقد کان التحوّل واضحاً فی المجال السیاسی، حیث تم الترکیز على عدم إقصاء أی فصیل یلتزم بالدستور، بما یشیر إلى إعادة فعالیة التیار الإصلاحی المعتدل، واحتواء التیارات الأخرى.

إلا أن اللافت فعلاً هو التحوّل فی مجال الأمن القومی، حیث تمّ الترکیز على تحقیق التوازن بین أمن الأفراد وأمن النظام، وتقنین نشاط وزارة المعلومات، ودعم الاطمئنان العام والثقة فی توافر الأمن الداخلی والقضاء على أسباب التوتّر قدر الإمکان، والمحافظة على أمن البلاد واستقلالها ووحدة أراضیها، والسعی من أجل نشر الاستقرار الإقلیمی والعالمی.

إلا أن الإیرانیین واقعیون، ویعرفون أن الأیام المقبلة صعبة، وحجم الضغوط التی تمارس علیها، خصوصاً فی ظل وجود رئیس أمیرکی لدیه ولاء مطلق نحو «إسرائیل»، ومشروع شرق أوسط معدّل یرمی لتأسیس تحالف إقلیمی بوجه طهران.فدور طهران المحوری فی دعم محور المقاومة من لبنان وسوریة وفلسطین والعراق والیمن والبحرین، جعلها مستهدفة بشکل أساسی من أمیرکا و«إسرائیل» وحلفائهما، ولذلک فإن التحدی المرحلی للرئیس روحانی یکمن فی حث الجمیع على التحلی بالصبر لتحقیق تقدم سیاسی واقتصادی ثابت.

وفی القضاء بشکل کامل على مشکلة البطالة التی لا تقارن بأی بطالة فی أی دولة عربیة أو شرق أوسطیة. أما التحدّی الثانی فیکمن فی التوصل إلى حلول مبتکرة لجذب رؤوس الأموال اللازمة إلى السوق الإیرانیة، والاستفادة من الزخم الشعبی الذی یتمتع به من أجل إدخال الإصلاحات التی یمکن أن تغیّر الوقائع السیاسیة والاقتصادیة بشکل ملموس، وإنما بشکل تدریجی.لکن رغم الصعوبات، فإن إیران نجحت فی الحفاظ على قرارها السیاسی المستقل، وعلى مواجهة المخاطر المحدقة فی العراق وسوریة ولبنان والیمن والبحرین، وبالقضاء على مشروعی تقسیم المنطقة وتصدیر الإرهاب، وأسست لحلف استراتیجی مع موسکو وبکین، الأمر الذی عزّز موقعها على الصعید الدولی.

وقراءة سریعة لمجمل السیاسة الإیرانیة فی عهد الرئیس روحانی، نجد أنها سیاسة براغماتیة ناجحة، تدرک مدى تعقید الأوضاع وکیفیة تجاوزها بسلاسة، فروحانی تسلّم مقالید الرئاسة فی ظل أوضاع داخلیة وخارجیة صعبة، وورث مشکلات فترة الحکم السابقة لعهده، وتمکّن من إخراج إیران من عزلتها والحصار الاقتصادی، وطوّر البنیة التحتیة للبلد.

ورغم کل محاولات التدخل الخارجیة، فقد أثبتت الأحداث الأخیرة مدى التفاف الشعب حول قیادته وحرصه على بلاده. وبالنسبة للعلاقة مع المجتمع الدولی، فقد تمکّنت إیران فی عهد روحانی من التعامل مع الآخرین على قدم المساواة والندّیة، مؤکدة أن الحوار هو السبیل الوحید لبناء الثقة والاحترام المتبادل بین الشعوب.

والجدیر بالذکر، أن إیران تمکّنت فی عهد الرئیس روحانی على دعم قوتها الناعمة، وتأکید دور الدبلوماسیة فی السیاسة الخارجیة کإحدى أهم أدواتها، التی تمکّنت من حل قضایا شائکة کالإفراج عن الأموال الإیرانیة المحتجزة فی الخارج وإبرام الاتفاق النووی والحؤول دون إلغائه أو تعدیله، وإبرام تفاهمات مع دول الجوار، وإیجاد مصالح مشترکة، ونبذ الخلافات.

أی أن سیاسة إیران تمیّزت بالتأکید على مبادئ الثورة ورفض التدخلات الخارجیة فی شؤونها، إنما فی ظل تبنی نهج معتدل قادر على تحقیق نتائج کبیرة. ولو أن روحانی أفصح بأن هنالک ثلاث مشکلات واجهته، هی سوء إدارة الاقتصاد، والخضوع لنظام عقوبات شرس، وعلاقات مضطربة مع لاعبین کبار، وهذا ما أخّر تحقیق جمیع الأهداف التی کان یصبو إلیها. فمواجهة شبکة العقوبات وحدها التی تطال القطاعات الرئیسیة، کالبنوك والطاقة والشحن والنقل البحری والصناعات الثقیلة والمنتجات الزراعیة وغیرها، تحتاج إلى جهد جبار للاتفاق علیها.

غیر أن التحدی الأکبر، الذی واجه الرئیس ولم یفصح عنه، فیتمثل بسیاسة النفقات الشعبویة التی کانت سائدة سابقاً، کالقروض شبه المجانیة، والتی أغرقت الدولة بالنقد، وأدّت إلى ارتفاع التضخم بشکل مخیف. ولکن یشید معظم الإیرانیین بسیاسة الرئیس روحانی، وبعضهم یعتقد بأن رئیسهم بإمکانه أن یحقق المعجزات، أما البعض الآخر فیعلّق الآمال على نجاح الدبلوماسیة وإنهاء العقوبات بشکل نهائی لاستعادة عافیة الاقتصاد، غیر أن العبء الملقى على عاتق الرئیس الذی یتمتع بدعم المرشد الأعلى آیة الله علی خامنئی، کبیر جداً وهو یحتاج إلى رؤیة وشجاعة غیر مسبوقتین، لمواجهة الضغوط الخارجیة وإجراء الخطوات الإصلاحیة الصائبة القادرة على بناء مؤسسات الدولة الحدیثة والنهوض بالاقتصاد بشکل نهائی، ومما لا شک فیه أن الرئیس روحانی قادر على تحقیق ذلك، لأن معیاره الجدید للسیاسة هو الدیمقراطیة واحترام حقوق الإنسان والمساواة الاجتماعیة.

المصدر: الوفاق

الكلمات الرئيسة: ایران ، السیاسة