رمز الخبر: ۸۶۷۰
تأريخ النشر: 12:30 - 07 December 2008
مصطفى الحاج علي

إنه موسم الحج إلى سوريا، المشهد يفترض أن يكون عادياً، لأن ما يربط البلدين يفيض على الجغرافيا والتاريخ إلى الأواصر الاجتماعية والعائلية والدينية، لكن ثمة في لبنان من يهوى تحويل الطبيعي إلى استثنائي، وتحويل الاستثنائي إلى طبيعي، وإلا ما معنى، ان يستشيط البعض غيظاً من رؤية الدفء يعود مجدداً إلى العلاقات بين بلدين شقيقين، وفي الوقت نفسه نراه ينظر للعلاقات مع العدو الإسرائيلي، تحت مسميات مختلفة: الهدنة، الحياد، والمفاوضات غير المباشرة.
لكن هذا الفريق - فريق ۱۴ آذار - معذور لأسباب عديدة:

أولاً: إن تطبيع العلاقات اللبنانية - السورية بالنسبة لهذا الفريق هو بمثابة انهيار مركّب: انهيار لاستراتيجيته السياسية التي قامت على تأليب الرأي العام اللبناني ضد سوريا، من خلال تحويلها إلى العدو المطلق للبنان واللبنانيين، وفي هذا السياق، جرى تحميل دمشق مسؤولية كل الاغتيالات التي جرت في لبنان، في مقابل تبرئة الإسرائيلي، وتنظيف يديه، حتى من مجرد الشبهة، لأن المطلوب إحداث تحويل كامل في موقع لبنان ودوره، فبدلاً من أن تكون وجهة عدائه هي الكيان الإسرائيلي، تصبح وجهة العداء هي سوريا، ومع هذا المنطق يستقيم اسقاط سلاح المقاومة ودورها، فما دام العدو هو سوريا، فلا مبرر له، ويكتفي هنا بأن يكون السلاح هو سلاح (ثورة الأرز) وشبكاتها ومكاتبها وشركاتها الأمنية.

إن التطبيع للعلاقات اللبنانية - السورية هو أيضاً، انهيار لاستراتيجية الافتراءات ضد سوريا، فما يراه فريق ۱۴ آذار في هذا التطبيع، هو تبرئة بمفعول رجعي لسوريا، وغسل ليديها من كل افتراءات هذا الفريق.

فماذا يبقى بعد ذلك من صدقية ومصداقية لهذا الفريق أمام جمهوره؟ كيف يمكن له أن يبرر ما يجري؟ والتبرير هنا أكثر من مطلوب، لأن المرحلة هي مرحلة التسابق الانتخابي، التي للناس الكلمة الفصل فيها.

فهذا الفريق لا يحسد، فهو إن سكت سيظهر بمظهر الراضي، وهذا طامة كبرى بالنسبة له، لأنه سيكون كمن يبلع لسانه حتى الاختناق، وإن تكلم ورفع الصوت عالياً، فهو لن يستطيع أن يغير شيئاً في المكتوب، لكن يبقى الضرر أقل، لأنه عندها يستطيع الادعاء بأنه ما زال على مواقفه، وفعل ما يمكن فعله.

ثانياً: ثمة مفارقة هي أكثر ما يزعج فريق ۱۴ آذار بتلاوينه الثلاثة: المسيحي، والدرزي، والسني، المفارقة هنا، أن من افتتح التطبيع هو رئيس الجمهورية برمزيته الدستورية والمسيحية في آن، ومن تابعها ويتابعها حتى الآن، هم رموز مسيحية سواء في السلطة، أم كقوى وتيارات سياسية، الأمر الذي يعني أن من يقود عملية التطبيع اليوم هم المسيحيون، وخصوصاً الموارنة منهم، وفي هذا دلالات شتى أبرزها:

أ - ان المسيحيين يبدون اليوم وكأنهم يسيرون عكس مجمل تاريخهم العام الذي قام على عداوة معلنة أو مستترة مع سوريا، وفي المقابل يقود تيار المستقبل مساراً معاكساً لتاريخ السنة القومي والعروبي في لبنان، أي يقود السنة باتجاه العداوة مع سوريا.

ب - وليد جنبلاط منزعج لأكثر من اعتبار: فهو بدوره يرى أنه يأخذ قسماً من الدروز نحو العداوة مع سوريا، وفي الوقت نفسه، لا سيما بعد السابع من أيار، نراه لم يترك باباً إلا وطرقه لإعادة نسج العلاقات مع دمشق، وعلى صعيد آخر، يرى أن كل ما قام به آل إلى سراب، وأن التطبيع يبدو له أنه يتم بالمجان، خلاصة القول هنا، ان جنبلاط يرى أنه كمن خرج بخُفّي حُنين: فلا هو ربح معركة العداوة مع سوريا، ولا هو ربح معركة إعادة العلاقات معها، ما يجعله في موقع هو الأضعف إذا ما حان وقت تطبيع العلاقات مع دمشق.

ثالثاً: إن فريق ۱۴ آذار لا يطلق النار على عون والمر وقائد الجيش فحسب، وإنما يطلق النار في الحقيقة أيضاً على رئيس الجمهورية، لأنه هو من سنّ سنة التطبيع مع دمشق وأطلقها، وكل الذين يزورونها رسمياً هم المحسوبون عليه، وبالتالي ما الذي لا يعجب هذا الفريق في رئيس الجمهورية الذي قبل به على مضض أصلاً؟

الجواب واضح، ويتمثل بالفارق النوعي في مبادئ ومنطلقات رئيس الجمهورية الخاصة بسياسته الخارجية، فهو يعمل على علاقات متوازنة مع الخارج لا تستعدي أحداً، بل تستثمر هذه العلاقات قدر المتاح لمصلحة لبنان، ففي رؤية سليمان، أن أخذ طرف على حساب طرف آخر هو إسهام في دفع لبنان إلى لعبة محاور لا يتحملها، وهذا على النقيض تماماً مما يعمل له فريق ۱۴ آذار، لا سيما لجهة تكريس العداء مع سوريا، وتحويل لبنان إلى منطلق للضغط على النظام في سوريا.

رابعاً: كان طبيعياً أن تنال زيارة قائد الجيش حصتها الكبيرة من الهجوم الآذاري شأنها شأن زيارة وزير الداخلية، لأن هذا الفريق يريد الجيش على صورته، وصورة ما يشتهي الأميركي، أي جيشاً عقيدته القتالية لا تحمل شيئاً ضد الإسرائيلي، وجيشاً مرتبطاً بالكامل بالأميركي، في حين أن غلة زيارة قائد الجيش من الزيارة عادت بما هو مناقض لتمنيات هذا الفريق.

إنه زمن المفارقات اللبنانية، وزعيق فريق ۱۴ آذار لن يستطيع قلب طبائع الأمور والحقائق، الحق قد يعانَد، لكن لا يُغلب، وهذا الدرس الأبلغ الذي على هذا الفريق تعلمه.