رمز الخبر: ۸۹۰۸
تأريخ النشر: 14:50 - 21 December 2008
سيوماس ميلن

بريطانيا تغادر العراق مجللة بالعار

إذا ما انسحبت القوات البريطانية من العراق بحلول حزيران القادم، سيكون ذلك مؤشرا لأكثر المراحل كارثية وخزيا في تاريخ بريطانيا الحديث. الذي صنفه اللورد بينغهام، أحد أهم امراء القانون في بريطانيا، باعتباره (سلسلة من الخروقات للقانون الدولي)، العدوان ضد العراق لم يدمر دولة بأكملها ويؤدي إلى مقتل عشرات الآلاف فحسب، لقد كان أيضا إذلالا سياسيا وعسكريا للقوى التي اجتاحته.

بالنسبة لبريطانيا، التي داست على دولة ذات سيادة بدعوة من إدارة اميركية طائشة إلى اقصى حد، كانت الحرب عارا قوميا دمر موقفها الدولي، وقواتها ستنسحب من العراق بكل مهانة. لقد أجبرتها المقاومة على الخروج من البصرة في الصيف الماضي تحت جنح الظلام، لكنها تركت خلفها أكداسا من الأدلة على ضرب السجناء والتعذيب والقتل، وكل هذا لم يعاقب عليه سوى جندي واحد من رتبة متدنية.

من الضروري توضيح هذه الحقيقة القاسية كتصحيح للتوجهات الرسمية الساعية للتقليل من رعب ما اصبح بالدليل القاطع مغامرة إجرامية، وتذكرة بمخاطر تصعيد الحرب التي لا يمكن كسبها في أفغانستان.

لكن في اي حال، في اعقاب انتخاب باراك أوباما تبدو الخطط الأخيرة أكثر مصداقية، كما أنها تلقى الترحيب رغم أن مئات من القوات ستظل هناك لتدريب العراقيين. لقد كان من الأفضل لكل من البريطانيين والعراقيين أن يكون الانسحاب شاملا لكل القوات البريطانية في إطار الإعداد لتحقيق عام في كارثة العراق. بدلا من ذلك، وفي إشارة إلى ما ستكون عليه الأشياء مستقبلا، استبدلت القوات البريطانية في مطار البصرة بقوات أميركية.

في غضون ذلك، توضح أكثر المعنى الفعلي للاتفاقية الأمنية التي وقعت الشهر الماضي بين الولايات المتحدة والحكومة العراقية. إن (اتفاقية وضع القوات)، التي حلت محل التفويض بالإكراه الذي منحته الأمم المتحدة لقوات الاحتلال وسينتهي نهاية هذا الشهر، كانت موضع ترحيب من جانب البعض باعتبارها صفقة واضحة لإنهاء الاحتلال خلال ثلاث سنوات.

لا شك في أن حكومة المنطقة الخضراء في العراق، وبضغط كبير من شعبها وجيرانها مثل إيران، انتزعت تنازلات هامة من المفاوضين الأميركيين لتغطية إجازة الاحتلال في النص الأصلي. والواقع أن الاتفاق النهائي يتعهد بأن تنسحب القوات الأميركية بنهاية العام ،۲۰۱۱ وأن القوات المقاتلة سوف تترك المناطق المدنية في حزيران العام القادم، وسيخضع المتعاقدون الأمنيون والجنود الأميركيون خارج الخدمة للقانون العراقي كما لن تستخدم الأراضي العراقية لشن هجمات على دول أخرى.

إن حقيقة أن الولايات المتحدة أجبرت على القيام بمثل هذه التعهدات يعكس شدة معارضة الشعبين العراقي والأميركي للاحتلال، واستمرار المقاومة العراقية ضد القوات الأميركية، وفوز أوباما في الانتخابات بسبب التزامه بسحب القوات المقاتلة خلال ۱۶ شهرا. ورغم ذلك فقد جرى شجب الاتفاق، باعتباره خيانة، من جانب مؤيدي السيد مقتدى الصدر وجماعات المقاومة وجمعية علماء المسلمين.

ومنذ فوزه في شهر تشرين الثاني، خرج أوباما عن الخط الذي رسمه لنفسه مؤكدا على أنه سيبقي (بعض القوات) لمحاربة (الإرهاب)، وللتدريب وحماية المدنيين الأميركيين - وقدر مستشاره الأمني أن عددها سيكون ما بين ۳۰ ألف جندي إلى ۵۵ الفا.

مذكرات من مسؤولي البنتاغون أوضحت أن هذه القوات الباقية ربما تظل لفترة طويلة بعد ،۲۰۱۱ لقد اتضح أن الاتفاق الأمني يمكن إنهاؤه من كلا الطرفين، لكن للحكومة العراقية أن تطلب من القوات الأميركية البقاء، كما هو موضح في (اتفاقية الإطار الاستراتيجية) طالما أن قواعدها أو وجودها غير معرف باعتباره دائم. ونظرا لأن الحكومة العراقية الحالية لن تستطيع البقاء لأسبوع واحد دون الحماية الأميركية، فإن ذلك الطلب سيحدث على الأرجح.

لا شيء من هذا يعني بأنه لن يكون هناك انسحاب كبير للقوات بعد أن يتسلم أوباما مهام منصبه الشهر القادم، لكن مدى هذا الانسحاب سوف يعتمد على نوع الضغط الذي سيواجهه في أميركا والعراق. الولايات المتحدة ملتزمة بإشراف طويل المدى على العراق. والحكومة العراقية تفاوض حاليا مع شركات النفط الرئيسية، الأميركية والبريطانية، عقدا سريا مدته عشرين عاما لإدارة ۹۰ بالمئة من أنتاج النفط في البلد. والصراع لإنهاء الاحتلال الأميركي والسيطرة على البلد يبدو من المستبعد الفوز به.

الأمر ذاته ينطبق على الحرب على الإرهاب، الذي احتل العراق المركز الدموي فيها. لقد كان ميراث هذه الحرب فشلا للولايات المتحدة: من نهضة إيران كقوة في المنطقة، تعميق الوضع المعقد للحرب الأفغانية، تقدم حماس وحزب الله ونذر انفجار داخلي في الباكستان - هذا إذا وضعنا جانبا تقدم اليسار الوطني في أميركا اللاتينية، والتحدي المتنامي من روسيا والصين. لكن صلب هذا، ثبوت ضعف أميركا في العراق، حرب الثلاثة ترليون دولار التي ساعدت في وصول الاقتصاد الأميركي إلى هذه الأزمة.

لا عجب أن النخبة الأميركية كانت تريد تغيير المسار، وبوش عبر بصورة مبهمة عن أسفه بسبب (فشل المخابرات في العراق). بالنسبة لأوباما، الامتحانات في السياسة الخارجية واضحة: إذا ما رفع يده عن العراق، وتفاوض في أفغانستان، وتشارك مع إيران، سيثبت أنه أهل لآمال العالم الذي وضعت فيه. إذا لم يفعل، سيمهد الأرض لمرحلة جديدة من الأزمات مع بقية العالم.