رمز الخبر: ۹۲۳۴
تأريخ النشر: 14:33 - 04 January 2009

لم يكن التلويح بالفيتو الأميركي على مشروع قرار وقف إطلاق النار في غزة مفاجئاً لأحد، ذلك لأن المندوب الأميركي في المجلس قد يمثل إسرائيل أكثر مما قد يمثل بلاده، نظراً للتطابق التام في المواقف الأميركية - الإسرائيلية، وخاصة فيما يتعلق بالاحتلال والقتل والتدمير، وارتكاب المجازر، إذ هل يعقل من مندوب الإدارة الأميركية التي قتلت حوالى مليون عراقي، وشردت ما يزيد على أربعة ملايين إلى خارج العراق أو داخله دون الحصول على تفويض من مجلس الأمن، أن تتأثر بمناظر المحرقة التي تمارسها إسرائيل بحق سكان قطاع غزة؟ أم تفاجأ بالإفراط باستخدام القوة الذي يمارسه هذا الكيان العنصري منذ أسبوع ونيف؟ أم تعير أي اهتمام لإدانة بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة لهذا الإفراط في استخدام القوة؟!
بكل تأكيد تصم الإدارة الأميركية آذانها، ولا تسمع أصوات شعوب العالم، وسياسييه، وقادته الداعية لوقف إطلاق النار، وتدرك تماماً أن الأسلحة الأميركية المتطورة التي تستخدمها إسرائيل قد صُنِّعت أميركياً من أجل الترويع والقتل والإفراط في التأثير ونشر الخراب والدمار، وربما يشعر بعض مصاصي الدماء في البيت الأبيض بالنشوة عندما يرون الدم المسفوح، وأجساد الأطفال الممزقة، وسحب الدخان الداكنة..
إن هذه العقلية لإدارة بوش التي ظهرت بكل وضوح وفظاظة وهي تماطل في وقف عدوان تموز ۲۰۰۶ على شعب لبنان، متذرعة بأن آلام الشعب اللبناني، ومآسيه، والحرائق التي اشتعلت في أجساد أطفاله وبناه التحتية، هي آلام المخاض لولادة الشرق الأوسط (الجديد) هذه العقلية هي التي دفعت مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق (برجنسكي) للقول:
(إن سياسة المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية ستقضي على أميركا وإسرائيل..).
أعتقد أنني والكثير ممن يعرفون مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس نيكسون يدركون أهمية ما يتوقع برجنسكي صاحب التنبؤ الشهير بسقوط الاتحاد السوفييتي عندما أخبروه بنجاح التجارب على (الدش) الذي سيمكن أميركا بإيصال بثها التلفزيوني إلى جميع أنحاء العالم في العام ۱۹۷۳ حيث أطلق عبارته الشهيرة (أبشروا سنسقط الاتحاد السوفييتي).
.. إن برجنسكي الذي قالها دون مواربة إبان عدوان تموز على لبنان، ولدى قراءته لصمود المقاومة اللبنانية، ومواقف شعوب العالم الرافضة لذلك العدوان ومطالبتها بوقف إطلاق النار، يدرك أن أي قوة في العالم ستسقط عندما تنفرد في مواقفها وتصرفاتها وهمجيتها، وتتصرف بما يتعارض مع إرادة شعوب العالم، أو حاولت أن تخمد مقاومة الشعوب ضد الاحتلال للحصول على حقوقها المسلوبة.
إن الحقائق التي أكدتها المقاومة العراقية، والانتصار الذي حققته المقاومة اللبنانية في تموز ۲۰۰۶ والتاريخ الطويل لانتصار الشعوب ضد المحتلين عبر العصور، تؤكد أن الشعب في غزة وفي فلسطين سيحقق أهدافه المشروعة، مهما اختلت موازين القوى لمصلحة الغزاة، لكن ذلك يجب ألا يدفع العرب والمسلمين وشعوب العالم إلى التقاعس والصمت والتسليم، بهذه الانتهاكات الإسرائيلية - الأميركية بحق الشعب الفلسطيني وبحق الإنسانية، وبحق مجلس الأمن الذي لم يستطع الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين اللذين مرّا بأبشع الأحوال خلال السنوات الثماني الماضية بسبب السلوك الأميركي - الإسرائيلي و(الفيتو) المعطل لجهود السلام.