رمز الخبر: ۹۸۹۰
تأريخ النشر: 16:41 - 26 January 2009
إبراهيم الموسوي
حديث غزة
 
عصر ایران- حديث غزة لا ينقضي، ولا يجب أن ينقضي، مع التوقف المؤقت لآلة الحرب الصهيونية عن دك البيوت وقتل المدنيين. صحيح أن همجية العدوان النازي قد انحسرت، وصحيح أيضاً أن جحافل المحتلين قد غادرت القطاع، ولكن الصحيح أيضاً وأيضاً أن غزة ما زالت ترزح تحت الحصار، وأنها ضحية الابتزاز في موضوع إعادة الإعمار، وأنها لا تزال خلف المعابر المغلقة.

لم يستطع العدو أن يُركع غزة، ولا نجحت نيرانه في فرض أي شرط على المقاومة وشعبها، كان الثمن غالياً جداً، ولكن الحرية أغلى، احترقت غزة، ودمرت مساكنها، واقتلعت أشجارها.. ذبح أهلها.. لكن شهادة الأحمر القاني كتبت عن غزة وأهل غزة أنهم لا يرفعون الراية البيضاء للعدو الغاصب المحتل، ولا يخرجون أذلاء رافعي الأيدي ليحافظوا على حياة ذليلة هي أبشع من الموت. لقد خرج أهل غزة ينشدون الحياة في موتهم، بعد أن وجدوا أن العدو لا يعطيهم سوى الموت في الحياة، وهم عرفوا تماماً أن الموت في حياتهم مقهورين، وأن الحياة في موتهم قاهرين.

غزة اليوم أعطت شهادة ميلاد وحياة جديدة للأمة، شهادة تقول إن أصغر طفل في غزة يمتلك إرادة وعزيمة أكثر وأكبر مما يمتلكه قادة ورؤساء في هذه الأنظمة العربية المتهالكة.

غزة اليوم أعطت فرصة حقيقية لكل أدعياء السيادة والتحرر والاستقلال ورفض التبعية كي يرفعوا رؤوسهم ويتنسموا شميم العزة والحرية الطالعة من جباه الغزاويين.

قاومت غزة بلحمها، بأبنائها وبناتها، واجهت آلة القتل الهمجية بصدور الأطفال، وكان لسان حالها للبعض، ادعمونا بوقف تآمركم، ادعمونا بتركنا نموت مستشهدين في مواجهة أعدائنا، بدل أن نتجرع مرارة الموت مرتين، مرة بسلاح الأعداء ومرة أخرى بخذلان الاخوة وتآمرهم علينا.
خرجت غزة مزهوة بانتصارها، رافعة رأسها تتيه عزاً ودلالاً وتحكي حكايات البطولة، وتفاخر أيضاً كما مارون الرأس، وعيتا الشعب وبنت جبيل، وخرجت غزة كأسطورة إغريقية تروي ملاحم الصمود الأسطوري لأطفال ونساء ورجال كأنهم ليسوا من جنس البشر. لقد أعطى أهل غزة أمثولة لأهل الأرض يتباهون بها أبداً، تقول الأمثولة بأن إرادة الإنسان أقوى من كل شيء، وأن التوكل على الله سبحانه وتعالى والإيمان به عزّ وجل، يكفيان من كل شيء، وعن كل شيء. للحسابات المادية واقعها وقيمتها، وللعمل المخطط والإعداد المنظّم حقه، ولكن ما هزم العدو الصهيوني في غزة ليس الصواريخ والقذائف التي تكاد لا تقارن أبداً بما يمتلكه العدو من أسلحة متطورة، وعدة وعدد، الذي هزم العدو في غزة، هو روح غزة، روح الاستشهاد والاستعداد للتضحية والفداء لدى أهل غزة.

ويبقى السؤال ماذا نفعل نحن؟ وماذا يفعل بقية العالم في أمثولة غزة؟ إن من أولى الواجبات علينا جميعاً، الاستمرار في دعم غزة وأهلها، وتمديد لحظة غزة إلى المستقبل، أن نتعاطى معها باللهفة نفسها التي تعاطينا معها إبان تعرضها للعدوان، أن ننظم التظاهرات والمسيرات، ونستمر في الضغط لفتح المعابر ورفع الحصار بالكامل، وإن من واجب المؤسسات الدولية والإنسانية أن تقدم يد العون بإعادة إعمار غزة وبناء ما تهدّم من بيوتها ومؤسساتها، إن من واجب الجمعيات الحقوقية والقانونية، ومنظمة العفو الدولية، أن لا تتوقف لحظة عن العمل قبل أن تقوم بإنجاز مهمتها بتجريم (اسرائيل) وقادتها وضباط جيشها بمسؤوليتهم عن جرائم الحرب، والجرائم بحق الإنسانية التي ارتكبوها بالجملة في حربهم الأخيرة ضد قطاع غزة، وقبلها في عدوان تموز على لبنان.

إن موجة التعاطف الهائلة، وحالة الصحوة الحقيقية التي ظهرت إبّان العدوان يجب أن تكون حافزاً لإطلاق المزيد من الأنشطة والفعاليات وتفعيل بروتوكولات المقاطعة الاقتصادية والثقافية والاكاديمية والتجارية مع العدو، يجب السعي بشكل دؤوب من قبل كل شعوب الأرض والمنظمات الأهلية ومناصري السلام والتحرر والاستقلال لإعلان إسرائيل ككيان عنصري حربي معادٍ للإنسانية في كل المحافل والمواقع الدولية.

يجب الارتقاء إلى مستوى مسؤولية الفظائع التي حصلت في غزة والرد عليها بأفضل ما لدينا، كي لا نندم في المستقبل، بأننا لم نفعل شيئاً لردع العدوان. لقد قام أهل غزة بواجبهم، فهل نقوم نحن بواجبنا حتى لا يأتي يوم آخر قريب أو بعيد نتحول فيه إلى جمعيات إحصاء لعدد الجرائم الإسرائيلية وضحاياها، إذا كان هذا هو الدور الفاشل للأمم المتحدة ومؤسساتها فينبغي لاتحاد الشعوب ان يعتبر ويبادر للفعل الحقيقي حتى لا يكون دوره فاشلاً كما دور الأمم التي تزعم تمثيله.

الانتقاد - لبنان